خطاب الحكومة لمواجهة "القاعدة": مسكّنات في انتظار المعركة
تتو إلى تصريحات نائب رئيس الجمهورية اليمنية، رئيس الحكومة، خالد بحاح، التي يهدد من خلالها بتحرير المدن في جنوب البلاد من تنظيم القاعدة وفي مقدمتها مدينة المكلا مركز محافظة حضرموت شرقي اليمن. لكن هذه التصريحات لا تلغي التساؤلات عن مدى جدية السلطات الشرعية في خوض المعركة مع التنظيم الذي بات يتمدد بسهولة في جنوب البلاد. كما تثار تساؤلات عما إذا كان الخطاب الحكومي، بما يحمله من تهديد وتحذير، يهدف إلى دفع التنظيم للانسحاب أم أنه مجرد تطمين مرحلي للشارع اليمني لحين تفرغ السلطات الشرعية لمواجهة التنظيمات المسلحة التي تتوسع في جنوب البلاد.
ويتمدد تنظيم القاعدة يوماً بعد آخر، عبر ضمّ مناطق جديدة ليس آخرها السيطرة على مدينة عزان بشبوة مطلع الشهر الجاري وقبلها مدينة الحوطة مركز محافظة لحج فضلاً عن مدينة زنجبار وجعار بأبين. ويسود شعور عام في الشارع الجنوبي أن التصريحات الحكومية مجرد مسكنات، وخصوصاً أن أقدم تصريح في هذا الشأن يعود لما قبل ثلاثة أشهر بينما الواقع يبين أن التنظيم في توسع مستمر. ولم يسجل أي تحرك ضد تمدده سوى في اليومين الماضيين مع بدء الحديث عن توجيه طائرات يعتقد أنها تابعة للتحالف العربي ضربات جوية لمناطق يسيطر عليها تنظيم "القاعدة" في محافظتي أبين ولحج الواقعة شمال عدن.
في غضون ذلك، تبقى الأوضاع في حضرموت الأكثر إثارة للتساؤل. قبل أيام، ناقش بحاح مع محافظ حضرموت أحمد بن بريك، المعين حديثاً، محاربة تنظيم القاعدة والعمل على عودة الاستقرار واستئناف مهام مؤسسات الدولة، بحسب ما نقلته وكالة "سبأ" الحكومية. وفي منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، تعهد بحاح بمساعدة السلطات المحلية في محافظة حضرموت على طرد تنظيم أنصار الشريعة (الإسم المحلي المتداول لعناصر التنظيم)، لافتاً إلى أن السلطات الموالية للشرعية لم تهمل المحافظة وأنها تعدّ لمساعدتها على استعادة استقرارها.
وقبل ذلك، وبالتحديد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، هدد بحاح، في مقابلة تلفزيونية، بأن "الحرب المقبلة ستكون ضد القاعدة". لكن منذ تلك اللحظة لم يتغير شيء على الأرض سوى تحذير لقوات التحالف للسفن غير المرخصة بالانسحاب من ميناء المكلا في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويرى سياسيون أن تصريحات بحاح تأتي في إطار التماشي مع سياسة التحالف العربي والقيادة العليا التي تخوض حرباً موجهة أساساً ضد الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح ومحاولة تطمين أبناء المحافظات الجنوبية بأن الحكومة لن تهمل مناطقهم .
في السياق، يعتقد الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، نبيل البكيري، أن "تعقيدات المشهد في اليمن تكمن في العدو الأكثر سيطرة وتحكماً باليمن، وهو الحوثي وصالح، الذي أسقط الدولة وكل مؤسساتها وحولها إلى أداة في يده لضرب خصومه"، على حد قوله. ويشير البكيري في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هذا هو الطرف الذي ينبغي القضاء عليه كتحد رئيسي، وما عداه هو عدو ثانوي ونتيجة طبيعية للعدو الرئيسي. وبالتخلص من هذا سيسقط العدو الثانوي مباشرة، وهذا الأمر هو ما يؤخر معركة القاعدة".
أما الخبير العسكري علي الذهب فيرى أن تصريحات بحاح المتكررة خصوصاً الأخيرة منها حقيقية وجادة، ولا سيما بعد لقائه بمحافظ حضرموت الجديد. ويقول الذهب في حديث لـ"العربي الجديد" إن ما يعزز اعتقاده هي الاستعدادات الحثيثة التي تجري لتدريب ما يزيد عن ثلاثة آلاف مقاتل تحت إشراف قائد المنطقة العسكرية الثانية والتحالف، فضلاً عن أن المحافظ شخص خلفيته عسكرية وقد عين في هذا المنصب وفقاً لمتطلبات المرحلة ومقتضياتها.
إلا أن محللاً سياسياً آخر من حضرموت يقول لـ"العربي الجديد" إن تصريحات بحاح تأتي في سياق التوجه الرسمي للدولة حيال ما يحصل في ساحل حضرموت وما ينبغي على الدولة فعله. ويلفت إلى أن الدولة في هذه الفترة لا ترغب في فتح جبهة جديدة شرقي اليمن مع تنظيم القاعدة قبل أن تحسم جبهة الشمال الغربي مع الحوثيين وصالح. كما يعتبر أنّ تأخير تحرير حضرموت كان ناجماً عن عدم وجود قوة عسكرية تفي بهذا الغرض، وتؤمن حمايتها من الحوثيين بعد التحرير.
بدوره، يرى ناشط سياسي آخر أنّ طريقة رئيس الحكومة في الحديث عن تنظيم القاعدة يشوبها الغموض، مذكراً بما قاله في بداية سيطرة التنظيم على مدينة المكلا حين قال إن هؤلاء المسلحين هم "أبنا حضرموت" بالرغم من أن الجميع يعلم أنها "القاعدة". ويعتبر الناشط نفسه أن لا جدوى من تلك التصريحات التي وصفها ب"المخدرة، كون تنظيم القاعدة يتمدد كل يوم وبسهولة تامة في المحافظة بينما الشرعية وقيادتها كأن الأمر لا يعنيهم ويكتفون بالتصريحات فقط"، على حد قوله.