[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

هل تلتئم جراح اليمنيين بعد الشرخ الذي لحق بنسيجهم الاجتماعي؟

على مدى عقود لم يستقر اليمن طويلاً، فما إن تنتهي جولة من الحرب حتى يبدأ التحضير لجولة أخرى، كتلك المرحلة التي أعقبت سقوط الإمامة في الشمال، ونهاية الاستعمار البريطاني في الجنوب، حيث شهدت البلاد حروباً عدة أكلت الأخضر، وحولت البلاد إلى يابسة.

 

ورغم طموحات اليمنيين وأحلامهم في وطن موحد، إلا أن الفروق تظل تمثل تحدياً كبيراً يقف أمام الاندماج الحقيقي والذوبان الكامل؛ لفئات ما تزال منذ بداية الألفية الجديدة ترفض التخلي عن السلاح والعنف، وتأبى التحول إلى تكتل سياسي ينخرط في العمل الديمقراطي في البلاد، مفضلة أن تبقى مليشيا مسلحة، تمارس القتل والنهب والتدمير، وزرع الكراهية والطائفية في البلاد.

 

وبحسب المراقبين فإن اليمن لم يشهد مرحلة خطيرة تهدد النسيج الاجتماعي كهذه المرحلة، التي شهدت بروز مليشيا الحوثي، وإصرارها على تصدر المشهد، والانقلاب على الديمقراطية، والسيطرة على مؤسسات الدولة، وتهديد حياة المواطنين، والتعدي على ممتلكاتهم، حيث عمقت المليشيا جراحاً، وأنتجت أخرى تهدد التعايش السلمي الذي ظل متماسكاً عقوداً، رغم كل الفوارق، بل والممارسات التي يرون أن نظام صالح أسس لها، وتمثلت في نهب مجموعة من القيادات السياسية والعسكرية والقبلية لمقدرات وثروات عدة محافظات، بات سكانها يعانون الفقر والبطالة والأمية، ما جعل من التعايش في وطن واحد حلماً لا واقعاً.

 

حتمية التعايش وحروب السياسة

وفي هذا الشأن يرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور فضل الربيعي، أن مسألة التعايش أمر مسلم به، إذ لا يعني أن الحروب التي جرت وتجري في اليمن هي حروب على غرار الحروب الطائفية أو الإثنية، بل هي حروب سياسية، ارتبطت بالنظام السياسي والصراع على السلطة؛ بوصفها مصدراً للجاه والثروة، في بلد تضيق فيه مصادر تعدد المنافع للفرد.

ويشير الربيعي إلى أن أمر حسم الحرب يتعلق بتغيير النظام السياسي، ومنح الكل حقوقهم واستحقاقاتهم الحضارية والسياسية والاقتصادية، وحينها – حسب رأيه - ستنتهي الأزمات والحروب، ويمكن حينها أيضاً التعايش، بعد أن يتم منح كل طرف حقه، والكف عن منهج الاستحواذ والقوة، والإقصاء للآخر.

وعلى مدى أكثر من عام ونصف، منذ الانقلاب المسلح الذي قادته مليشيا الحوثي، بدعم من قوات موالية لصالح؛ لم يشهد اليمن أي استقرار أمني أو سياسي أو اقتصادي، بل خلف ذلك الانقلاب شرخاً مجتمعياً، أخذ يتسع مع استمرار تلك الجماعات في ممارساتها غير القانونية، والخارجة عن أعراف وتقاليد وقيم المجتمع اليمني، وأسهمت تلك الأعمال في بروز تساؤلات يراها مراقبون واقعية، تتعلق باحتمال تعايش جميع الأطراف اليمنية في وطن واحد رغم كل تلك الجراح الغائرة، وهل ستفضي الحلول السياسية إلى ردم الهوة، وإعادة بناء الثقة، ليس فقط بين القوى السياسية التي تتحكم بمصير البلد، بل بين مختلف شرائح المجتمع.

