تقارير ووثائق

أبين... البوابة الشرقية لعدن بين "القاعدة" والإهمال الحكومي

عاد نشاط تنظيم "القاعدة" مجدداً إلى محافظة أبين، جنوبي اليمن، بعد ما يقرب من شهرين على انسحابه طوعاً بوساطة قبلية، إلا أن رفض السلطات المحلية تسلّم المحافظة في ظل وضعها المتدهور، من مختلف النواحي الأمنية والإدارية والخدمية، جعلها محافظة "منسية"، كما باتت توصف على لسان العديد من الشخصيات المحلية.

 
وأكدت مصادر محلية في محافظة أبين، أن مسلحي تنظيم "القاعدة" المعروفين محلياً ب"أنصار الشريعة"، عادوا من جديد بأنشطتهم المسلحة في مدينة جعار، وسيطروا أخيراً على أحد مراكز الشرطة، بالتزامن مع عمليات اغتيال متتالية شهدتها المحافظة، وتوجّهت أصابع الاتهام فيها إلى التنظيم.

 
وكانت وساطة قبلية قد نجحت في مايو/أيار الماضي بإقناع مسلحي "القاعدة" بالانسحاب من مدن محافظة أبين، لتجنبيها آثار أية معركة. ووفقاً لمصادر مطلعة مقربة من لجنة الوساطة، انسحب مسلحو التنظيم، إلا أن السلطات المحلية، ممثلة بالمحافظ، محمد الخضر السعيدي، رفضت التوجّه لاستلام المحافظة، ولا تزال تمارس مهامها من مدينة عدن، من خلال اجتماعات وقرارات، لا يشعر معها المواطنون بوجود حقيقي للسلطة، داخل المحافظة.

 
وتُعدّ أبين البوابة الشرقية إلى عدن، وتتصل بمحافظات شبوة والبيضاء ولحج، وتتألف من ثلاث مدن رئيسية، وهي جعار ولودر وزنجبار، وكانت أبين ساحة لحروب متقطعة مع مسلحي تنظيم "القاعدة"، الذين سيطروا عليها في العام 2011، وأعادوا سيطرتهم في أوقات متفرقة على بعض مدنها في 2013، وحتى العام الماضي.

 

ومن حيث الموقع، تحتل أبين البالغة مساحتها 21489 كيلومتراً أهمية استراتيجية، إذ إنها تربط العديد من المحافظات الجنوبية بالشرقية والشمالية، ويرتبط أمنها مباشرة بأمن واستقرار عدن، فضلاً عن كونها محافظة ساحلية تطل على البحر العربي، وهي من أهم معاقل النفوذ التقليدي لتنظيم "القاعدة" منذ سنوات.

 
سياسياً، تُعتبر أبين أحد مركزين للثقل السياسي والعسكري في الجنوب خلال العقود الأخيرة، في مقابل لحج والضالع، ومن أبين يتحدر الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، وكذلك وزير الداخلية، اللواء حسين عرب. وكانت، في الفترة التي سبقت الانقلاب، تُوصف بأنها المحافظة التي تسيطر على مركز القرار السياسي للبلاد، بسبب العدد الكبير من المسؤولين المنتمين إليها والذين كانوا إلى جوار هادي، غير أن أبين في الغالب كانت بعيدة عن اهتمام القيادة بها، من الناحية الخدمية، وفقاً لما يردد مواطنون في المحافظة.

 
في أغسطس/آب 2015، أعلنت قوات التحالف والقوات الموالية للشرعية تحرير محافظة أبين من مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) والموالين للرئيس السابق علي عبدالله، بعد معارك وغارات جوية على مدى خمسة أشهر، تسببت بأضرار كبيرة في البنية التحتية للمحافظة، واستمرت الحرب على أطراف المحافظة، وتحديداً جبهة "لودر- مكيراس"، لشهور لاحقة للتحرير.

 
وعقب مرحلة التحرير، لم تكن أبين أفضل حالاً من المحافظات الجنوبية الأخرى (لحج، الضالع، عدن)، إذ بدت الأجهزة الأمنية والإدارية والخدمية منهارة بشكل شبه كامل، بسبب الحرب، غير أن أبين نالت نصيب الأسد من هذه المعاناة، إذ سيطر عليها مسلحو "القاعدة" أواخر العام الماضي، وتعرضت المقرات التي يسيطر عليها التنظيم لغارات جوية بالتزامن مع عمليات التحالف ضد "القاعدة" في حضرموت ولحج.

 
وشهدت أبين الفترة الماضية احتجاجات تطالب بالنظر إلى الوضع المتدهور في المحافظة على كافة الصعد، أمنياً وإدارياً وخدمياً، وفي مقدمة ذلك ملف الكهرباء، الذي لا تزال أبين تعاني من انقطاعها إلى اليوم، على الرغم من اقتراب إكمال عام على تحريرها من الانقلابيين، ويتهم معارضون الإدارة الحالية للمحافظة بالفشل، ويطالبون بتغييرها.

 
في المجمل، تعاني أبين آثار الحروب الحكومية مع "القاعدة"، منذ العام 2011، بالإضافة إلى آثار الحرب الواسعة مع الانقلابيين في عام 2015، ويصفها اليوم بعض سكانها ب"المحافظة المنسية"، على الرغم من أنها لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن مدينة عدن، التي تُوصف ب"العاصمة المؤقتة". ويمثل بقاء أبين بعيدة عن سيطرة الدولة صورةً تعكس الفشل الحكومي في المحافظات المحررة، الأمر الذي انعكس على منسوب آمال المواطنين في المحافظات التي لا تزال تحت سيطرة الانقلابيين، وكانت معركة الشرعية، أقل كلفة، فيما لو قدمت أنموذجاً ناجحاً في المحافظات المحررة، وفقاً للانطباع السائد لدى الكثيرين في الأوساط اليمنية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى