معاناة اليمنيين تتفاقم والتصعيد الميداني يتجدد
بعد أكثر من 500 يوم على بدء التدخل العسكري للتحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن، تبدو البلاد أمام مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، عقب تعثر جهود السلام التي رعتها الأمم المتحدة في الكويت لأكثر من ثلاثة أشهر، فيما تزداد وطأة الأزمة الاقتصادية ومعها المعاناة الإنسانية، نتيجة أشهر طويلة من الحرب وما خلّفته من دمار وانقسام سياسي وعسكري في البلاد.
في العاصمة صنعاء، لا يزال مسلحو جماعة أنصار الله (الحوثيين) والموالون للرئيس السابق علي عبدالله صالح، يسيطرون على مؤسسات الدولة، فيما لا يزال أغلب مسؤولي الحكومة خارج البلاد، غير أن قوات الحكومة باتت على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة، بعد أن أضحت غالبية مساحة البلاد خارجة عن سيطرة الانقلابيين، لكن الشرعية لم تحكم قبضتها بعد.
سياسياً، انتهت مفاوضات الكويت، يوم السبت، بعد ثلاثة أشهر من اللقاءات والنقاشات، كأنها لم تبدأ، وخرج المفاوضون وسط انتقادات موجّهة إليهم، من أوساط شعبية، وصل بعضها إلى تبادل تعليقات تهكمية، نتيجة خيبة الأمل بعدم التوصل إلى اتفاق، في حين كانت أغلبية المؤشرات على مدى الفترة الماضية، تتوقع التوصل إلى حل، ينهي أزمة البلاد.
وفيما الانقسام العسكري بالسيطرة على المحافظات لا يزال سيد الموقف، ينهمك الحوثيون وحلفاؤهم من حزب صالح بترتيب وضعهم الداخلي ب"المجلس السياسي"، الذي ألّفه الطرفان مناصفة لحكم المناطق التي يسيطران عليها. في المقابل، تلوّح الحكومة ب"الحسم العسكري"، بعد أن باتت قواتها تتقدم في منطقة نِهم، الواقعة شرق صنعاء، باتجاه العاصمة.
وحضر التصعيد الميداني بعد يوم من تعثر المشاورات، بفعل تأكيد مصادر تابعة للحوثيين وأخرى في المقاومة الشعبية تصاعد وتيرة الضربات الجوية للتحالف في أكثر من محافظة بالبلاد، بعد ساعات من تصريحات للمتحدث باسم التحالف، اللواء أحمد عسيري، أشار فيها إلى أن العمليات العسكرية ستنشط من جديد، بعد توقف المفاوضات. وكان التحالف قد خفض من وتيرة عملياته منذ الاتفاق على هدنة في العاشر من أبريل/نيسان الماضي.
وشمل التصعيد خلال الساعات الماضية، منطقة نِهم، بعد إعلان قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية عملية للتقدم نحو العاصمة، فيما نفذت مقاتلات التحالف العديد من الضربات الجوية ضد أهداف مفترضة للحوثيين وحلفائهم الموالين للصالح، بمناطق متفرقة في المديرية.
وفي محافظة تعز، أعلنت مصادر تابعة للحوثيين أن مقاتلات التحالف نفذت 15 غارة جوية في مديرية ذُباب الساحلية القريبة من باب المندب، التي تشهد مواجهات متقطعة، تتصاعد وتيرتها بين الحين والآخر. وامتدت الغارات إلى المناطق الحدودية، حيث قصف التحالف اهدافاً متفرقة في مديرية حرض، التابعة إدارياً لمحافظة حجة، وأخرى في مديرية سحار، التابعة لمحافظة صعدة، معقل الحوثيين شمال البلاد.
من جهته، أصدر ائتلاف الإغاثة الإنسانية في محافظة تعز، يوم السبت، تقريراً جديداً عن الأوضاع الإنسانية في المحافظة لشهر يوليو/تموز الماضي. تضمّن التقرير الخسائر البشرية والمادية التي تم رصدها من قبل الفرق الميدانية التابعة للائتلاف، جراء الأحداث في المحافظة. كما أشار التقرير إلى الوضع الصحي والتعليمي القائم، والاحتياجات الإنسانية الإغاثية للمحافظة.
وأعلن ائتلاف الإغاثة في تقريره عن مقتل 46 مدنياً، وجرح 612 آخرين، بينهم نساء وأطفال خلال يوليو/تموز الماضي، إصابات بعضهم خطرة، جراء عمليات القنص والقصف العشوائي على الأحياء السكنية والأسواق الشعبية.
وذكر التقرير، أن منزلين سكنيين تعرّضا للتفجير بالألغام والعبوات الناسفة من قبل الانقلابيين في مناطق شرقي المدينة، بالإضافة إلى تضرر منزلين آخرين كلياً، وتسعة منازل تضررت جزئياً جراء القصف العشوائي، كما تم إحراق عشرة منازل في قرية الصراري في جبل صبر، جنوب تعز.
بدورها، شهدت مديرية القبيطة، الواقعة على الحدود بين محافظة تعز ولحج الجنوبية، والتابعة إدارياً لمحافظة لحج، وقرية الصراري، مواجهات مسلحة بين قوات الشرعية و"المقاومة الشعبية" من جهة وبين مليشيات الانقلاب من جهة أخرى، نزح بسببها السكان من مناطقهم.
ودفع ائتلاف الإغاثة بعد تلك المعارك، بقافلة معونات مكونة من 200 سلة غذائية، إلى مديرية القبيطة، وقافلة أخرى احتوت على 600 سلة غذائية من مركز الملك سلمان للإغاثة، فضلاً عن أدوية طبية من منظمة الصحة العالمية إلى قرية الصراري. كما شهدت مديرية حيفان، الواقعة جنوبي محافظة تعز، موجة نزوح واسعة، إبان الحرب التي شهدتها في الأسابيع الأخيرة.
وذكر الائتلاف أن "441 أسرة تعرضت للنزوح والتهجير الجماعي بالقوة من منازلها، منها 421 أسرة في مديرية حيفان، و142 أسرة نزحت فقط من عزلة الأعبوس في حيفان أيضاً. كما نزحت 11 أسرة من منطقة غراب، غربي تعز، وتسع أسر من الجحملية، شرق المدينة".
ولجأت الأسر المهجرة والنازحة من مديرية حيفان إلى القرى المجاورة في محيط حيفان وقرى مديرية الصلو ومدينة الراهدة ومنطقة الحوبان شرق وجنوب المحافظة. كما نزح عدد من الأسر إلى مدن إب والحديدة وذمار وصنعاء، بعضهم لم تسنح لهم الفرصة أخذ شيء من أمتعتهم الشخصية وممتلكاتهم وأثاث منازلهم، خوفاً من الموت الذي كان يلاحقهم.
وعن التعليم، أشار التقرير إلى تدشين عمليات اختبارات طلاب الشهادتين الأساسية والثانوية، مطلع الأسبوع الأول من أغسطس/ آب الحالي، في الوقت الذي تعرضت فيه عشرات المدراس في تعز، للتدمير الكلي أو الجزئي بالقذائف والصواريخ من قبل الانقلابيين. وشهدت جامعة تعز الحكومية إقبالاً ملحوظاً من قبل الطلاب وبدأت بعض الكليات باستئناف العملية التعليمية، والبعض دشنت امتحاناتها النهائية التي كانت معلقة منذ أكثر من عام ونصف.