 

مليشيا تهدد التعايش

ويرى الربيعي أن الحرب التي دخلها الحوثيون خلفت أشد المعاناة، حيث إنها ربما تكون أكبر حرب شهدها اليمن في التاريخ الحديث، وقد خلفت آثاراً كبيرة، سواء في البنى التحتية أو في نفوس البشر، إضافة إلى أنها حرب تعددت فيها القوى والهويات، وهو ما سيخلف معاناة كبيرة، وتناقضات جديدة في المجتمع، ما يصعب من محاولات التغلب على الشرخ العميق الذي أحدثته في المجتمع.

ويتابع الربيعي بقوله: إن "ذلك الأمر يستدعي توفر نضج فكري، ومرجعية حقيقية لذهنية السياسي اليمني، وعودة الأمور إلى نصابها، واعتقد الربيعي أن مسألة نجاح الحوار أو عدمه لا تتحدد في اللحظة الراهنة المشحونة بآثار الحرب، وما خلفته من تعقيد وتداخل في قضايا كثيرة، متوقعاً عدم وصول الحوارات الحالية إلى نجاح كامل وحقيقي، إلا أن إطالة أمد الحرب قد يدفع بالأطراف إلى توافق حول مسالة إنهائها، بعد أن أنهكت الكثير، ولا سيما الحوثي، لكن المخاوف تظل قائمة في حال تم ترحيل الأزمات، وعدم الحل الجذري لمختلف القضايا.

 

 غياب الثقة

وحسب المؤرخين فإن اليمنيين بإمكانهم التعايش، بعضهم مع بعض؛ رغم كل النتوآت التي ظهرت في تاريخ اليمن الحديث، والكثير من المفاوضات والحوارات التي شهدتها البلاد منذ قيام الجمهورية، والتي حاولت سد الفجوة بين أبناء الوطن، لكنها فشلت نوعاً ما في تحقيق سلام دائم؛ نظراً لبروز قوى تتمترس خلف ترسانة الأسلحة، ونمو قدرات جماعات أكبر من قدرات الدولة، التي ظلت هشة على مدى عقود، وتحولت ثروات البلد وقوتها إلى ملكية خاصة بجماعة، بينما لا يتمتع ملايين اليمنيين بأدنى الحقوق المكفولة شرعاً ودستوراً.

المحلل السياسي عبد الله العطّار ربط بين التعايش السلمي بين مختلف فئات المجتمع اليمني، وضرورة بناء الثقة، التي يرى أنها غابت على مدى الفترات السابقة، التي لم تشهد استقراراً طويل الأمد، منذ ثورتي سبتمبر/أيلول، وأكتوبر/تشرين الأول؛ قبل أكثر من خمسين عاماً.

ويضيف العطّار أن الاختلاف في وجهات النظر السياسية، والتنوع الثقافي والاجتماعي بين أبناء الوطن، لا يمثل تهديداً لسبل التعايش، بل يخلق مناخاً جذاباً للحياة، مستدلاً بنماذج من عدة دول تعيش فيها مجموعات دينية مختلفة.

واستدرك العطّار في حديثه؛ ليعرج على ما يهدد التعايش في أي مجتمع، والذي يراه ماثلاً في سعي فئة من الناس إلى أن تحكم بلداً بأكمله، وتهيمن على الثروة والسلطة، وتمارس القتل والتعذيب لكل من يعارضها، وهذا ما تمارسه مليشيا الحوثي وصالح، وكل من يدعم الفكر المتطرف والأفكار الديكتاتورية في زمن الديمقراطية، والذين أرغموا الملايين من اليمنيين على قتالهم، والرغبة في عدم مشاركتهم الحياة السياسية والاجتماعية.

وختم العطّار حديثه بالتطرق إلى ما قال إنه: ضامن للتعايش بين اليمنيين، والمتمثل في تخلي المليشيا، والجماعات المسلحة عن أفكارها المتطرفة، والانصياع للقانون، والاندماج في دولة مدنية، بعيداً عن السلاح، والتطرف الفكري، والتعالي، وإعادة ممتلكات الدولة والمواطن، والتخلي عن سياسة الأنظمة الإقطاعية.

زر الذهاب إلى الأعلى