الحرب تقسو على مرضى سرطان الدم في اليمن
ليست الحرب وحدها ما يعانيه كثير من اليمنيين. فالحرب تتحالف مع سرطان الدم ضد هؤلاء، وتمنع وصول الدواء إليهم. وهو دواء حاسم لصمود المرضى، وانقطاعه يهدد حياتهم. أما المسؤولون فلا يتحركون بالرغم من المطالبات
ينتظر نحو 800 مواطن يمني مرضى بسرطان الدم أقدارهم بعد انتهاء جرعات دواء "جليفيك" وعجز الحكومة عن توفيره لهم منذ أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
يناشد المرضى الحكومة اليمنية والعاملين في المركز الوطني لعلاج الأورام العمل على توفير الدواء في أقرب وقت ممكن. ويشيرون إلى أنّ بعض الأعراض الناتجة عن عدم تناول الدواء بدأت بالظهور عليهم بشكل واضح.
يقول خالد المرهبي (35 عاماً)، وهو مريض بسرطان الدم، إنّ جماعة أنصار الله (الحوثيين) رفضت توفير الدواء الذي كانت الحكومة تقدمه على نفقتها. يضيف: "ذهبنا إلى وزارة المالية قبل ثلاثة أشهر لإقناع المسؤولين بإطلاق موازنة مركز الأورام لعام 2014/ 2015 كي يجري استيراد كميات جديدة من جليفيك، لكنّ أحد وكلاء الوزارة سخر منّا وقال إنّ بإمكاننا أن نموت كأنّ طائرة قصفتنا". يشير المرهبي إلى أنّ الوزارة بعد متابعة مستمرة، أصدرت تعزيزاً مالياً، لكنّ العاملين في البنك المركزي اليمني اعتذروا عن تسليم الموازنة المطلوبة. يوضح أنّه وبقية المرضى يتابعون بشكل مستمر موازنة مركز علاج الأورام: "نزور البنك المركزي ومقر اللجنة الثورية العاليا التابعة للحوثيين من دون فائدة". ويلفت إلى أّن "البنك المركزي اليمني يرفض صرف موازنة المركز بتوجيهات من الحوثيين بحجة مكافحة الفساد".
يؤكد المرهبي أنّ العاملين في البنك المركزي منعوا أخيراً مرضى السرطان من الدخول إلى المبنى للمطالبة بحقوقهم. ويضيف: "لجأنا إلى القطاع الخاص من أجل توفير كمية الدواء المطلوبة للمرضى، وما زلنا ننتظر المساعدة حتى الآن". يقول لـ"العربي الجديد": "عدم تناول الدواء يعني عودة الآلام وفقر الدم وفقدان الوزن والسعال والغثيان والنزيف (من الفم والأنف)، وعدم القدرة على النوم وصولاً إلى الموت الأكيد".
من جهته، يوضح المريض الآخر حميد اليادعي، أنّ الشركات الدوائية والمنظمات الإغاثية التي تود المساعدة يمكنها في هذه الظروف استيراد كميات من دواء "جليفيك 400 ملغرام" الذي تنتجه الشركة السويسرية "نوفارتس". ويشير إلى أنّ المرضى يحتاجون بشكل سريع إلى 2400 علبة منه للأشهر الثلاثة الحالية حتى نهاية فبراير/ شباط 2016.
وفي السياق نفسه، يقول مدير إدارة الإعلام في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، عبد المنعم الشميري، إنّ أوضاع مرضى السرطان زادت سوءاً منذ منتصف العام 2014. وبحلول العام 2015 تعثر الكثير من المشاريع وتراجعت الخدمات المقدمة للمرضى. يناشد الشميري الدول والمنظمات والوكالات الدولية المانحة، الالتفات السريع لمرضى السرطان والمساهمة في إيجاد الحلول لهم في هذه الظروف.
وفي إطار المبادرات الهادفة إلى مساعدة مرضى سرطان الدم، تبنت بعض المنظمات المجتمعية حملة إنسانية بعنوان "لن نخذلكم"، تنفذها مجموعة من الشباب، بالإضافة إلى ائتلاف المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان ومنظمة "ستوب كانسر" ومبادرة "عودة أمي" ومؤسسة "علا المجد". توضح المتحدثة باسمها هناء الزهيري، أنّ الحملة وجّهت نداء استغاثة في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لتوفير 555 ألف دولار أميركي من أجل إنقاذ حياة 800 مريض بسرطان الدم من خلال شراء الدواء الأساسي لهم لمدة ثلاثة أشهر، إلى أن يتوفر لهم الدعم الثابت من قبل الدولة. تضيف أنّها تثق أنّ فاعلي الخير لن يترددوا في إنقاذ المرضى. وتشير إلى أنّ مرضى السرطان في اليمن يعانون بصمت، وأيّ مساهمات في هذا الإطار ستساعدهم على الصمود.
كانت وزارة الصحة والسكان، ومعها المركز الوطني لعلاج الأورام، والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، قد وجّهت نداء استغاثة عاجلاً إلى كلّ من هيئات ومنظمات الأمم المتحدة والمجتمع المدني وشركات الأدوية في العالم، للتدخل السريع لإنقاذ المرضى. وحذّرت من وقوع "كارثة صحية إنسانية نتيجة عدم توفر معظم أصناف الأدوية والمستلزمات الطبية الحاسمة في إنقاذ حياة عشرات الآلاف من مرضى السرطان بمختلف أنواعه في كلّ أنحاء اليمن". وأشارت إلى أن جميع المصابين بالسرطان في اليمن معرّضون للوفاة نتيجة عودة المرض وتدهور حالاتهم الصحية.
يتجاوز عدد مرضى السرطان في اليمن 70 ألف شخص، 30 ألفاً منهم ما زالوا يتلقون العلاج في المركز الوطني لعلاج الأورام وفروعه في محافظات الجمهورية، بحسب ما جاء في نداء الاستغاثة. وتتجاوز كلفة دواء "جليفيك" 2000 دولار أميركي في معظم أنحاء العالم. ويباع في اليمن بـ400 دولار للعلبة المكوّنة من 30 قرصاً، كونه يدخل عن طريق التهريب. مع ذلك تبقى أسعاره باهظة بالنسبة للمرضى الفقراء في البلاد.