الحرب في اليمن تشطر النظام التعليمي
تسارعت تداعيات التدهور المستمر للعملية التعليمية بعد مرور عام ونصف العام على الحرب في اليمن، في عموم محافظاتها. فقد عمل تقاسم سلطتي الحكومة الشرعية والقوى الانقلابية المسلحة لمنطقتين مختلفتين، جغرافياً، على التأثير بشكل خاص على العملية التعليمية الأساسية والثانوية. فاختلفت مواعيد بدء العام الدراسي، العام الماضي، في كل منطقة منهما، وعند الامتحانات النهائية، قامت وزارة التربية والتعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة باتخاذ قرارات مختلفة منها عما هو مرتبط بموعد امتحانات الثانوية العامة وسياسة احتساب الدرجات النهائية للطلاب.
بدأ الانشقاق في وزارة التربية والتعليم بعد تحرر بعض المحافظات من سيطرة الحوثيين وتنظيم "القاعدة"، على رأسها عدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت ومأرب والجوف، حيث أصدر رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، قراراً بتعيين عبدالله سالم لملس نائباً لوزير التربية والتعليم في يناير/كانون الثاني الماضي، ليكون المسؤول الأول عن إدارة العملية التعليمية في المحافظات التابعة للحكومة الشرعية، بعد أن رفض عبدالله الحامدي، نائب وزير التربية والتعليم في ديوان الوزارة في العاصمة صنعاء الانصياع لقرارات الحكومة، ليكون هو من يدير التعليم في المناطق الخاضعة لسيطرة الانقلابيين الحوثيين وحليفهم، الرئيس السابق صالح.
وأجبر الحوثيون مكاتب التربية والتعليم في المحافظات الخاضعة لسيطرتهم على عدم التجاوب مع توجيهات الوزارة القائمة في عدن، والتي خاطبتهم مرارا للتنسيق للامتحانات، وأبلغتهم بالقرارات الجديدة المتخذة، وعلى رأسها تغيير موعد امتحانات الشهادة العامة، وتغيير آلية تقدير درجات امتحانات الثانوية العامة، وتحويل الامتحان الوزاري للصف التاسع من المرحلة الأساسية إلى امتحانات محلية على مستوى كل محافظة.
وكان من أبرز آثار الانقسام السياسي عدم توفر التمويل اللازم لبعض فروع مكتب التعليم في المحافظات لتغطية نفقات التعليم والامتحانات، واستحواذ الوزارة في العاصمة صنعاء على كافة مقدرات الوزارة المتاحة والدعم الذي قدمته المنظمات الدولية للتعليم في اليمن.
في هذا السياق، أكد نائب وزير التربية والتعليم، الدكتور عبدالله لملس، أن المكاتب التعليمية في تلك المحافظات لم تستجب لنداءاتهم المتكررة بالالتزام بمقررات الوزارة الصادرة من عدن، باعتبارها تمثل الحكومة الشرعية من العاصمة السياسية المؤقتة.
وقال لملس، إن الوزارة في عدن لا تمتلك أية موارد مالية بعدما قام الحوثيون في صنعاء بمنع المخصصات المالية عن المحافظات المحررة، مشيراً إلى أن بعض المنظمات الدولية تدعم المنظومة التعليمية لليمن، لكن هذا الدعم لا يصل إلى المحافظات التابعة للشرعية. ويضيف: "لم ترسل لنا سلطات الأمر الواقع بصنعاء المخصصات المالية لتغطية تكاليف الامتحانات، واضطر محافظ محافظة عدن لتقديم مبلغ 38 مليون ريال يمني (136 ألف دولار) ساعدتنا على طباعة الامتحانات في مطابع سرية، ونجحنا في إنجاز الامتحانات، بالرغم من أن المبلغ لا يشكل 10 بالمائة من الاحتياج".
وأكد لملس أن القائمين على وزارة التربية والتعليم بصنعاء حصلوا على دعم مالي من مؤسسة "الشراكة العالمية من أجل التعليم" عبر منظمة اليونسيف، "لكنهم يرفضون تحويل حصة المحافظات المحررة حتى الآن وصرف هذه المخصصات".
يأتي تصريح لملس في حين أكدت منظمة اليونيسف، أنها دعمت وزارة التربية والتعليم لعقد امتحانات الشهادة الأساسية والثانوية، وحضر الامتحانات 48000 طالب في يونيو/حزيران الماضي و 586000 طالب في نهاية يوليو/تموز الماضي.
انعكاسات سلبية
وبسبب الانقسام السياسي، اختلفت المقررات وأسئلة الامتحانات وطريقة احتساب درجات امتحانات الشهادة الأساسية والثانوية، كما اختلفت مواعيد الاختبارات، ليكون ذلك سببا في جعل كثير من الطلاب يشعرون بالظلم وعدم المساواة، لا سيما طلاب الثانوية العامة. الطالبة، ابتسام الدبعي، ترى أنها خاضت الامتحانات في المناطق التي تسيطر عليها المليشيا في بيئة متوترة مع أصوات انفجارات الضربات الجوية في العديد من المدن، والتي تجددت مع بداية الامتحانات.
وكبقية الطلاب، أثرت تلك الانفجارات على نفسية ومن ثم أداء ابتسام، سواءً وهي تؤدي الامتحان في المراكز الاختبارية أو وهي تذاكر في منزلها. تقول: "تختبر قريبتي في عدن التي تتميز عن صنعاء بالهدوء لتساعد الطلاب على المذاكرة وعدم الخوف من القصف، رغم اشتداد درجة الحراراة فيها، وهذا ما يجعل فرصتها في الحصول على درجات مرتفعة أكبر".
ومن المخاوف التي تسيطر على ابتسام، عدم العدالة في احتساب المعدل التراكمي في الثانوية العامة. تضيف: "تختلف الاسئلة من محافظة إلى أخرى، ففي بعض المحافظات كانت الاسئلة سهلة للغاية، وفي محافظات أخرى صعبة، وهذا يشعر الطلاب بالظلم"، لافتة إلى أن عمليات الغش تنتشر بشكل أوسع في المحافظات التي تعيش الحروب، مثل صعدة، وتؤثر على مصداقية النتائج.
هذا ما يؤكده ولي الأمر، عبدالله الحبيشي، الذي يؤكد أن الطالب اليمني اليوم بات يشعر بالإحباط، نتيجة عدم الإنصاف بسبب ظروف سياسية لا علاقة له بها، "خاصة أنه يشعر أنها تؤثر بشكل مباشر على مستقبله التعليمي والمهني وعملت على تقليل خياراته الأكاديمية لتضيع جهوده السابقة خلال السنوات الماضية".
وأضاف الحبيشي أن "تفاوت مواعيد الامتحانات بين مناطق السلطتين ساعد على خلق حالة نفسية سيئة" أدت إلى إحباط ولده، الذي خاض امتحانات الثانوية العامة في صنعاء قبل أيام، مشيرا إلى أن ابنه محمد كان يأمل أن يساعده تقدم تواريخ امتحانات الثانوية العامة لابن خاله بمحافظة مأرب (شرق) في أدائه لامتحاناته عبر أخذ الأسئلة للاستفادة منها.
لم يدم الأمر كثيراً، حتى بدأت أعراض الاكتئاب والحزن على محمد، ليتراجع حماسه في المذاكرة والاستعداد لخوض بقية الامتحانات، بعد أن أدرك صعوبة امتحاناته مقارنة بامتحانات مأرب، لا سيما في امتحانات بعض المواد مثل اللغة العربية والقرآن الكريم والرياضيات.
وكانت وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة الشرعية قد سمحت لحضرموت، كبرى المحافظات اليمنية، بأداء امتحانات الثانوية العامة منفردة في شهر مايو/أيار الماضي، بسبب الظروف الصعبة التي مرت بها المحافظة، علماً بأن مدارسها بدأت العام الدراسي في وقت مبكر، فيما بدأت امتحانات الثانوية العامة في بقية المحافظات المحررة في 24 يوليو/تمّوز وفي 30 يوليو/تموز بدأت الامتحانات في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي.