تقارير ووثائق

اليمن.. التأسيس المناطقي للقوات العسكرية جنوباً يهدد بأزمة جديدة

تتعدد أوجه الأزمة التي تواجهها المحافظات "المحررة" من الانقلابيين، في اليمن. وهذه المرة تبدو عدن أمام تحدٍ من نوع مختلف عن تنظيمي القاعدة و"الدولة الإسلامية" (داعش) وأزمات الخدمات، إذ تتصاعد التحذيرات من خطورة الفرز المناطقي داخل المناطق الجنوبية، على ضوء خارطة القوى العسكرية والأمنية التي نشأت في ظل الحرب والانفلات الأمني خلال العامين الماضيين، الأمر الذي يهدد بأزمة متصاعدة، مع بروز حساسيات واضحة داخل مراكز النفوذ جنوباً.

 
وأكدت مصادر محلية في مدينة عدن، أن أزمة الخلافات بين السلطة المحلية وشخصيات محسوبة على الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، عادت مجدداً إلى الواجهة، عقب رفض وزارة الداخلية، ممثلة بوزيرها اللواء حسين عرب، صرف رواتب أكثر من أربعة آلاف جندي من أفراد الأمن في المدينة. وأرجعا ذلك إلى أنه جرى تجنيدهم على أساس مناطقي، وينتمون إلى محافظة الضالع، والتي يتحدر منها محافظ عدن، اللواء عيدروس الزبيدي، ومدير الأمن، شلال علي شائع.

 

واتهم بيان منسوب لأفراد وضباط في شرطة عدن وزارة الداخلية ب"إلغاء وإسقاط مرتبات القوة الأمنية التي ترابط في النقاط والمراكز الأمنية والمنشآت الحكومية منذ عام ونصف العام". وذكر أن الوزير قام "باستقدام وترقيم أفراد مستجدين، وصرف لهم المرتبات على أساس أنهم القوة الأمنية، بينما عناصر القوة الأساسية التي ترابط في المراكز الأمنية منذ عام ونصف العام جرى إسقاطهم من قائمة المستحقات"، محذراً بأن ذلك "ينذر بكارثة أمنية مقبلة"، ما لم يتم التدارك، وأن منتسبي القوة الأمنية سيلجأون إلى التصعيد في الفترة المقبلة.

 
من جانبها، وفي تصريحات صحافية نقلتها صحيفة "عدن الغد" المحلية، بررت وزارة الداخلية الإجراء الذي اتخذته، بأن إدارة الأمن في المدينة تقدمت بكشف يتضمن ستة آلاف فرد من القوات الأمنية، لاستلام رواتبهم من الوزارة، إلا أنها اعتبرت الكشف مخالفاً، بسبب أن غالبية هؤلاء (الستة آلاف جندي) ينتمون إلى محافظة الضالع، والتي يتحدر منها مدير الأمن، فيما تقول الداخلية إنه جرى الاتفاق مسبقاً، العام الماضي، على أن يتم تجنيد 500 من أفراد المقاومة المنتمين إلى مختلف المحافظات الجنوبية في كل مديرية من مديريات عدن. وتعتبر الداخلية أن مخالفة ذلك تقصي أبناء المحافظات الأخرى من الانضمام إلى صفوف الأمن في عدن.

 

وتعد أزمة رواتب مجندي إدارة الأمن، أحدث حلقة في خلافات سابقة، برزت على خلفية لا تخلو من البعد المناطقي، إذ سبق وأن شهدت الأشهر الأخيرة أزمة بين المحافظ، المنتمي للضالع شمال عدن، عيدروس الزبيدي، وبين شخصيات محسوبة على هادي، ومنها وزير الداخلية، حسين عرب، المنتمي إلى محافظة أبين شرق عدن، كان أبرز أوجهها إقصاء مدير شركة النفط المقرب من المحافظ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الأمر الذي تزامن مع مغادرة الأخير إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي بزيارة غير معلنة استمرت لأيام.

 
وتقول مصادر محلية في عدن إن أزمة المجندين، والذين ينتمي غالبيتهم إلى محافظة الضالع، تعبر أساساً عن أخطاء ارتكبت، أثناء تأسيس القوات الأمنية والعسكرية في المحافظات الجنوبية لليمن، بعد تحريرها من مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم الموالين للرئيس السابق، علي عبدالله صالح. ففي الوقت الذي ينتمي جميع أفراد وضباط هذه القوات للمحافظات الجنوبية (لا يوجد فيها جنود من المحافظات الشمالية)، فإنها تعاني أيضاً من مناطقية في إطار الجنوب نفسه، إذ تم تأسيس القوات في كل محافظة بغالبية من أبنائها، سواء في الجيش أو الأمن، الأمر الذي يتحول إلى أزمة في عدن، باعتبارها مركزاً لجميع هذه المحافظات (لحج، الضالع، أبين، وشبوة بدرجة أساسية)، وامتداداً لقوى النفوذ فيها.

 

وكانت غالبية القوى الأمنية والعسكرية التي نشأت جنوباً عقب تحريرها من الانقلابيين خلال يوليو/تموز وأغسطس/آب 2015، قد تأسست بمعيار مناطقي واضح، وبإشراف ودعم من الإمارات، ومن ذلك جرى تأسيس قوات "النخبة الحضرمية"، من أبناء محافظة حضرموت، الواقعة شرق البلاد. وهذه القوات خالية تقريباً من المنتمين للمحافظات الشمالية، وجرى تأسيسها بجعل غالبية منتسبي كل قوة من محافظة بعينها، الأمر الذي بات يواجه انتقادات متصاعدة، من قيادات وشخصيات جنوبية، خصوصاً بعد التفجير الانتحاري الذي وقع قرب معسكر الصولبان في 11 الشهر الحالي، وكان غالبية ضحاياه من المنتمين إلى قبيلة باكازم في محافظة أبين.

 
من جانب آخر، تكتسب الخلافات على مراكز النفوذ في عدن بين جناحي الضالع، ممثلاً بالمحافظ ومدير الأمن، وجناح أبين، ممثلاً بوزير الداخلية وشخصيات أخرى، حساسية، باعتباره يعيد الأذهان إلى صراع العقود الماضية، والذي وصل ذروته بالحرب الأهلية في يناير/كانون الثاني 1986، حين دفع خلالها الجنوب الآلاف من الضحايا. وعلى الرغم من الحساسية التي يضفيها هذا البعد التاريخي، فإنه بات أقل فاعلية في ظل وعي مجتمعي ونخبوي في الجنوب، يقلل من إمكانية تطور الخلافات بناء على الفرز المناطقي مجدداً.

زر الذهاب إلى الأعلى