تقارير ووثائق

جيرة السعودية والحوثيين: انقسام يمني حول تفسير مواقف الجبير

أثارت تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، عن أن الحوثيين "جيران المملكة" وطرف يمكن التفاوض معه، عاصفة من ردود الفعل وتعليقات الناشطين والسياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن وحتى في السعودية، على الرغم من اعتبار البعض أنها ليست جديدة، وجاءت بعد أكثر من شهرين من بدء تفاهمات بين الحوثيين والرياض، قادت إلى هدنة في المناطق الحدودية. لكن هذه الهدنة لم تكن حاضرة بشكل دائم في الأراضي اليمنية، مع استمرار الحوثيين في خرقها، وكان آخر هذه الخروقات القصف الذي شنّه الحوثيون وحلفاؤهم بـ20 صاروخاً على شبوة ليل الجمعة-السبت.

 

وكان الجبير قد أعلن في تصريحات نقلتها "لوفيغارو" الفرنسية، وكررها على صفحته الشخصية في موقع "تويتر"، أن أولوية السعودية في اليمن لم تعد محاربة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، الذين هم جيران السعودية، ويمكن التفاوض معهم، وإنما الأولوية محاربة تنظيمي "القاعدة" و"داعش". وقال "سواءً اختلفنا أو اتفقنا مع الحوثيين، فإنهم يظلون جزءاً من النسيج الاجتماعي لليمن، بينما داعش والقاعدة تنظيمان إرهابيان يجب عدم ترك المجال لهما للبقاء لا في اليمن ولا في أي مكان آخر في العالم".

 
وعقب تداول التصريح، ظهرت عاصفة من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي جعلت من وسم "#الجبير_الحوثيين_جيراننا"، من بين الأكثر شيوعاً في السعودية واليمن، بين من اتجه لتحليل التصريح، وبين من تناوله بالنقد والتهكم أو بالدفاع عنه، واتفقت أغلب التعليقات على أنه مؤشر على تغير في الموقف السعودي.

 

واعتبر السفير اليمني السابق في سورية، عبدالوهاب طواف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تصريحات وزير الخارجية السعودي تدل على أن السعودية والحكومة الشرعية في اليمن جادتان وماضيتان في خيار الحلول السلمية، وأن الجميع مع إيقاف الحرب، مستدركاً بأن "هذا لا يعني تسليم اليمن إلى مليشيات الحوثي، فدول التحالف ماضية إلى استعادة الدولة بكل الطرق وأولها الدبلوماسية والسياسية".

 

وأضاف طواف الذي كان في زيارة إلى السعودية قبل أيام، والتقى مسؤولين حكوميين يمنيين، أن "هناك استراتيجية مرسومة للتعامل مع كافة التطورات سواء الميدانية منها أم السياسية (مشاورات الكويت)"، مطمئناً "أن الجميع على دراية كاملة بخطط الحوثيين التي يراهنون عليها، فسجلهم حافل بالمراوغات والخداع والكذب، وحتى اللحظة الأوضاع متجهة إلى استعادة الدولة عبر المحادثات في الكويت أو كشف وفضح ألاعيب الحوثية وبالتالي اقتناع المجتمع الدولي ومعهم المؤتمر الشعبي العام بأن استراتيجية الحوثي ماضية في خداع الجميع".

 

من جهته، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي زايد جابر، أن "تصريح الجبير مخاطبة للغرب بدليل أنه قال إن القاعدة هي العدو الرئيسي، لأن في الفترة الماضية تردد أن المملكة غير جادة في محاربة القاعدة في اليمن لانخراطها في حرب الحوثي". وأضاف أن "وزير الخارجية السعودي لا يريد أن يظهر موقفاً أكثر تشدداً من السلطة الشرعية اليمنية التي تحاور الحوثيين في الكويت منذ شهر وتقر بحقهم في الشراكة إذا هم ألقوا السلاح وتنازلوا عن خطواتهم الانقلابية".
ولفت جابر إلى أن "السعودية تحارب على عدة جبهات سياسية وعسكرية ودولية، ومن حقها أن تدافع عن موقفها بأنها ليست ضد السلام، ومن هنا يمكن فهم كلام الجبير". ومع ذلك أشار جابر إلى أن "هناك مخاوف من أن يكون هذا التصريح نتاجاً لتفاهمات غير معلنة بين الحوثيين والمملكة، تقر لهم بالسيطرة في اليمن أو على الأقل المناطق الحدودية المجاورة للمملكة".

 

أما الصحافي والمحلل السياسي اليمني، عبدالرقيب الهدياني، فرأى، أن "تصريحات الجبير تُشكّل تغييراً كاملاً في هدف عاصفة الحزم، فالحوثيون الأعداء صاروا جيراننا والأولوية لمحاربة الإرهاب"، معتبراً أن هذه التصريحات "تكتيك يحمل معنيين، الأول تفكيك حلف الانقلاب باستمالة طرف الحوثي ومحاربة علي عبدالله صالح، والثانية إعادة ضبط الأمن في المناطق المحررة التي انزلقت إلى العنف، أي الجنوب والشرق".

 

وفي سياق التفسيرات المتعددة لكلام الجبير، دعا الصحافي والناشط السياسي، محمد الخامري في تصريح لـ"العربي الجديد"، لعدم "التشاؤم"، معتبراً أن هذا التصريح "سياسي يعكس وجهة النظر السعودية بعد انتهاء مهمتها التي حركت من أجلها عاصفة الحزم وتحالفها". وأضاف أنه "يمكن قراءته من زاوية أخرى وهي صراع الإرادات في إطار القيادة السعودية بين الإرادة السياسية التي يمثلها الجبير، والإرادة العسكرية التي يمثلها المتحدث باسم التحالف أحمد عسيري والذي صرح منذ أيام باستعداد التحالف لاقتحام صنعاء في حال فشل المحادثات". وبرأي الخامري، فإنه "لكلا الإرادتين قيادات عليا تدعمها، لكني أعتقد أن الإرادة السياسية هي الغالبة لعدة عوامل أهمها الضغوطات الدولية والإقليمية من جهة، والضغوط الداخلية السعودية من جهة ثانية".

 

من جهته، رأى الدبلوماسي اليمني السابق، عبدالوهاب العمراني، أن "الأقربين أولى بالمعروف" وأنه "من السخافة لدى الأطراف المتناحرة في اليمن أن تنخدع وتهلل وتُصفق لمجرد تصريحات فضفاضة ليس لها مسوغات على أرض الواقع، سواء من قبل مسؤولي الجارة الكبرى، بدءاً من تصريح الجبير العام الماضي بأن الحوثيين يمنيون ومن حقهم أن يشاركوا في سلطة مستقبلية، وانتهاء بتصريحه الأخير بأن الحوثيين جيراننا، وكذلك تسابق قيادات حوثية لكسب ود الجارة أو انتقاد حلفائهم الإيرانيين".

 

واعتبر العمراني، أن "واقع الحال على الأرض يقول إن هكذا فقاعات تندرج ضمن الخطاب الديماغوجي والحرب الإعلامية والاحتواء الناعم المتبادل بصورة مبتذلة مفضوحة، فالحوثي آخر من يحق له التحدث حول حقوق الجار وهم كالواعظ عن حُسن الجوار وهو يهين أهل بيته. وهو الأمر نفسه للسعودية".

 

وعلى صعيد الحوثيين، أظهرت التصريحات حيرة في تعليقات الناشطين الحوثيين، بين من رأى أنها إيجابية، ومن دعا إلى التوجس منها. وفي هذا الصدد، رأى الناشط الإعلامي في الجماعة، حميد رزق، في مقالة نشرها على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، أنه "للوقوف على دوافع هذا التصريح ليعلم الجميع أن خيار الحرب السعودية الأميركية المباشرة على اليمن بعد عام ونيف قد أفلس وفشل وهذه قناعة اصبحت راسخة تعكس مجريات الأحداث على الأرض".

 

وأضاف رزق الذي يرافق الوفد المشارك في محادثات الكويت أن "تصريحات الجبير كانت ستحظى بالمصداقية لو أنها ترجمت لقناعة وإيمان حقيقي بحقوق الجيران، غير أن السياسات السعودية على الأرض تناقض ما قاله الجبير، فالغارات مستمرة والحصار على الشعب اليمني خانق وإهانة المسافرين في بيشة متواصل والحشود الواسعة استعداداً لما بعد مفاوضات الكويت قائمة". ومع ذلك اعتبر رزق التصريح مؤشراً على قرار سعودي بالخروج من "المستنقع" في اليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى