لجان مشاورات الكويت... اختراق بمحادثات اليمن تهدّده حرب تعز
حققت مشاورات السلام اليمنية في الكويت أول اختراق هام في مسار أعمالها بتقسيم المشاركين في المفاوضات إلى ثلاث لجان، جرى من خلالها الفصل بين المسار الأمني المرتبط بالحرب والإجراءات العسكرية، والمسار السياسي المرتبط باستعادة مؤسسات الدولة والحوار بين الأطراف اليمنية، فضلاً عن ملف الأسرى والمعتقلين، الأمر الذي يعد أبرز خطوة عملية تقدمت خلالها المحادثات إلى الإمام منذ انطلاقها قبل أسبوعين.
وقال المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أمس الخميس، إن اتفاق طرفَي مشاورات السلام اليمنية الجارية في الكويت، على تشكيل اللجان الأمنية والسياسية لحلّ الأزمة، "بداية واعدة"، مع دخول المشاورات أسبوعها الثالث. وفي مؤتمر صحافي عقده في المركز الإعلامي للمشاورات بالعاصمة الكويت، أوضح ولد الشيخ أنه تم توزيع المشاركين في المشاورات من طرفي الأزمة (28 مفاوضاً)، على ثلاث فرق تركز على المسارات "الأمنية" و"السياسية" و"ملف المعتقلين".
واعتبر المبعوث الأممي أن مشاورات الكويت تقدم "فرصة لا تعوّض" لتحقيق السلام في اليمن، مؤكداً أن النزاع في هذا البلد العربي "لن يتوقف إلا بالتوصل إلى حل سياسي شامل"، وأن هناك "إجماعاً دولياً" على ذلك. وبينما أشار إلى "تحسن واضح" يتمثل في انخفاض الأعمال القتالية بين الأطراف المتصارعة في اليمن، اعترف باستمرار بعض الخروقات التي "تدعو للقلق ويجب أن تتوقف"، في إشارة خصوصاً إلى استمرار تسجيل المعارك بوتيرة مرتفعة في محافظة تعز ومدينتها التي تبدو كأنها خارج نظام الهدنة المبرمة منذ حوالي شهر.
في هذا السياق، تؤكد مصادر رسمية تابعة لوفدَي المشاورات، أمس الخميس، أن اللجان الثلاث التي قُسم إليها المشاركون، عقدت أول اجتماعاتها كل على حدة، بحضور ممثلين عن الأمم المتحدة وولد الشيخ. وناقشت كل لجنة آلية عملها وأبرز المواضيع والمهام الموكلة إليها، وسط تفاؤل حذر رافق الانعقاد، بالمقارنة بما سبق من الجلسات منذ انطلاق المشاورات.
وجاء انعقاد أولى جلسات اللجان بعد تقسيمها إلى لجنة سياسية، معنية بترتيبات استعادة مؤسسات الدولة من سيطرة المليشيات ومتعلقات الحوار السياسي الذي يفضي إلى عودة الحكومة أو سلطة توافقية وإجراءات تمهّد لعملية انتخابية. وكان واضحاً أهميتها من خلال الأسماء التي ضمتها من الطرفين، وتحديداً نائب رئيس الحكومة، وزير الخارجية، رئيس الوفد المفاوض، عبدالملك المخلافي، ومستشار رئيس الجمهورية المحسوب على الحراك الجنوبي، ياسين مكاوي، ووزير الصناعة القيادي في حزب الإصلاح، محمد السعدي، ونائب مدير مكتب رئيس الجمهورية، عبدالله العليمي، ووزيرة الشؤون القانونية نهال العولقي، والدبلوماسي شايع محسن.
ومن طرف الحوثيين، تألفت اللجنة من رئيس الوفد، المتحدث باسم الجماعة، محمد عبدالسلام، وعضو المكتب السياسي، حمزة الحوثي، والقيادي الناصري السابق حميد عاصم. فيما تألف فريق حزب "المؤتمر" بزعامة الرئيس اليمني الرئيس السابق علي عبدالله، من الأمين العام للحزب عارف الزوكا، والأمين العام المساعد ياسر العواضي، ووزير الخارجية الأسبق، الأمين العام المساعد في الحزب، أبوبكر القربي.
كما جرى تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية، المعنية بمتابعة الوضع الميداني وما يرتبط به من انسحاب من المدن وتسليم الأسلحة واللجان الأمنية في المحافظات. وضمت هي الأخرى أسماء بارزة في الوفود. من وفد الشرعية، تم تعيين نائب رئيس الحكومة، وزير الخدمة المدنية، عبدالعزيز جباري، ومستشار رئيس الجمهورية، رئيس حزب الرشاد السلفي، محمد بن موسى العامري، ووزير العدل خالد باجنيد، ونائب وزير الأشغال معين عبدالملك، ووزير الدولة عثمان مجلي، ومحافظ حضرموت الأسبق سالم الخنبشي. وشملت من وفد الحوثيين، مدير مكتب زعيم الجماعة، مهدي المشاط، والقيادي فيها من محافظة تعز، سليم مغلس، والدبلوماسي السابق عبدالإله حجر. ومن طرف حزب صالح، عضو اللجنة العامة، يحيى عبدالله دويد، ومحافظ حضرموت الأسبق، خالد الديني، والقيادي في الحزب عايض الشميري.
وتشكلت لجنة ثالثة معنية بملف الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسراً، والموضوعين تحت الإقامة الجبرية، وتألفت من أربعة أعضاء فقط، وهم وزير حقوق الإنسان، عز الدين الأصبحي، ووكيل وزارة الإدارة المحلية، عضو الهيئة الاستشارية في الوفد، مرفت مجلي. وعن حزب "المؤتمر"، الأمين العام في الحزب، فائقة السيد. وعن الحوثيين، القيادي في الجماعة ناصر باقزقوز. ومن خلال هذا التوزيع، بدا واضحاً أن اللجنة السياسية انتقت الأسماء من المستوى الأول، من رؤساء الوفود وشخصيات مهمة، فيما جاءت اللجنة الأمنية لتأخذ الأهمية بالدرجة الثانية وتضمنت أسماء مهمة، أبرزها عن الحكومة عبدالعزيز جباري، وعن شريكَي الانقلاب مهدي المشاط ويحيى دويد.
ويعتبر تشكيل هذه اللجان أبرز خطوة عملية منذ بدء المشاورات في الـ21 من إبريل/ نيسان الماضي، إذ تمحور أسبوعان من عمرها حول جدول الأعمال والاتهامات المتبادلة بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، ما أدى إلى تعطل الجلسات المشتركة معظم الأيام الماضية. وجاء التوصل إلى هذه الصيغة، كما تقول مصادر مطلعة مرافقة للمشاركين لـ"العربي الجديد"، بعد ضغوط دولية وجهود خليجية بُذلت مع الطرفين. وكان أبرز تطور في هذا السياق، خلال الأيام الماضية، اللقاءات التي أجراها الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، عبداللطيف الزياني.
على صعيد متصل، جاء التوصل إلى اتفاق بتقسيم المشاركين بالتزامن مع عرض الأمم المتحدة للمرة الأولى، رؤية أولية تعكس تصورها لحل الأزمة في البلاد. وتتضمن هذه الرؤية التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، مجموعة من الخطوات المتسلسلة والمتزامنة في أجزاء منها، في آن معاً. وتبدأ بتشكيل لجان أمنية وطنية على مستوى المحافظات، ثم أو بالتزامن مع، يبدأ الانسحاب من نقطة ما رُمز إليها بحرف "أ"، ليتم نشر قوات لحفظ الأمن في المنطقة، ويتم تسليم السلاح الثقيل والمتوسط، ومثل ذلك الانسحاب من النقاط الأخرى.
في المرحلة الثانية، وفقاً للتصور، تعود الحكومة للعمل في النقطة التي جرى الانسحاب منها وتتم إزالة العوائق والعراقيل التي تحول دون عمل المؤسسات في تلك المنطقة. وفي الوقت الذي تتواصل فيه عملية الانسحاب وتسليم الأسلحة وعودة الحكومة، تبدأ الخطوات السياسية بمشاورات حول الخارطة الانتخابية وحول الدستور. وفي السياق ذاته، يجري توسيع شمولية الحكومة والمؤسسات السياسية، وصولاً إلى المرحلة الثالثة، إذ تكون المشاورات حول الدستور قد انتهت، يليها انتهاء المشاورات حول الخارطة الانتخابية، ومراجعة القرارات الإدارية، قبل الوصول إلى الانتخابات التي تسلّم السلطة لرئيس منتخب، تلي ذلك إعادة هيكلة للأجهزة الأمنية، بحسب التصور. ولا يزال هذا التصور والأطر والمقترحات قيد النقاش خلال جلسات المحادثات، التي قد تطول أو تقصر، وفقاً لأجواء المرحلة المقبلة ومدى إمكانية استمرار المشاورات من عدمها.