[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
تقارير ووثائق

صالح الصماد... من مطلوب للدولة إلى رئيس لسلطة الانقلابيين

بات القيادي في جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، صالح علي الصماد، يصرح ويبعث البرقيات متخذاً دور رئيس الجمهورية اليمنية، باعتباره رئيساً لـ"المجلس السياسي" الذي أسسه شريكا الانقلاب، الحوثيون والرئيس السابق علي عبدالله صالح، لإدارة البلاد. وكغيره من القيادات الحوثية، كان اسم الصماد متداولاً في الغالب بنطاق محافظة صعدة، معقل الجماعة، وورد على قائمة المطلوبين أمنياً أثناء حروب الجماعة والحكومة اليمنية بين عامي 2004 و2010، ومنذ اجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء عام 2014 برز اسمه بأدوار وتصريحات مثيرة للجدل.

 

تسلّم الصماد، خلال حفل رسمي أقيم في صنعاء، يوم الإثنين الماضي، راية البلاد من محمد علي الحوثي، رئيس "اللجنة الثورية العليا" التي كانت تمثّل السلطة العليا المفروضة من الجماعة. وجرت عملية التسليم والتسلم، وفقاً للمراسم والبروتوكولات الرسمية الخاصة بنقل السلطة، وعقب الحفل، بدأ الصماد ممارسة مهام الرئيس بصورة تتعدى ما كان عليه حال سلفه محمد الحوثي، إذ ذكرت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للحوثيين "سبأ" أن الصماد بعث برقية تهنئة إلى رئيس جمهورية الكونغو برازافيل دنيس سانغيسو، بمناسبة احتفالات الكونغو بالعيد الوطني.

 

وجرت مراسم التسليم والتسلم بين قياديَين حوثيَين يمثّلان الانقلاب الذي دُشن باجتياح الجماعة للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، مع فارق أن محمد علي الحوثي نصّب نفسه رئيساً لسلطة الأمر الواقع من خلال ما سمي "الإعلان الدستوري" الصادر عن "اللجنة الثورية" في السادس من فبراير/شباط 2015، فيما وصل الصماد إلى السلطة بموجب اتفاق سياسي وُقّع بين الجماعة وحزب "المؤتمر" الذي يترأسه صالح. وحاول طرفا الانقلاب إخراج هذا الاتفاق السياسي دستورياً باستدعاء البرلمان (كانت اللجنة الثورية قد حلته)، وذلك ليمنح الثقة لـ"المجلس السياسي" الذي يترأسه الصماد. وألقى الأخير كلمة في البرلمان، تحدث فيها عن أولوياته، متخذاً دور الرئيس الذي سيتسلم السلطة، في حين تشهد البلاد حرباً هي الأوسع في تاريخها، وتطرُق القوات الموالية للشرعية أطراف العاصمة من الشرق.

 

يتحدر الصماد من منطقة بني معاذ، التي ولد فيها عام 1979، في محافظة صعدة، وهي معقل الحركة الحوثية، ويتحدر منها أغلب قادة الجماعة، وتشير بعض المصادر إلى أنه تخرج من جامعة صنعاء، وعمل مدرساً في إحدى مدارس صعدة، فيما تتحدث مصادر أخرى، عن أن الصماد كان عمله بيْع نبتة القات في المحافظة.

 

اعتباراً من أواخر عام 2005 وما يُعرف ب"الحرب الثالثة" بين الحكومة والحوثيين، برز اسم الصماد ضمن قيادات الجماعة بعد أن ساهم بفتح جبهة مواجهات ضد الحكومة في منطقة بني معاذ. ثم برز اسمه في لجان وساطة مع الحكومة وأطراف أخرى، كما ورد اسمه ضمن قائمة تضم 55 مطلوباً من الحوثيين أعلنتها وزارة الداخلية في عام 2009 أثناء "الحرب السادسة"، قبل أن يُعرف الصماد في السنوات الأخيرة كرئيس للمكتب السياسي لـ"أنصار الله"، خلفاً لسلفه صالح هبرة.
في 24 سبتمبر/أيلول (بعد ثلاثة أيام من اجتياح الحوثيين صنعاء)، أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، قراراً بتعيين صالح الصماد، مستشاراً لرئيس الجمهورية، لينضم إلى هيئته الاستشارية التي تتألف من ممثلين عن الأحزاب والقوى الفاعلة في البلاد. وفي يناير/كانون الثاني 2015 مع بدء الجماعة وحلفائها مرحلة جديدة من الانقلاب ضد هادي واقتحام الرئاسة، جرى تداول أنباء عن أن الحوثيين طلبوا من هادي إصدار قرار بتعيين الصماد نائباً له وقرارات أخرى، إلا أنه رفض إصدارها وقدّم استقالته في 22 يناير/كانون الثاني، قبل أن يتراجع عنها في 21 فبراير/شباط بعد تمكّنه من الإفلات من الإقامة الجبرية التي فرضها الحوثيون وحلفاؤهم عليه.
في الأول من مارس/آذار 2015، ترأس الصماد أول وفد رسمي من الحوثيين، توجّه بزيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، بعد أسابيع من إصدار الجماعة ما سمته "الإعلان الدستوري"، وما أعقب ذلك من مغادرة أغلب البعثات الدبلوماسية صنعاء ووقوع سلطة الجماعة تحت عزلة خارجية حاولت كسرها بالتوجه إلى إيران. وتم خلال زيارة الوفد، الإعلان عن التوقيع على اتفاقيات تتولى طهران من خلالها دعم سلطة الحوثيين، لكن هذه الاتفاقيات لم تجد طريقها إلى التطبيق، بقدر ما كانت خطوة ساهمت بمزيد من تأزيم الوضع مع الدول الخليجية ودفعت بالبلاد نحو الحرب والتدخّل العسكري بقيادة السعودية.
بعد انطلاق عمليات "عاصفة الحزم"، كان الصماد ضمن وفد من الجماعة انطلق من صنعاء إلى العاصمة العُمانية مسقط، وضم إليه المتحدث باسم الجماعة، محمد عبدالسلام. وعُقدت هناك لقاءات خلال شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران مع دبلوماسيين دوليين، إلا أنه في اللقاءات اللاحقة وجولات المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة في سويسرا وكذلك في الكويت، لم يشارك الصماد لأسباب غير واضحة، وعوضاً عن ذلك، دفع الحوثيون المتحدث باسمهم، محمد عبدالسلام، إلى رئاسة الوفد في مختلف اللقاءات، ومنها التفاهمات المباشرة التي حصلت بين الحوثيين والسعودية ابتداءً من مارس/آذار 2016.
منذ حو إلى عام كان أغلب الحضور الإعلامي للصماد عبر البيانات التي يصدرها والمنشورات على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، وتحمل في الغالب نبرة صريحة لا ينقصها التصعيد في بعض الحالات، تعكس التعقيدات والتحديات التي تواجهها الجهود السياسية، ومن ذلك إعلانه في 16 أغسطس/آب 2015، أن "الحرب الحقيقية" مع من وصفه ب"العدوان" لم تبدأ بعد، عقب فشل تفاهمات كانت تجري في مسقط.
وفي 28 يوليو/تموز الماضي، ظهر الصماد الذي تصفه بعض المصادر، بأنه يتمتع بعلاقة جيدة مع حزب صالح، ممثلاً عن الحوثيين في الاتفاق الأخير، والذي وقّعه عن حزب "المؤتمر"، صادق أمين أبوراس. ولم يكن الاتفاق خطوة عادية بل دشن مرحلة جديدة بالنسبة للجماعة، طوت صفحة "اللجنة الثورية العليا" التي كانت الجماعة تتفرد من خلالها بالحكم، ومعها انتهت صفحة "الإعلان الدستوري" الانقلابي، ودخل حزب صالح شريكاً رسمياً مع الجماعة في ما سُمي "المجلس السياسي"، قبل أن يُعلَن عن اختيار الصماد رئيساً للمجلس.
وبات صالح الصماد الرجل الأول في السلطة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، وفي العاصمة التي تقترب منها القوات الموالية للحكومة الشرعية، ولعل تطورات المرحلة المقبلة هي ما سيحدد مصير المجلس السياسي للانقلابيين، وما إذا كان الصماد سيمثّل دوراً مختلفاً عما كانت عليه "اللجنة الثورية" ورئيسها محمد علي الحوثي، ومن ذلك ما يلفت إليه بعضهم، من أن الصماد وأي قيادي في الجماعة، ينتظر توجيهاته من زعيم "أنصار الله"، عبدالملك الحوثي. وسيكون لظروف ومآلات الحرب، في الفترة المقبلة، دور كبير في تحديد مصير المجلس وإمكانية بقاء الوضع على ما هو عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى