تقارير ووثائق

ماذا وراء طلب الإمارات دعماً أميركياً في اليمن؟

بات من المعتاد أن يبرز اسم دولة الإمارات مع كل تطور في مدينة عدن وبقية المحافظات الجنوبية في اليمن، إذ تشير جميع المؤشرات منذ تحرير عدن من مليشيات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في يوليو/ تموز من العام الماضي، إلى أن نفوذ أبو ظبي يتصاعد في هذه الرقعة الجغرافية من البلاد. لكن ما لم يكن في الحسبان أن تعمد الإمارات، بحسب وكالة "رويترز"، إلى الطلب من الولايات المتحدة دعماً عسكرياً لمواجهة تنظيم القاعدة في اليمن، وتحديداً في المحافظات الجنوبية من دون ذكر السلطات الشرعية اليمنية.

 
وكانت وكالة "رويترز" قد نشرت يوم الجمعة الماضي (15 أبريل/نيسان)، تقريراً حصرياً تحت عنوان "واشنطن تدرس طلباً من الإمارات بمساعدة عسكرية في اليمن"، ضمّنته تفاصيل الطلب الإماراتي من الولايات المتحدة للتدخل في اليمن. ولاقى مضمون الطلب استياءً كبيراً من بعض السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما أنه تجاهل ذكر السلطات الشرعية اليمنية على سبيل احترام "السيادة اليمنية".

 
ويشير هذا الطلب، الذي لم تعلّق عليه أبو ظبي رسمياً، إلى تطور لافت في إدارة ملف مواجهة الجماعات المسلحة التي تنامت على حين غفلة من السلطات الشرعية والتحالف العربي نفسه. ونقلت "رويترز" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الطلب الإماراتي يتضمن المساعدة في عمليات إجلاء طبية وبحث وإنقاذ خلال القتال ضمن طلب أكبر بدعم جوي واستخباراتي ولوجيستي أميركي.

 
ولم يتضح ما إذا كان الطلب الإماراتي يشمل إرسال قوات أميركية خاصة، لكن توقيته لا يخلو من الدلالات. وتأتي دراسة واشنطن للطلب الإماراتي قبل حضور الرئيس الأميركي باراك أوباما قمة مجلس التعاون الخليجي المقررة يوم الخميس المقبل (21 أبريل) في السعودية. ويتصدّر جدول أعمال القمة الصراع المتعدد الأطراف في اليمن.

 
كما أن الكشف عن الطلب الإماراتي جاء قبل يومين فقط على بدء مفاوضات الكويت بين السلطات الشرعية وتحالف الانقلاب الذي يمثله الحوثيون وحزب المؤتمر بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، والتي تنطلق اليوم الإثنين في الكويت.

 
كذلك تزامن الكشف عن الطلب الإماراتي مع تحرير مدينة الحوطة، مركز محافظة لحج المجاورة لعدن، وانتشار الجيش الموالي للشرعية في المدينة بعد أشهر من سيطرة تنظيم القاعدة عليها.

 
وتتبع السلطات الأمنية في عدن، بمعاونة قوات التحالف، خطة أمنية منذ أسابيع تعتمد على ضبط ومداهمة أوكار الجماعات المسلحة التي نشطت في المدينة مستغلة حالة الانفلات الأمني بعد الحرب وانتشار السلاح.

 
وفي السياق، يرى محللون سياسيون أنّ تصاعد مواجهة تنظمي القاعدة و"داعش" من قبل السلطات في عدن يأتي لقطع التبريرات التي يروّجها الحوثيون من أن غزوهم للمحافظات الجنوبية كان لمواجهة هذه التنظيمات واستخدام هذه الورقة في محادثات الكويت.

 

 

لكن اللافت في الطلب الإماراتي خلوّه من ذكر السلطات الشرعية اليمنية التي من المفترض أنها هي من تطلب التدخل وليس الإمارات، ما يفتح التكهنات حول انفراد الإمارات بقرارها بعيداً عن الرؤية الشاملة للتحالف العربي الذي أطلق في 26 مارس/ آذار 2015 عملية عسكرية في اليمن بناءً على طلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.

 
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت قد بدأت حملتها في تعقب عناصر تنظيم القاعدة منذ ما يقارب عشر سنوات، إلا أن هذا الطلب له ما بعده، بحسب ما يرى مراقبون.

 
ويربط محللون طلب الإمارات بزيادة نفوذها لتكون اللاعب الرئيسي في جنوب اليمن. ويعزز هذا الاعتقاد المعسكرات التي تشرف عليها الإمارات في كل من عدن وحضرموت وعدد من المناطق الأخرى. في المقابل، يعرب محللون عن اعتقادهم بأن هذه الخطوة الإماراتية تأتي كفرض أمر واقع لقطع الطريق على أي تدخل أميركي منفرد لمكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية بعد محادثات الكويت.

 
في السياق، يقول مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد، إنه "إذا كان طلب الإمارات تم بعيداً عن التنسيق مع الحكومة اليمنية والتحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن أو التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب أو بدون معرفة السعودية، فإن ذلك يؤدي إلى خلط الأوراق ولا سيما في حال فشلت محادثات الكويت. أما إذا تم بعد تنسيق مع المملكة والتحالف، فقد يكون ذلك لقطع أي تدخل أميركي منفرد لمكافحة الإرهاب في المحافظات الجنوبية".

 
لكن عبدالسلام يشير، في حديثه، إلى أن "الخطوة بحد ذاتها تشير إلى خروقات قانونية واضحة، إذ من المفترض أن الحكومة اليمنية هي من توجّه دعوة لشركاء في مكافحة الإرهاب داخل محافظات اليمن، وهو ما يدفع باتجاه تفسير الخطوة الإماراتية على أنها تعكس فرض أمر واقع من قبلها في هذه المناطق الجنوبية بعيداً عن السلطات الرسمية".

 

ويرى مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث أنه في حال كان هذا التفسير صائباً، فإن ذلك يعد "مؤشراً لخلق سلطة جديدة موازية أو منفصلة عن شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الجنوب، وهو ما يتيح للانقلابيين فرصة جديدة للحرب والاستمرار في انقلابهم. وقد تؤدي مثل هذه الخطوة لضغوط مستقبلية تسهّل من استصدار قرار أممي جديد يضعف القرار الأممي 2216 الخاص باليمن ويعطي شرعية للمليشيات في محافظات الشمال".

 

ويلفت عبدالسلام إلى أن "الإمارات قد تسعى لأخذ احتياطاتها في البقاء طويلاً في محافظات الجنوب تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ولا سيما أنها قد تكون شعرت بانزعاج من وجود ترتيبات جديدة من التحالف لإشراك قطر والأردن وتركيا في الدعم الأمني والاقتصادي".

 
كما يحذر مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث من أن كل تحرك إماراتي بعيداً عن التحالف العربي في اليمن والتحالف الإسلامي وبدون معرفة الحكومة اليمنية يعقّد الوضع في اليمن وقد يهيّئ لانفصال غير آمن لبعض المحافظات في الجنوب وشمال الشمال عن السلطة الشرعية، ويتيح عودة التدخل الإيراني، والروسي، والأميركي في اليمن بشكل يرجح قوة الانقلابيين.

 
من جهته، يشكك المحلل السياسي جمال بن غانم في صحة ما نقلته وكالة "رويترز" طالما أن الإعلام الرسمي الإماراتي لم يعلق على ما نشر، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة "تحارب الإرهاب عسكرياً في اليمن فكيف ستطلب منها الإمارات منها ذلك".

 
ويشير بن غانم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن أي قرار يخصّ اليمن "لا يمكن أن تنفرد به الإمارات لأن التحالف بقيادة السعودية هو صاحب القرار الأول والأخير"، على حد قوله. أما بخصوص العمل الاستخباراتي، فيرى غانم أنه لا يحتاج أي طلب، إذ يوجد تعاون استخباراتي لمكافحة الإرهاب على أعلى المستويات يجري في هذا الخصوص.

زر الذهاب إلى الأعلى