الثروة اليمنية الضائعة: مضيق "باب المندب" خارج حسابات التنمية
يعتبر مضيق باب المندب موقعاً استراتيجياً ومهماً للعالم ولدول الخليج ومصر، فهو يقع بين جيبوتي واليمن ليصل بين البحر الأحمر وخليج عدن، لكنه بالنسبة لليمن مجرد ممر بلا فوائد اقتصادية ولا عائدات مالية، وتزيد تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية عبر المضيق احتمالات تدويله وفقدان اليمن أية منافع اقتصادية مستقبلية يمكن أن يقدمها.
الانتقال إلى واجهة الحدث
وانتقل مضيق باب المندب إلى واجهة الأحداث، بعد استهداف قوات تابعة لجماعة الحوثي الانقلابية في اليمن، الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، سفينة بحرية إماراتية قبالة الممر البحري الدولي الذي تمر عبره عشرات آلاف الناقلات سنوياً، تمثل أساس التبادل التجاري بين آسيا والعالم.
ورغم امتلاك اليمن أفضلية في السيطرة على باب المندب من خلال جزيرة ميون المطلة على المضيق، إلا أن اتفاقية دولية للبحار حرمته من فرض رسوم عبور على السفن في المضيق.
وأقرت الاتفاقية التي وضعتها الدول الكبرى ما يسمى نظام المرور البريء، ونصت عليه المادة السادسة عشرة من اتفاقية جنيف وتؤكد تطبيق المرور البريء في المضائق التي تصل بين منطقة من البحر العالي وبين البحر الإقليمي لدولة أجنبية.
والمرور البريء يقصد به المرور السريع من دون توقف أو رسو إلا في حالة القوة القاهرة، وفي هذه الحالة لا يكون للدول حق فرض رسوم عبور على السفن.
ويقول خبراء في القانون الدولي، أن القانون صنع خصيصاً لخدمة المصالح المتعلقة بالدول الكبرى التي لها ارتباط وثيق باستخدام المنافذ البحرية في الوطن العربي والعالم، من دون التأكيد على المصالح الوطنية للدول والشعوب في هذه الممرات.
وفيما ظل مضيق باب المندب محور اهتمام القوى الدولية، لم يجد أي اهتمام في أجندة الأنظمة التي ظلت تحكم اليمن بشطريها الجنوبي والشمالي وبعد أن أصبحت بلداً واحداً.
وخلال فترة حكم نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، لم يتم الاستفادة من باب المندب سوى في تهريب السلاح والمخدرات والوقود والمهاجرين الأفارقة.
ممر تجاري استراتيجي
ويعد مضيق باب المندب رابع أكبر الممرات من حيث عدد براميل النفط التي تمر به يومياً.
وقد مر من خلال المضيق حوالي 3.8 ملايين برميل نفط في اليوم عام 2013، أي حوالي 6.7% من مجمل تجارة النفط العالمية، كما تمر من المضيق سنوياً أكثر من 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع تمثل 7% من الملاحة العالمية.
وأكد الباحث بمركز سبأ للدراسات الاستراتيجية، محمد سيف حيدر، أن اليمن لم يستفد اقتصادياً من مضيق باب المندب لعدة أسباب منها، أن المضيق طبيعي ولا ينطبق عليه وضع قناة السويس مثلاً، ولهذا فإن المرور فيه بحسب القانون الدولي للبحار "بريء"، ومتاح لجميع الدول ولا يمكن فرض رسوم مرور على العبور فيه.
وقال حيدر: "من أسباب عدم الاستفادة من باب المندب، أن اليمن ظل ومازال دولة هشة وقد زادته الصراعات السياسية الداخلية والتدخلات الخارجية هشاشة وضعفاً، الأمر الذي جعل قدرته على استثمار موقعه الجغرافي الاستراتيجي المهم صعبة جداً وأمراً في عداد المستحيل تقريباً".
بالإضافة إلى أن معظم قيادات البلد ونخبه السياسية المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي، لمحدودية أفقها أو لانتهازيتها أو لقلة حيلتها، افتقدت لرؤية ومشروع واضحين إزاء إمكانية بناء دولة قوية وناهضة اقتصادياً في الداخل بمقدورها توظيف موقع اليمن الجغرافي بطريقة خلاقة ومثمرة على المدى المستقبلي المنظور.
وأوضح حيدر أن العولمة بقدر ما قدمت فرصاً وإمكانات (نظرياً على الأقل) لليمن ولغيرها من الدول ذات الموقع الاستراتيجي المهم، فإنها في ظل ضغطها للمكان والزمان وبفعل التطورات التكنولوجية المتلاحقة قيدت في الوقت نفسه قدرتها من تحويل موقعها هذا إلى رأسمال مستدام، ولا سيما مع ضعف القاعدة الاقتصادية والتنموية واستمرار حالة عدم الاستقرار والاضطراب داخلها.
مشاريع ضائعة
واعتبر حيدر أنه يمكن لليمن الاستفادة من مضيق باب المندب من خلال مشاريع ربط قاري عبر البحر جرى إجهاضها من قبيل مشروع مدينة النور والجسر بين اليمن وجيبوتي. وهذا مشروع مثلاً لو تم وخرج للنور ستكون عوائده هائلة للبلد ولاقتصاده.
وكانت شركة الشرق الأوسط للتنمية التابعة لمجموعة بن لادن السعودية أعلنت، منتصف 2008، عن مشروع طموح ببناء جسر معلق يربط بين قارتي أفريقيا وآسيا عبر البحر الأحمر.
وقالت الشركة، آنذاك، إنها ستؤسس صندوقاً بقيمة 10 مليارات دولار كتمويل أولي للمشروع، وفيما وافقت حكومة جيبوتي رفضت الحكومة اليمنية لأسباب تتعلق بالسيادة حسب مسؤولين يمنيين.
وكان المتوقع أن يربط الجسر المعلق جزيرة ميون اليمنية الواقعة على منفذ باب المندب جنوب البحر الأحمر بالشاطئ المقابل لها من جيبوتي وهي تعد أضيق مسافة بين البلدين ويبلغ طولها حوالي 14 كيلومتراً.
ويقول مروجِو المشروع إن جسر باب المندب سيعزز من اقتصاد المنطقة من خلال فتح طريق ثابتة برية وسكة حديد بين أفريقيا والشرق الأوسط.
وبعد سيطرة قوات الشرعية الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، أكتوبر/تشرين الأول 2015، عاد مشروع الجسر إلى الواجهة وقال خبراء إن الوقت مناسب والظروف مهيأة لإعادة تنفيذ المشروع.
يد اسرائيلية خفية
وأكد خبراء يمنيون أن الحرب المستمرة في البلاد منذ مارس/آذار 2015 عطلت حركة الاقتصاد بشكل كامل، وأنه في الوضع الطبيعي يمكن الاستفادة اقتصادياً من مضيق باب المندب من خلال تأهيل العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد) والمطلة على خليج عدن.
وأوضح الخبراء أنه يمكن تطوير مدينة عدن كمركز إقليمي لتزويد السفن المتجهة إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب بالتموين والوقود. وأشاروا إلى توفر البنية التحتية لتحويل عدن إلى مدينة اقتصادية مزدهرة، بوجود مصفاة للنفط وميناء لتموين السفن بالوقود فضلاً عن المنطقة الحرة عدن التي تمتلك مقومات تقديم خدمات التموين والترانزيت للسفن ووسائط النقل الأخرى.
وأوضح الباحث الاقتصادي، عمر غيلان، أن اليمن لا تستفيد من مضيق باب المندب كما تستفيد مصر من قناة السويس، لأسباب قانونية وجغرافية أيضاً.
وقال الخبير اليمني في القانون الدولي أمين اليوسفي، في دراسة منشورة، إن اليمن أغلق المضيق خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني عام 1973 أثناء حرب أكتوبر، في وجه السفن الحربية الإسرائيلية كنوع من الضغط على إسرائيل، مما دفع أميركا إلى تحريك أسطولها السابع حينها مقترباً من مضيق باب المندب كما وضعت إسرائيل وحدات عسكرية خاصة على جزر إريترية قريبة من باب المندب.
ويرى خبراء في القانون الدولي أن وضع الدول الكبرى نظام المرور البريء كان الغرض منه تدويل مضيق باب المندب ومحاولة السيطرة على الحرب العربية الإسرائيلية والنزاع حول مضيق تيران.
ولا يستبعد الخبراء أن إسرائيل وحلفاءها وبمكر خفي يحاولون تطبيق هذا النظام ليمكن إسرائيل من المرور في مضيق باب المندب واستخدامه في حروبها المستمرة مع العرب.