اليمنيون يلجأون إلى مؤسسات التمويل للادخار
أدت الحرب الدائرة في اليمن إلى ارتفاع قياسي في عدد المدخرين، لدى مصارف "التمويل الأصغر" المعنية بإقراض الطبقات الفقيرة، قابلها تراجع كبير في عدد المقترضين بحسب تقرير لوزارة التخطيط، ما أرجعه خبراء اقتصاد إلى قلق المواطنين من استمرار الحرب وارتفاع المخاطر الاستثمارية، والميل إلى ادخار أموالهم في المصارف لمواجهة الاحتياجات المعيشية خلال هذه الظروف.
وذكر التقرير أن عدد المدخرين النشطين سجل خلال الأشهر العشرة الأولى من 2015 نحو 740.5 ألف مدخر، مقابل 622.1 ألف مدخر خلال العام السابق 2014، بزيادة بلغت نسبتها 17.4%.
وأشار التقرير الصادر نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، إلى أن عدد المدخرين وصل إلى سبعة أضعاف المقترضين. ويبلغ عدد مؤسسات التمويل الأصغر المعنية بتمويل المشروعات متناهية الصغر نحو 12 مؤسسة.
وقال الخبير في وزارة التخطيط اليمنية، عبد المجيد البطلي، إن المدخر والمستثمر الصغير يخشى ضخ أمواله في مثل هذه الظروف في أي مشاريع قد تتعرض للتدمير والضياع في خضم الحرب التي تشهدها اليمن، لذا يفضل ادخار أمواله في المصرف إلى حين استقرار الأوضاع.
لكن الخبير الاقتصادي، أحمد سالم شماخ، قال: "قد تكون المخاطر الاستثمارية سبباً من أسباب ارتفاع الادخار في مصارف ومؤسسات التمويل الأصغر، لكن أعتقد أن السبب الرئيسي ربما يعود إلى إيقاف المصارف التجارية عمليات سحب الودائع".
وأشار شماخ إلى أن المصرف المركزي يقوم باستثمار أموال الودائع من خلال أذون الخزانة والأرباح التي تعود من هذه العملية وتقدر بنحو 90 مليار ريال شهريا (418 مليون دولار).
ويرى خبراء اقتصاد أنه رغم أن ادخار الأموال في المصارف يعد حلا آمنا في ظل الحرب والاضطرابات التي تشهدها اليمن، إلا أن هذه المدخرات معرضة للتآكل في ظل تضخم أسعار المستهلكين وتراجع قيمة العملة اليمنية.
وسجل الريال اليمني، منذ أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أدنى مستوى له أمام الدولار، حيث هوى إلى 270 ريالاً، بسبب امتناع المصارف الحكومية عن توفير الدولار، ويأتي ذلك في ظل توقعات باستمرار تدهور سعر العملة المحلية في ظل تواصل الاضطرابات الأمنية في أنحاء البلاد.
وأجبرت ظروف الحرب، والتي تسببت فيها مليشيات الحوثيين المسلحة، العديد من المدن المحررة في مناطق عدة من البلاد، على تطبيق الفيدرالية المالية، من خلال استغلال إيرادات هذه المدن في دفع رواتب موظفيها، إلا أن عددا كبيرا من الموظفين تتأخر مستحقاتهم بشكل متكرر، على خلفية تأزم الأوضاع المالية.
ويعاني اليمن، وهو منتج صغير للنفط، ضائقة مالية بسبب الحرب وتوقف إنتاج وتصدير الوقود والإيرادات الجمركية، وتفاقم استنزاف الحوثيين لما تبقى من موارد البلاد وتسخيرها للمجهود الحربي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض وتراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد.
وتُظهر بيانات صادرة عن المصرف المركزي، أن الإيرادات النفطية انخفضت بقيمة 1.4 مليار دولار لتصل إلى 4 مليارات دولار في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول 2014، مقابل 5.4 مليارات دولار في عام 2013.
وفي مقابل اتساع عمليات الادخار، واجهت صناعة التمويل الأصغر انتكاسة غير مسبوقة خلال 2015، وفق وزارة التخطيط، ما حرم الآلاف من أصحاب المشروعات الصغيرة والراغبين في بناء مشاريعهم الذاتية من أي فرص للخروج من دائرة الفقر.
ويمكن تعريف التمويل الأصغر بأنه تقديم الخدمات المالية (ادخار وقروض وغيرها) للفقراء النشطين اقتصادياً وذلك لتمكينهم من تحسين مستوى دخلهم.
ويشير تقرير وزارة التخطيط، إلى تراجع عدد المقترضين النشطين لدى مؤسسات التمويل الأصغر من 120.8 ألفر مقترض (صاحب مشروع صغير) عام 2014، إلى 100.6 ألف مقترض خلال الأشهر العشرة الأولى من 2015، بنسبة تراجع 16.7% أكثر من نصفهم نساء.
وبين التقرير أن التراجع يرجع لعدة أسباب، أهمها عزوف مؤسسات التمويل الأصغر عن تقديم قروض جديدة حتى للعملاء ذوي الجدارة الائتمانية، ونزوح آلاف العملاء من مناطقهم، إضافة إلى تعرض بعض الأعمال للخسائر والتدمير، وصعوبة استئناف خدمات وعمليات التمويل الأصغر في عدد من المناطق الأكثر تأثراً بالصراع.
وأشار التقرير إلى أن أعلى قيمة لمتوسط القرض بلغت 101.1 ألف ريال عام 2014 (ما يعادل 471 دولاراً) وهذا المبلغ صغير جداً لإقامة مشروع. ومع ذلك، فقد تراجع متوسط قيمة القرض في الشهور الماضية من عام 2015 مقارنة بما كان عليه عامي 2013 و2014، بسبب ارتفاع درجة المخاطرة وعزوف مؤسسات التمويل الأصغر عن التوسع في الإقراض.
وخلال شهور 2015 ، بلغت محفظة القروض أدنى مستوياتها مسجلة 7.9 مليارات ريال، وهو أقل أيضا مما كانت عليه خلال العامين الماضيين.
وبرر التقرير ذلك بعزوف مؤسسات التمويل الأصغر عن الإقراض خاصة في المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة على الأرض مثل تعز، كما لا تزال أنشطة الإقراض معلقة في المناطق التي تحسن فيها الوضع الأمني مثل عدن وأبين.
ومع ذلك، فقد بدأت مؤخراً مؤسسات التمويل الأصغر الإقراض في المناطق التي تشهد استقرار نسبياً بتحويل تركيز عملياتها نحو تقديم قروض الطاقة الشمسية، والقروض الريفية والزراعية كون المناطق الريفية أقل تأثراً بالحرب.
ووفقا للتقرير، ارتفعت نسبة القروض المعرضة للخطر بصورة غير مسبوقة خلال 2015، وبلغت أقصاها 29% من إجمالي قيمة محفظة القروض القائمة في أغسطس/آب 2015 .
وامتدت تداعيات الحرب إلى عمل مؤسسات التمويل الأصغر أيضا، حيث أدت الأزمة الجارية وما رافقها من غياب للكهرباء وندرة الوقود إلى قيام هذه المؤسسات بخفض ساعات العمل، وتقليص عدد الموظفين ومرتباتهم. ودمج وإغلاق بعض الفروع. مما أثر على نشاط الأعمال وربحية المؤسسات.
وكانت صناعة التمويل الأصغر قد شهدت انتعاشا خلال الفترة من 2012 و2014، حيث ارتفع عدد المقترضين النشطين بنسبة 23.9%، بسبب التحسن النسبي في الاستقرار السياسي والأمني خلال تلك الفترة، ما شجع المؤسسات على تقديم منتجات مالية جديدة، وزيادة فروعها لتشمل بعض المناطق الريفية بدعم من الصندوق الاجتماعي للتنمية.
ويشهد اليمن حاليا ترديا أمنيا واقتصاديا وانقسام البلاد إلى مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية وأخرى لمليشيا الحوثيين المتمردة.