الصراع بين الرياض وطهران: عربي إيراني لا طائفي
من المؤكد أنّ تنامي حدة التوتر الذي يشوب العلاقة بين السعودية وإيران يسبق بكثير الأزمة الحالية التي اندلعت عقب الاعتداء على سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد، ولا سيما أنّ علاقة السعودية بالنظام الإيراني الحالي قد بدأت على أسس عدائية، عندما قامت الثورة الإيرانية في عام 1979، رافعة شعارات "تصدير الثورة"، التي كانت تهدد بحدوث تغيرات سياسية في المنطقة برمتها، قبل أن يتعرّض خط العلاقات لمدّ وجزر، لم يخل من الهدوء على غرار ما شهدته العلاقات السعودية الإيرانية خلال عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي. كما أن جذور الأزمة الحالية لا يمكن فصلها عن تغييرات عدة حدثت في المنطقة، خلال العقد الماضي، ابتداءً من الهيمنة الإيرانية على العراق ولبنان وثم دعمها رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومحاولة اختراقها خاصرة السعودية الجنوبية، من خلال التحالف الإيراني مع الحوثيين في اليمن.
الصراع في المنطقة عربي إيراني، ويجب عدم إعطاء إيران هذه الورقة ضمن هذا السياق، ناقشت الندوة التي عقدها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يوم الثلاثاء الماضي، في العاصمة القطرية الدوحة، أسباب التوتر بين السعودية وإيران وأبعاده وتداعياته وآفاقه المستقبلية، بمشاركة باحثين عرب، ومتخصصين في الشأن السعودي والإيراني. وقد اتفق أكاديميون وباحثون عرب على خطورة تصنيف الصراع مع إيران، بأنه "صراع طائفي"، باعتباره يعطي لإيران نقاط قوة، من خلال السماح لها بإحداث شرخ في المجتمع العربي عبر استخدام الورقة الطائفية، معتبرين أن الصراع الحالي في المنطقة هو صراع عربي إيراني.
وهو ما أشار إليه بشكل أساسي، المدير العام لـ"المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات"، عزمي بشارة، بقوله إنّ "الصراع ليس صراعاً شيعياً سنياً، ولا صراعاً سعودياً إيرانياً، بل هو صراع عربي إيراني". ولم يغفل بشارة انتقاد خطاب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي وصفه بأنه "خطاب استشراقي رخيص، عندما يصف الصراع بالمنطقة باعتباره احتراباً بين السنة والشيعة". كما يلفت بشارة إلى أن "هناك محاولات لتطييف الصراع في اليمن، على غرار تطييف معركة الحرية ضد الاستبداد في سورية وتطييف العراق". ويؤكد أنه "على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين إيران وإسرائيل، إلا أنهما تتشابهان، بسبب إدّعاء إيران تمثيل كل شيعة العالم، كما إدّعاء إسرائيل تمثيلها يهود العالم". ويرى بشارة أن "إيران استخدمت الطائفية وقضية فلسطين في محاولاتها بسط نفوذها"، مشدّداً على "أهمية دعم القضية الفلسطينية، وعدم تطييف الصراع، لمواجهتها". ويضيف بشارة "اكتشفنا أن النظام السوري هو بوصلة إيران لا القضية الفلسطينية، باعتبار أن إيران تخلت عن غزة لأن حماس لم تدعم النظام السوري".
أبعاد الأزمة السعودية الإيرانية الحالية
ويرى رئيس "مركز الخليج للأبحاث"، عبدالعزيز بن صقر، أن "السياسة السعودية تغيّرت مع تولّي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، مطلع العام الماضي، فقد دخلت السياسة السعودية مرحلة أكثر واقعية ووضوحاً". ويؤكد أن "الموقف السعودي يقوم على ركيزة تستند إلى لا حق لإيران في التدخل في شؤونها الداخلية أو شؤون الدول العربية". ويصف بن صقر التهديدات الإيرانية للخليج، اليوم، أنها "تهديدات استخباراتية عبر محاولة زعزعة استقرار دول الخليج من الداخل، من خلال زرع خلايا موالية لها والتدخل من خلال مليشيات في المنطقة". ويُشدّد رئيس "مركز الخليج للأبحاث" على أهمية إعادة طرح موضوع الاتحاد الخليجي، والاتفاقية الدفاعية المشتركة. ويرى أن "جامعة الدول العربية، ومنذ ثمانين سنة، لم تلبِّ تطلعات أي مواطن عربي". ويعتبر بن صقر أن "من الإشكاليات الاستراتيجية التي يواجهها الخليجيون، أن اقتصادهم يتجه إلى الشرق، بينما ما زالوا يعتمدون في أمنهم على الغرب".
من جهته، يرى عبدالله الشمري، أن "السياسات السعودية الطارئة الحالية تأتي بسبب ضيق الوقت". ويحلّل خطوات الملك سلمان بتأكيده أنه "وضع إيران كواجهة ضمن أولوياته، متخذاً خطوات عدة في سبيل هذا، تمثلت في إعادة الاعتبار السياسي والديني للمؤسسة الدينية داخلياً، كما قامت السعودية بتحسين علاقتها مع كافة التيارات الإسلامية خارج المملكة".
يعتبر الشمري أن "السياسة السعودية كانت تسير من دون أيديولوجيا، خلال العقد الماضي، بسبب معاناة السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 الأميركية، والهجمات الإرهابية داخلها، وغزو العراق (2003) وأفغانستان (2001)، مما انعكس على أداء السياسة الخارجية السعودية في تلك الحقبة".
الرؤية الإيرانية للسعودية
يرى محجوب الزويري، أن "إيران تخشى أن تغير السعودية طبيعة تحالفاتها لتصبح أكثر ديناميكية"، معتبراً أنها "تخشى من فكرة التحالفات ضدها". يؤكد الزويري أن "النخب السياسية الإيرانية متفقة إلى حد كبير في رؤيتها للسعودية، وأنها تنظر للسياسة السعودية على أنها مترددة وقصيرة الأمد، وتحالفاتها محدودة، وتعمل من خلال ردود الفعل". لذا يؤكد الزويري أن إيران "فوجئت من رد الفعل السعودي بعد اقتحام المقار الدبلوماسية". ويلفت إلى أن "رؤية النخب الإيرانية للسعودية تشكّلت من خلال أمرين: البعد التاريخي للصراع الشيعي الوهابي والبعد العربي"، على حد قوله.
من جهتها، تلفت فاطمة الصمادي إلى أن "ملف السعودية في إيران لم يعد ملفاً دبلوماسياً بل أمنياً"، مشيرة إلى أن "المؤثرين في علاقة السعودية بإيران إيرانياً، هم: المرشد علي خامنئي ودائرته الضيقة المتمثلة بالحرس الثوري". وتؤكد أن "دور الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف محدود". وترى الصمادي أنّ "إيران تحاول استثمار ضعف السياسة السعودية وتلبية ما يريده الغرب، من أجل صناعة صورة جديدة لها، تصورها كدولة منفتحة على العالم وشريك في محاربة الإرهاب".
ويتفق كل من الصمادي والزويري، على أن "إيران متماسكة من الداخل، على عكس ما يشاع عربياً". ويُشددان على أنه "لا يُمكن تفكيكها من خلال دعم الأقليات. وأن الهوية الإيرانية حاضرة بقوة لدى الشعب الإيراني، على الرغم من القمع والاستبداد هناك"، على حد قولهما. هذه الاستنتاجات يتفق معها، أيضاً، محمد المسفر، الذي يُشدّد على "إمكانية خلخلة إيران من الداخل"، معتبراً أن "المشكلة في مكان آخر"، لافتاً إلى أن "الخليجيين يتبعون دبلوماسية استرضائية لإيران".
الموقف الأميركي
من جهته، يرى مدير فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في واشنطن، خليل جهشان، أن "واشنطن مستاءة من خطوات السعودية الأخيرة ضد إيران لأسباب عدة أبرزها: نظرة إدارة (الرئيس باراك) أوباما للشرق الأوسط من منظور مكافحة الإرهاب وعدم رغبتها بتكدير الاتفاق النووي والتزام الإدارة الأميركية بحلّ النزاع في سورية سلمياً بالتفاهم مع روسيا. يضاف إلى ذلك، حرص الرئيس الأميركي بشكل شخصي، على الإبقاء على إنجازاته من دون تهديد، والتي يعتبر أن أبرزها الحرب على الإرهاب والاتفاق النووي مع إيران". ويؤكد جهشان أن "النخب الأميركية منقسمة تجاه السعودية، بين من يلوم الرياض على خطواتها، ومن يرى أهمية دعمها كحليف للولايات المتحدة".
الصراع الإقليمي الدولي
يشير رئيس برنامج "العلوم السياسية" في معهد "الدوحة للدراسات العليا"، عبدالوهاب الأفندي، إلى أن "أزمة العلاقات السعودية الإيرانية أكبر بكثير من أن تكون خلافاً بين إيران والسعودية". ويلفت إلى أننا "نعيش أجواء أقرب إلى أجواء ما قبل نشوب الحرب العالمية الثانية، عبر محاولة العالم الغربي الانسحاب وعقد اتفاقات لمنع وقوع الحرب، لكنها وقعت في النهاية". وينوّه إلى أن "الصراع الدولي بدأ في أوكرانيا وامتد إلى قلب العالم العربي"، في إشارة إلى الصراع الروسي الغربي. ويؤكد الأفندي أن "العرب لا يستطيعون خوض المعركة مع إيران من خلال الطرق القديمة"، مشيراً إلى أهمية "تطبيع الأوضاع في مصر من خلال دخول مصر حواراً مع المعارضة، فضلاً عن القيام بإصلاحات داخلية وفي الأنظمة السياسية".
من جهته، يصف الباحث في المركز العربي مروان قبلان، الوضع الإقليمي باعتبار أن "تبادلاً للأدوار حدث بين السعودية وإيران خلال الفترة الماضية، فقد كانت السعودية تسعى إلى المحافظة على النظام الإقليمي القائم، في مقابل محاولة إيران تغيير الوضع الإقليمي منذ اندلاع ثورة 1979". ويستدرك قبلان، إنه "نتيجة لانهيار النظام الإقليمي القائم على توازنات عدة منها خروج العراق، والانسحاب الأميركي، أصبحت الأوضاع تسير لصالح إيران. مما أدى إلى تحوّل السعودية من قوة محافظة على النظام الإقليمي إلى قوة تغيير في المنطقة بدءاً من عام 2015". ويؤكد أن "النظام الإقليمي الحالي قائم على دول وجماعات، مما يعني أهمية عقد تفاهمات مع فاعلين من خارج الدولة". ويُشدّد على أهمية "عدم الاستسلام لفكرة أن العراق سقط كلية في النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى عدم السماح لسورية أن تستمر تحت النفوذ الإيراني".
من جهته، يرى رئيس "مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام"، فهد العرابي الحارثي، أنه "يوجد فشل كبير للسياسات العربية تجاه إيران خلال 35 سنة، نرى نتائجها ظاهرة اليوم". ويلفت إلى أن "إيران لا تخسر من المناداة بالطائفية في صراعها، لكن العرب يخسرون". ويؤكد أن "اعتبار الصراع مع إيران صراع طائفي سيؤدي إلى رهن ملايين الشيعة العرب بيد إيران". أما إبراهيم فريحات، فيعتقد أن "من سبل مواجهة إيران، إنهاء سياسات دعم الاستبداد في المنطقة، بالإضافة إلى القيام بإصلاحات داخلية في الدول العربية".