أزمة سيولة تضرب المصارف التجارية في اليمن
تعاني المصارف التجارية اليمنية، منذ أسبوع، من نقص في السيولة النقدية بالعملة المحلية، ما ينذر بالعجز عن صرف رواتب موظفي الدولة ويفاقم الوضع المعيشي للمواطنين.
وشهد السوق اليمني اختفاءً للأوراق النقدية المحلية من فئتي 1000 ريال و500 ريال، فيما صرف البنك المركزي رواتب يونيو/ حزيران بأوراق نقدية من فئة 250 ريالا.
وقال عملاء لمصارف تجارية، إنهم منذ أسبوع يترددون على المصارف لسحب مبالغ من أرصدتهم دون طائل، إذ تتذرّع لهم المصارف بأن المبالغ غير متوفرة وعليهم العودة خلال أيام.
وقال أحمد سعيد، موظف حكومي: "اشتريت سيارة مستخدمة واتجهت إلى البنك لسحب قيمتها من رصيدي. للأسف أبلغني المسؤول هناك بعدم توفر سيولة، ووضعني أمام خيارين، إما استلام ربع المبلغ المطلوب أو العودة بعد ثلاثة أيام".
وأكد مسؤول في بنك تجاري يمني، أن المصارف التجارية تعاني أزمة خانقة في السيولة النقدية، وعجزت عن توفير الأموال لمودعيها، ما دفعها لخفض مبالغ السحب عبر جهاز الصراف الآلي من 300 ألف (نحو ألف دولار) إلى 70 ألف ريال باليوم.
واتهم المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، الحوثيين بسحب السيولة المحلية من السوق واكتنازها في البيوت، تحسبا لأي اتفاق سياسي يعيد سلطة الحكومة الشرعية أو سيطرتها على المؤسسات المالية، موضحا أن ثمة أسبابا أخرى، منها قيام السلطة الشرعية باحتجاز إيرادات المدن المحررة في البنك المركزي بعدن ورفض توريدها إلى البنك المركزي بصنعاء.
وقال: "البنك المركزي في محافظة مأرب (شرق البلاد) والخاضع لسلطة الحكومة الشرعية، قام باحتجاز إيرادات المحافظة ورفض توريدها إلى البنك المركزي بصنعاء"، معتبرا أن المركزي لا يمتلك أية حلول للأزمة وعاجز عن تعزيز المصارف التجارية بالسيولة المطلوبة.
وكان مسؤول بارز في مجلس الوزراء، أكد أن الحكومة تسعى للسيطرة على إيرادات المدن المحررة، وقد بدأت خطوات عملية في هذا الجانب.
وقال المصدر: "تم إدخال كابل للألياف الضوئية إلى فرع البنك المركزي بمدينة عدن ونظام مالي موحد، وذلك لربط فروع البنك المركزي في محافظات أبين ولحج (جنوب)، وشبوة والمكلا وسيئون (جنوب شرق)، مباشرة مع البنك المركزي في عدن".
وأكد مصرفيون أن أزمة السيولة ستؤدي إلى عجز حكومي عن صرف رواتب موظفي الدولة وإلى انخفاض الطلب على السلع.
واعتبر أستاذ المصارف بالمعهد الحكومي للعلوم الإدارية، طارق عبد الرشيد، أن مثل هذه الأزمة سببها الرئيسي هو البنك المركزي، وأنها تأتي بفعل سوء إدارة السياسة النقدية.
وقال عبد الرشيد: لم يقم البنك المركزي بضخ نقود جديدة للسوق بسبب - كما يبدو - انتهاء الأموال المصدرة لديه، لا سيما من فئتي 1000 و500 ريال، والسبب الرئيسي لأزمة السيولة النقدية هو عدم قيام البنك المركزي بمسؤولياته كما يجب من خلال تمكين المصارف من استخدام الاحتياطات الخاصة بهم والمحفوظة لديه لأكثر من سبب، من أبرزها قيامه باستخدامها في مواجهة النفقات العامة الملحة.
وأوضح أنه يجب الأخذ بالاعتبار الارتفاع النسبي للطلب على الريال والذي هو متوقع كونه يشكل طلبا موسميا (دوريا).
وأشار إلى أن فشل السلطات المالية في الوفاء تجاه المصارف من خلال تسييل سندات الدين العام في مثل هذه الظروف، يسهم بشكل كبير في حدوث اختناقات السيولة لدى المصارف، ولا سيما أن حجم استثمارات المصارف بهذه السندات عالية جدا، وكانت تعول عليها، لأن هذه السندات، وفقا للقانون، تعد كاملة السيولة.
وقال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر: "هناك أياد خفية هي التي تسحب الريال من السوق وتكنزه في ظل مستوى عال من الإتلاف للعملة".
من جانبه، أكد الكاتب الاقتصادي محمد العبسي: "أن السبب الأهم لأزمة السيولة النقدية هو قرار لجنة الحوثي الثورية بتعويم المشتقات النفطية".
وقال العبسي: "منذ إصدار الحوثيين قرار تحرير المشتقات النفطية، أصبحت الدورة النقدية، سواء بالريال اليمني أو العملات الأجنبية، خارج سيطرة البنك المركزي والمصارف المحلية، وانتقلت إلى السوق السوداء (الصرافين وشركات الصرافة)".
وأضاف: "كل مستوردي النفط في البلاد يضطرون إلى شراء النقد الأجنبي من الصرافين، وإجراء تحويلات سداد صفقاتهم عبر شركات الصرافة، وفي الوقت نفسه يكنز كل مستورد سيولة نقدية كبيرة، تشغيلية واحتياطية، بالريال اليمني تراوح في الغالب بين 500 مليون ريال إلى 3 مليارات ريال يمني من فئة الألف ريال".
وأوضح العبسي أن من ضمن الأسباب، قيام المودعين والشركات والمؤسسات وكبار التجار بتخزين سيولة نقدية من الريال اليمني لمواجهة مصاريف زكاة رمضان، إضافة إلى قرار غير معلن من البنك المركزي اليمني قضى بمنع وتقليل صرف أي سيولة محلية للمصارف التجارية والإسلامية وفروعها في اليمن.
وتسود حالة من القلق والارتباك الأوساط المصرفية والاقتصادية في اليمن، في ظل استمرار تهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية وتآكل الاحتياطي الأجنبي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع بحوالي 20%.
وكانت مصادر مصرفية كشفت، منتصف مايو/ أيار الماضي، عن طباعة البنك المركزي اليمني كميات كبيرة من الأوراق النقدية فئة 1000 ريال بدون غطاء من النقد الأجنبي أو الذهب، لتغطية رواتب موظفي الدولة.