جثامين مرهونة..حوثيون يمنعون ذوي قتلى المقاومة من دفنهم
تضاعف حزن والدة الشاب اليمني، عزالدين أحمد علي، بعد أن علمت برفض مليشيا الحوثي الإفراج عن جثمان ابنها، الذي قتله الحوثيون، في معارك تعز مع المقاومة الشعبية. بقي الجثمان في العراء أسبوعين، وبعد تدخل وسطاء اشترط الحوثيون الحصول على مبلغ نصف مليون ريال يمني (2500 دولار أميركي)، من أجل تسليم الجثمان للعائلة، والسماح لهم بدفنه، وفقا لما جاء في شهادة أدلى بها صهر العائلة، محمد عبدالله، وتابع: "لم نكن نملك المبلغ، اقترضناه لتكريم شهيدنا ودفن جثمانه".
ما جرى مع عزالدين تكرر مع 10 حالات وثقها رئيس المركز الإنساني للحقوق في مدينة تعز، حمود الذيب، كلها لأفراد من المقاومة اشترطت مليشيا الحوثي تسليم جثامينهم لأسرهم مقابل مبالغ مالية تتراوح من 100 ألف ريال يمني (500 دولار) إلى 500 ألف ريال يمني (بلغ سعر الدولار 215 ريالا يمنيا في وقت إجراء التحقيق). وبحسب الذيب، فإن الظاهرة تحولت إلى سلوك ممنهج من قبل مليشيا الحوثي منذ منتصف أبريل/نيسان من عام 2015، بعد حصارهم لمدينة تعز.
بيع الجثث
وثق كاتب التحقيق أساليب ابتزاز وانتهاكات متنوعة في 5 محافظات يمنية (تعز والبيضاء ومأرب وشبوة وإب)، لجثامين قتلى الحرب، تركت في الوديان والجبال لأيام وأسابيع وأشهر، لمقايضتها ماليا إما بجثامين أخرى أو بأسرى لدى المقاومة.
من بين هذه الحالات، نواف الشرعبي، والذي قتل في منطقة الأربعين في محافظة تعز في 21 سبتمبر/أيلول، وبقي جثمانه لمدة ثمانية أيام قبل أن يسمح الحوثيين لأسرته بالوصول إلى جثته، مقابل دفع مبلغ 200 ألف ريال (تقريبا 1000 دولار) بحسب القيادي في المقاومة، بشير أحمد قاسم.
وفي مديرية ذي ناعم في محافظة البيضاء، قتل أحمد فارع على أيدي الحوثيين في 27 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014، ولم تستطيع عائلته دفنه، حتى دفعت 200 ألف ريال يمني (1160 دولاراً أميركيّاً)، وفي مديرية الزاهر في المحافظة أيضا، قالت مصادر في المقاومة إنه جرى اختطاف 3 جثامين من عناصرها نهاية أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014 لمدة أربعة أشهر وهم (أيوب العامر، محمد الوحيشي، عفيف الصبيحي)، وهؤلاء رفض الحوثيون تسليمهم دون الحصول على جثمان أحد قيادات الحوثي، يلقب بأبو أحمد، قتل في المحافظة وجرى دفنه من قبل المقاومة.
استبدال الجثث
يكشف حمود سعيد المخلافي، قائد مقاومة تعز، عن وجود قرابة 16 شخصاً من عناصر المقاومة قتلوا ولم تستطع أسرهم الوصول إليهم لدفنهم، بسبب منع الحوثييين رجالا من أقربائهم من الاقتراب من الجثث، لاستخدامها في مساومة ذويهم، مما دعا نسوة من أقارب القتلى إلى المبادرة والمغامرة بالتدخل على الرغم من رصاص القناصة، وبالفعل نجحن في دفن بعض الجثث بعد بقائها لأيام في العراء.
عبر إحصاء شارك فيه مسؤولو الجبهات في تعز، وثق معد التحقيق احتجاز الحوثيين لجثامين 37 من المقاومة، منهم 3 في جبهة الأربعين و4 في منطقة الزنوج وجبل جرة و2 في الدفاع الجوي و7 في حي المرور و3 في جبل الوعش و6 في جبهة الستين المحور الشمالي للمدينة و3 في جبهة الوازعية و7 في جبهة صبر و2 في مديرية القبيطة، ويشترط الحوثيون، لتسليم هذه الجثامين، استبدالها بأخرى من عناصرهم بحسب القيادي في المقاومة، بشير التبعي.
المتورطون في رهن الجثث
يؤكد حمود المخلافي أن من يبتزون الموطنين في تعز من أجل بيع جثث القتلى أو مقايضتها، هم من الشخصيات الاجتماعية من أبناء المدينة المتحوثيين (المؤيدين للحوثي بحثا عن المصالح وليس الإيديولوجيا)، بينما قال القيادي في مقاومة تعز، عبد السلام المخلافي، إن قناصين حوثيين ملقبين بأبو الحسين وأبو العلي، يتقاسمان المبالغ التي تصلهم بالتناصف مع سماسرة وشخصيات اجتماعية مقربة من الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، لكن محمد البخيتي، عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي، ينفى رهن الجثث وعدم دفنها لاستبدالها بأسرى حوثيين، مبررا ذلك بأن لديهم أسرى أكثر مما لدى المقاومة من عناصرهم.
جرح نازف
لكن ماذا عن حالة الجثث التي لا يستطيع ذووها الوصول إليها؟ يجيب مدير الخدمات الطبية بمكتب الصحة في تعز، الدكتور نشوان الحسامي، على السؤال السابق قائلا: " لدينا 3 مستشفيات لا تزال تعمل فقط في تعز، هي مستشفى التعاون والذي لا توجد فيه ثلاجة، ومستشفى الثورة وتوجد فيه ثلاجتان سعة 18 جثة وفيها 23 جثماناً منذ سنوات قبل الحرب، وهنالك حاليا في مستشفى الروضة ثلاجة واحدة سعة 6 جثث ويوضع فيها 12 جثة". ويضيف الحسامي:" الجثث التي تركت في العراء لفترة طويلة يتم دفنها فور التمكن من الحصول عليها".
وتبدي المتحدثة باسم الصليب الأحمر في اليمن، ريما كمال، تعاطفا كبيرا مع الأهالي الذين لا يعرفون مصير أبنائهم وتقول "يبقى الأمر جرحاً نازفاً لعائلاتهم التي تنتظر بارقة أمل كل يوم، حتى تعرف إن كان أبناؤها أحياءً أم أمواتاً"، وتتابع "تم استرجاع 812 جثة من مناطق النزاع منذ شهر نيسان/أبريل 2015 وحتى نيسان/أبريل 2016 بالتعاون مع الهلال الأحمر اليمني".
وتوجهت في حديثها إلى طرفي النزاع بالقول: "مسؤوليتكم القانونية تحتم عليكم أن تحترموا كرامة الجثث وتسليمها دون إبطاء، إما مباشرة أو عن طريق وسيط محايد، مثل اللجنة الدولية للصليب الاحمر، وعلى السلطات أن تكون لديها إجابات كافية على تساؤلات سوف يطرحها أقارب المفقودين عن مصيرهم". ويعاني فريق الهلال الأحمر في محافظة مأرب من عدم قدرته على التدخل واسترجاع الضحايا، كما روى مصدر طلب عدم الإفصاح عن صفته.
ويقول المصدر: "منذ ما يقارب الشهر تصلنا بلاغات يومية وتوجد مئات الجثث في الجبهات ولكن الفريق توقف عن ممارسة مهامه بعد أن قام الحوثيون بإطلاق النار عليهم وأصاب ثلاثة من الفريق بشظايا، إضافة إلى فقر إمكانياتهم". وكشف المصدر عن أن الحوثيين سمحوا لهم منذ بداية الحرب في المحافظة باسترجاع 95 جثة فقط بعد بقاء بعضها لأشهر كاملة في أماكن المواجهات حتى أصبحت عظاما وتحللت في العراء.
تاريخ من التنكيل بالجثث
يؤكد الأكاديمي، محمد بن محمد، (اسم مستعار لباحث يمني يقيم في صنعاء)، على وجود تاريخ من عدم احترام جثث قتلى الحروب في اليمن، قائلا:"في وقت ثورة 1948 كانت الجثث تظل معلقة إلى أن تتحلل، كما تم تأريخ حالات جرى فيها قطع رؤوس الثوار وإلقاؤها في أماكن القاذورات، من جانب قوات الإمام يحيى حميد الدين، وهو ما تكرر كثيرا بعد ذلك وقبله في أثناء اضطرابات متعددة".
مخالفة القانون الدولي واليمني
"جريمة المتاجرة بالجثامين أو رهنها لاستبدالها لم تخطر ببال فقهاء القانون الدولي". بهذه الكلمات يعلق المستشار والخبير القانوني الدولي، فيصل الحميدي، قائلا بتأثر: "ما يحدث في اليمن يتجاوز نصوص مسودات القانون الدولي، والتي منها اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية والتي تنص في مادتها الثالثة على مسؤولية القيادات عن كافة الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواتهم المسلحة".
أما بالنسبة إلى قانون العقوبات اليمني فقال الحميدي إنه اقتصر على احترام الجثامين وعدم نبش القبور، وبحسب المادة 262 من قانون العقوبات يعاقب من اعتدى على حرمة الموتى بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تتجاوز ألفي ريال. ولم يرد أي نص متعلق ببيع الجثامين في الحالات الحربية.
وفي السياق نفسه، يوضح باحث القانون الدولي، المحامي علي هزازي، رئيس منظمة سواسية بأن أي اعتداء أو تمثيل بالجثث أو تركها في العراء وعدم السماح بدفنها، أو استخدامها كأدوات ضغط سياسية، يتنافى مع مبادئ وقواعد القانون الدولي التي تقوم على مبدأ احترام الفرد الإنساني، وكرامته الشخصية.
سلوك العصابات
يصف عزالدين الأصبحي، وزير حقوق الإنسان في حكومة بحاح المستقيلة، سلوك الحوثيين في الحرب الدائرة، بالمخالف لكل أعراف حقوق الإنسان والتي تشدد على التعامل مع جثامين القتلى بإنسانية. ويستطرد الوزير الأصبحي قائلا لـ"العربي الجديد":"عصابات التمرد الحوثي وصالح لم تحترم الأحياء من الشعب اليمني، فكيف لها أن تحترم جثامين الموتى من عناصرها قبل خصومها والتي تدفنهم وتميز بينهم حتى في مسألة الدفن؟".
ويؤكد الأصبحي أن عدد قتلى الحرب في اليمن منذ انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر/أيلول 2014 وإلى نهاية مارس/آذار 2016 بلغ (6049) قتيلاً مدنيا منهم (5750) قتلوا على أيدي مليشيا الحوثي وصالح، بينما يقول عضو المجلس السياسي للحوثيين، محمد البخيتي، إن هذا العدد قليل ويوجد أكثر من ذلك، ولدى سؤال معد التحقيق له هل تعد هذا فخرا، قال "هم في النهاية مرتزقة يقفون مع العدوان الأميركي.
ويرفض البخيتي الكشف عن عدد قتلى جماعته حاليا ووعد بأنهم سيكشفون عنه بعد انتهاء الحرب كما فعلوا سابقاً وذلك بسبب أن خصومهم يتسترون على عدد قتلاهم. وتابع:" مسؤوليتنا ليست الاهتمام بجثامينهم لأنهم سقطوا وهم يقفون مع التحالف الأميركي ولا داعي لتسليمها للأهالي أيضا"، وعن جثامين الضحايا من عناصرهم يعترف بأنها "قد تبقى لفترات طويلة دون دفن بسبب انشغالهم باستكمال معاركهم الواسعة ومن الطبيعي أن تحدث هذه التجاوزات في الحروب".