اليمن 2015... المسار السياسي في حكم الميت
مع أن عام 2015، كان عام الحرب يمنياً، إلا أنه شهد محطات وتحوّلات سياسية عدة، كانت لها انعكاساتها المباشرة على مختلف التطورات الميدانية والنقلات التي شهدتها البلاد. وكان العامل المشترك في أغلب المحطات، هو الفشل باستعادة المسار السياسي على حساب العسكري.
حوارات صنعاء
اعتباراً من يناير/ كانون الثاني 2015، ومع التصعيد الذي شهدته صنعاء ووصل إلى حدّ استقالة الرئيس عبدربه منصور هادي في 22 من الشهر نفسه، بدأت القوى السياسية حوارات رعاها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، جمال بنعمر، منذ أواخر يناير وحتى بدء التدخل العربي في 26 من مارس/ آذار. وتخلّل تلك الفترة، صدور "الإعلان الدستوري" الانقلابي للحوثيين، الذي زاد من تعقيد الوضع، في السادس من فبراير/ شباط. وفي أوائل مارس، وعقب تمكنه من كسر الإقامة الجبرية في صنعاء والمغادرة إلى عدن، كان هادي قد دعا إلى نقل الحوار من صنعاء إلى العاصمة السعودية الرياض، لينعقد برعاية مجلس التعاون الخليجي، إلا أن الانقلابيين رفضوا التجاوب مع الدعوة.
القرار 2216
في 14 أبريل/ نيسان تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً تقدمت به دول مجلس التعاون الخليجي تحت الفصل السابع، وهو القرار 2216، الذي عزّز شرعية التدخل العربي لحماية الشرعية في اليمن. كما تضمّن عقوبات على زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وقيادات أخرى في الجماعة، بالإضافة إلى فرض عقوبات على الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ونجله الأكبر أحمد، قائد قوات الحرس الجمهوري سابقاً.
وطالب القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن بشبه إجماع، باستثناء تحفّظ روسيا، الحوثيين بتنفيذ القرار 2201، والكفّ عن استخدام العنف والانسحاب من المدن التي استولوا عليها بما في ذلك صنعاء، والتوقف عن الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة، وعدم القيام بأي استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة والإفراج عن المعتقلين، وفي مقدمتهم وزير الدفاع، اللواء محمود الصبيحي، وجميع السجناء السياسيين. وألزم القرار الدول بمنع توريد الأسلحة للحوثيين وصالح، كما منحها، تحديداً الدول المجاورة، الحقّ ب"تفتيش جميع البضائع المتجهة إلى اليمن والآتية منه، إذا توافرت معلومات للاعتقاد أن البضائع تحمل أصنافاً يُحظّر توريدها".
بحاح نائباً وولد الشيخ مبعوثاً
وشهد أبريل كذلك تطورات مهمة على الصعيد السياسي، ففي الـ12 منه، أصدر هادي قراراً بتعيين رئيس الحكومة خالد بحاح نائباً له، مع استمراره رئيساً للحكومة. وفي 25 من الشهر نفسه، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مبعوثاً جديداً له إلى اليمن، وهو إسماعيل ولد الشيخ أحمد، خلفاً للمبعوث السابق، بنعمر.
مؤتمر الرياض
خلال أبريل وأوائل مايو/ أيار كانت هناك تحركات دبلوماسية وسياسية، أبرزها كان متعلقاً بعقد مؤتمر الرياض، الذي كانت تحضيراته قد بدأت قبل انطلاق عمليات التحالف، وعلى ضوئها كان العشرات من قادة الأحزاب والقوى السياسية اليمنية قد توجهوا إلى الرياض منذ مارس. وتسارعت وتيرة التحضيرات مجدداً مع انطلاق عملية "إعادة الأمل"، إلا أن رفض الحوثيين وحلفائهم الاعتراف بالشرعية وحضور المؤتمر، أحبط انعقاده كمحطة يعود فيها الوضع إلى المسار السياسي، وبدلاً عن ذلك انعقد المؤتمر يومي 17 و18 مايو، بمشاركة نحو 400 شخصية يمثلون مختلف القوى المؤيدة للشرعية. وخرج المؤتمر بدعم الشرعية والمقاومة ضد الانقلابيين، الذين حمّلهم مسؤولية الحرب، وغيرها من النقاط.
لقاءات مسقط وجنيف1
جنباً إلى جنب مع جهود تحضيرات مؤتمر الرياض، كان المبعوث الأممي الجديد، ولد الشيخ، قد بدأ جهوده بالتواصل مع مختلف الأطراف للوصول إلى حلّ سياسي. وشهدت العاصمة العُمانية مسقط، مطلع مايو، لقاءات دبلوماسية بين مسؤولين أميركيين وأوروبيين ووفد من الحوثيين، غادر صنعاء بتصريح من دول التحالف، كما كانت هناك تحركات محدودة لمسؤولين في حزب صالح، "المؤتمر الشعبي"، في القاهرة.
وأسفرت لقاءات المبعوث الأممي الذي زار صنعاء للمرة الأولى في 12 مايو، بالتزامن مع بدء هدنة هشّة لمدة خمسة أيام، وعقد لقاءات في الرياض، عن دعوة الأمم المتحدة الأطراف اليمنية إلى المشاركة بمحادثات في 28 مايو.
وبسبب الاختلافات حول صيغة التمثيل وغيرها من النقاط، تأجل الموعد حتى منتصف الشهر الذي يليه، وانفضّ الاجتماع كأن لم ينعقد، إذ كان هناك اختلاف حول صيغة المشاركة. وحضر الحوثيون وحلفاؤهم بصفتهم قوى سياسية، وليس باعتبارهم طرفاً في مقابل الطرف الحكومي الذي أوفد سبعة مفاوضين، ولم يجتمع الطرفان على طاولة واحدة، لتنتهي المحادثات من دون أي تقدم.
ما بعد جنيف1
في الفترة التي تلت "جنيف1" كانت الحرب والتطورات الميدانية هي الفاعل الأبرز، وعلى الرغم من ذلك، طرحت الحكومة أوائل يوليو/ تموز مبادرة كآلية تنفيذية للقرار 2216، وتتضمن وقفاً لإطلاق النار لمدة 15 يوماً تنسحب خلالها المليشيات من المدن بما في ذلك صنعاء وصعدة. وفي الوقت عينه كانت جهود الأمم المتحدة قد بدأت على استحياء، من خلال زيارات مكوكية للمبعوث الأممي بين مسقط (حيث الوفد الحوثي) والرياض (حيث الحكومة) وعواصم أخرى. وفي أغسطس/ آب جرى الكشف عن أول وثيقة توصلت إليها لقاءات مسقط، وتتألف من عشر نقاط، وكان أبرز ما تضمّنته في البند الأول، وللمرة الأولى: "الاستعداد للتعامل الإيجابي مع جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما فيها القرار 2216".
في سبتمبر/ أيلول شهد اليمن تطورات مهمة، أبرزها عودة الحكومة التي يرأسها خالد بحاح، للمرة الأولى، إلى مدينة عدن، وكذلك عودة هادي إلى المدينة لأيام، ومن ثم مشاركته في مؤتمر الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر الشهر نفسه، وتأكيده على الاستعداد للسلام، معتبراً أن إعلان الانقلابيين الالتزام عملياً بالقرار 2216 شرط للسلام.
النقاط السبع
وجاء إعلان هادي أمام الأمم المتحدة، بعد أن أحرزت الجهود السياسية اختراقاً مهمّاً. وتمثل الاختراق بتوصّل نقاشات المبعوث الأممي مع الانقلابيين في مسقط، أوائل سبتمبر، إلى وثيقة تألفت من سبع نقاط، وتضمنت للمرة الأولى "الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها القرار 2216 من جميع الأطراف وفق آلية تنفيذية يتم التوافق عليها وبما لا يمس بالسيادة الوطنية مع التحفظ على العقوبات الصادرة بحق المواطنين اليمنيين". في إشارة إلى العقوبات المفروضة على صالح والحوثي وقيادات أخرى.
وكان أبرز ما جاء في الوثيقة، أنها انتقلت من "الاستعداد للتعامل الإيجابي" في النقاط العشر، إلى "الالتزام" بالقرار 2216، مع وضع شروط. وتضمنت تلك الشروط: الموافقة على عودة الحكومة لفترة 60 يوماً، يتمّ بعدها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وغير ذلك من النقاط، التي دفعت المبعوث الأممي، حسب رسالة مسربة أوائل سبتمبر، إلى اعتبارها "فرصة قوية للتوصّل إلى اتفاقية سلام"، وأنها "أقوى بكثير من سابقتها، وتتضمن تنازلات جادّة من الحوثيين والمؤتمر". ورأى كذلك أن التقدم البطيء للحكومة والقوات الموالية لها في تعز وغيرها، وحالة عدم الاستقرار في المحافظات المحررة، كلها تمثل فرصة لجولة جديدة من المفاوضات.
من جانبها، تحفّظت الحكومة على النقاط، وكانت مجمل التصريحات الرسمية وغير الرسمية تعتبرها التفافاً على مضمون القرار، وتضع الإعلان الرسمي وغير المشروط عن الالتزام بالقرار 2216، شرطاً لأي محادثات. الأمر الذي على ضوئه وجّه الحوثيون وحزب المؤتمر رسالتين منفصلتين، في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول، تضمنتا الالتزام بالنقاط السبع التي في مقدمتها القرار 2216.
جنيف2
وفي الشهر نفسه، تصاعدت الجهود الدبلوماسية المكثفة للضغط باتجاه الحل السياسي، وفي منتصف أكتوبر وجّه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة إلى هادي، دعاه فيها إلى منح الإذن للحكومة بالمشاركة بجولة جديدة من المشاورات مع الحوثيين وحلفائهم. وأكد في الرسالة أن "المشاورات التي يعتزم المبعوث الخاص عقدها، تستند بقوة إلى قرار مجلس الأمن 2216 الساعي للتوصل إلى اتفاقات مبنية على هذا القرار، وبقية قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومبادرة مجلس التعاون الخليجي ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل". وذكر بان أن "المبعوث الخاص أكد أن الحوثيين قد نقلوا قبولهم الواضح لقرار مجلس الأمن 2216 خلال نقاشاتهم الأخيرة معه، كما أن رسالتهم الأخيرة الموجهة إليّ تؤكد أيضاً هذا القبول".
وعقب رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، وافق هادي على المشاركة، مشدّداً في رسالة جوابية على "جاهزية الحكومة اليمنية للمشاركة في المشاورات مع الأطراف الانقلابية ممثلة في الحوثي وصالح، تحديداً بعد تأكيد التزامهما للأمم المتحدة ومبعوثها الخاص بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216، من دون قيد أو شرط، وتأكيد الأمم المتحدة أن الذهاب للمشاورات هو لتنفيذ القرار الدولي، وأن أي اتفاقات ستكون مبنية أساساً على القرار، ومستندة إلى المرجعيات الأساسية، ممثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل".
واعتباراً من منتصف أكتوبر، تحديداً بعد رسالة بان وردّ هادي عليها، بدأت الإعدادات واللقاءات التحضيرية لعقد جولة جديدة من المشاورات، كان موعدها الأولي، قبل نهاية أكتوبر، ثم تأجلت إلى منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد تعثر التوافق حول التحضيرات. الأمر الذي استمر ودفع بالتأجيل شهراً إضافياً حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وعلى الرغم من أن الأطراف كانت قد قطعت خطوات غير مسبوقة على صعيد التحضيرات، خصوصاً في الالتزام بحجم تمثيل كل طرف وجدول الأعمال المتفق عليه مسبقاً، إلا أن حصيلة المفاوضات جاءت أقل من المأمول، وتلخّصت بالاتفاق على نقاط معدودة، أبرزها تشكيل لجنة عسكرية من الجانبين تشرف عليها الأمم المتحدة وتتولى متابعة وقف إطلاق النار، وكذلك الاتفاق على عقد جولة جديدة في منتصف يناير/ كانون الثاني الحالي.