صحف

صنعاء والرياض ومعركة الحزم

منذ إعلان عملية عاصفة الحزم في مارس/ آذار 2015 التدخل العسكري في اليمن، بموجب دعوة من القيادة الشرعية اليمنية، للقضاء على التحالف الثنائي (الحوثي وعلي عبدالله صالح) الذي استولى بالقوة المسلحة على مقاليد الأمور في اليمن، والكاتب يدعو دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لحسمٍ عسكريٍّ حازم جازم سريع، بالاعتماد على القوة العسكرية للتحالف، والقوات اليمنية الموالية للحكومة الشرعية من الجيش والأمن، واعتبار قوى المقاومة الشعبية والقبلية قوة مساعدة، وإن لم تحسم هذه المعركة في أسرع وقت، فإن دول التحالف ستواجه صعوباتٍ لا يمكن الخروج منها بسهولة.

 

(2)
كانت قراءتي للموقف صادقة، فهذه الحرب تدخل شهرها الثامن عشر، والأوضاع العسكرية والسياسية في المنطقة في تطورٍ مخيف. على الساحة اليمنية، هناك تفكّك بين القوى اليمنية، الامر الذي يضعف التحالف العربي، منهم من يطالب ويعمل بكل جهد على انفصال الجنوب اليمني عن شماله، وهناك أطراف عربية ودولية تعين ذلك الفريق بطرقٍ متعدّدة، نموذج ذلك العمل عمليات ترحيل كل من تشير بطاقة هويته إلى أنه من مواليد شمال اليمن، هناك قوى تعمل على عودة نظام السلاطين، أعني النظام الذي كان سائداً قبل رحيل بريطانيا عن الجنوب العربي عام 1967. دول التحالف الفاعلة في اليمن منشغلةٌ بخلافاتها في شأن حزب الإصلاح والحركة السلفية. يناصر بعضهم الأول على استحياء، ولكن لا يقدم لهم العون المطلوب لتحقيق انتصارٍ، على الأقل في محافظة تعز، الأمر الذي يدفع بتفوق (الحلف الثنائي) على المقاومة الوطنية هناك، وكلما اقتربت المقاومة في تعز من تحقيق الانتصار شحّ عليها المال والسلاح والدواء، وانكسرت، وانتصرت قوات حلف الحوثي وصالح.
يناصر طرفٌ آخر السلفيين، ويمدّهم بكل مطالبهم، بهدف النيْل من حزب الإصلاح، وليس لتحقيق النصر المبين ضد الباغين على الشرعية. أفرزت هذه الخلافات بين بعض قوى التحالف قوة أخرى (تجار الحروب)، لا يمكن تجاوزهم اليوم، لأنهم أنشبوا أظفارهم في كل زوايا اليمن، وارتبطوا بفريق أو آخر من قوى التحالف، والحكومة الشرعية بلا ميزانية. ويتصرف الحوثيون بمخزونات البنك المركزي الواقع تحت هيمنتهم في العاصمة صنعاء.
نتيجة ذلك، وغيره من العوامل الأخرى، أقدم الحلف الثنائي على تشكيل "مجلس سياسي لإدارة البلاد"، متحدياُ بذلك كل القرارات الدولية، ومجلس التعاون الخليجي، والحوار الوطني اليمني، ومنظمة التعاون الإسلامي، وقرارات جامعة الدول العربية.

 

(3)
كيف واجهت قوى التحالف العربي والقوى الدولية إجراءات الحلف الثنائي؟ أدلت الأمانه العامة
"أنبه ولاة الأمر في المملكة إلى خطورة الموقف، إذا لم تحسم القضية في اليمن" لدول مجلس التعاون ببيانٍ كان، في مضمونه ولغته، أدنى درجات السطحية في البيانات السياسية، ولست هنا بصدد تحليل مضمون البيان. جاء فيه "أن مجلس التعاون يعبر عن قلقة البالغ للخطوة التي قام بها صالح والحوثي"، أي إعلانهما تشكيل مجلس سياسي لإدارة البلاد، وكأن اليمن ليس في خاصرة السعودية، وكان، في تقديري، أن الرد الجازم والحاسم على هذا الإجراء هو إعلان دول التحالف رفضها البيّن لذلك الإجراء، وتصعيد العمل العسكري والإسراع في تحرير تعز، والاقتراب من العاصمة صنعاء، إنذاراً باقتحامها، ما لم يخضع البغاة لقرارات الشرعية الدولية وما في حكمها.
كان الموقف الأميركي أبلغ من قرار مجلس التعاون، جاء فيه "أن الولايات المتحدة تندّد بإعلان تشكيل مجلسٍ سياسيٍ لإدارة البلاد"، وكان بيان الاتحاد الأوروبي أبلغ وأوضح من بيان مجلس التعاون، وفيه "يدعو الاتحاد الأوروبي الحوثيين وصالح إلى وقف الاستفزازات".

 

(4)
ألحق حلف صالح والحوثيين إعلانه آنف الذكر بتصعيدٍ عسكريٍّ على كل المحاور. استطاع في تعز قطع الطريق الواصل بين تعز وعدن، استحداث معسكراتٍ في ذمار ومناطق أخرى في إقليم سبأ (مأرب والجوف والبيضاء)، تفجيرات في محافظة عدن، الدعوة إلى حشد شعبي موالٍ للحلف.
على الحدود السعودية، يشن الحوثيون وصالح، معارك عسكرية، بريّة ضارية، على حدود مناطق نجران وجيزان وظهران اليمن في عسير، كما تقول وكالات الأنباء. ويطالب صالح بالحوار مع الشقيقة الكبرى، ويعني السعودية، وهذه الدعوة من أنواع "التقية" التي يمارسها صالح، كلما اشتد به الحال مع السعوديين الذين يملكون قوات جويةً ضاربة. ولكن، لا يمكن تحقيق الهدف النهائي، وإلحاق الهزيمة بالخصم عن طريق القوة الجوية. وعلى ذلك، لا بد من تمكين جيش السلطة الشرعية اليمنية، بكل أنواع السلاح والذخائر المتطورة تحت غطاءٍ جوي ومدفعي، من التقدَم على كل الجبهات باتجاه الوصول إلى صنعاء، قبل أن يداهمنا موسم الحج، وتنشغل الدولة بجبهاتٍ متعددة، قد تُفتح بغرض إرباك النظام السياسي في السعودية.
أنبه ولاة الأمر في المملكة إلى خطورة الموقف، إذا لم تحسم القضية في اليمن قبل تحقيق السيطرة على حلب والموصل لصالح الحكم الطائفي في كل من بغداد ودمشق، بمعونة إيرانية أميركية وروسية، ومن آخرين، بعدها ستلتفت إيران وحلفاؤها نحو دول مجلس التعاون، وخصوصاً السعودية .
آخر القول: سارعوا في إنجاز مهامكم في اليمن، قبل أن يستفحل الأمر، وبعدها نكون من النادمين.

زر الذهاب إلى الأعلى