حي الجحملية.. نموذج التعايش في تعز أطلال بفعل الحرب
طال الدمار عددا كبيرا من منازل حي الجحملية شرقي مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، بفعل المعارك الطاحنة بين القوات الحكومية والمقاومة الشعبية من جهة، ومسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثي) والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، من جهة أخرى.
الجحملية، ومنذ مطلع عام 2015، كان معقلا لجماعة الحوثي التي اتخذ مسلحوها أغلب المنازل والمرافق الحكومية في الحي بمثابة ثكنات عسكرية، قبل أن يفخخوا قرابة 30% من الحي الذي حل الدمار ببقيته، بحسب فريق تحقيق حكومي.
حين رأى منزله الذي صوره ناشط صحفي، ونشره على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، حاول "إسماعيل إبراهيم" مغالبة دموعه، فقد تحول مسكنه إلى أطلال.
منذ شهور، يقيم "إسماعيل" مع أطفاله الثمانية عند أحد أقربائه في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها تحالف "الحوثي وصالح" منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وبات عليه الآن أن يبحث عن مسكن دائم بالإيجار.
"إسماعيل" قال: "غادرت منزلي (في الجحملية) وكل ما أملك مع أفراد أسرتي إلى قريتنا في الريف، وأقمنا هناك قرابة العام وأكثر، وحين تدهورت أوضاعنا عدنا إلى قريب آخر لنا في صنعاء، على أمل العودة إلى منزلنا في تعز".
غير أن أمله بُدد حين رأى صورة منزله كومة من الحجارة.
بينما يمسك بإحدى يديه طفلا له يبلغ من العمر 3 أعوام، تابع الرجل حديثه: "عدد من جيراني الذين انضموا إلى صفوف الحوثيين، هم من اقتحموا المنزل، مستغلين نزوحي وغيابي عن الحي في مطلع الأزمة.. هذا ما يؤلمني، جيراني وضعوا المتفجرات في منزلي".
بحزن، أضاف المواطن اليمني: "بعت ذهب زوجتي وكل ما أملك، من أجل بناء هذا المنزل، الذي كان في يوم من الأيام حلما لي ولأطفالي، واليوم يبدو أن كل أحلامنا تهدمت.. لكن العوض على الله".
العديد من محافظات اليمن تشهد معارك دموية مدمرة بين تحالف الحوثي وصالح، المتهم بتلقي دعما عسكريا إيرانيا، وبين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف به من المجتمع الدولي، والمدعوم عسكريا من تحالف عربي، بقيادة السعودية، منذ 26 مارس/ آذار 2015.
حي التعايش المشترك
رغم أن عددا من أحياء مدينة تعز المحاصرة من قبل مسلحي الحوثي وصالح لقي نصيبا من التدمير، إلا أن الدمار الذي لحق بحي الجحملية كان مضاعفا، إذ استخدم طرفا المعارك في الغالب أسلحة ثقيلة.
وحتى مع انسحابهم، خلف المسلحون الحوثيون وحلفاؤهم العشرات من الألغام المضادة للدروع والأفراد في المنازل، وهي بدورها دمرت عددا من منازل حي الجحملية.
ذلك الحي من تعز احتضن تنوعا ديموجرافيا، وعلى مدى تاريخ المدينة قدم صورا جميلة للتعايش، حيث سكنه يمنيون من مختلف الانتماءات السياسية والدينية، جاؤوا من كل مكان في البلد.
ومن المفارقة أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بين من سكنوا الجحملية، ومعه آخرون من قيادات اليمن، لما مثله هذا الحي الشرقي، طيلة تاريخ تعز، من مقصد للسكان القادمين من خارج المدينة.
تهجير قسري
مع سيطرتهم على تعز، اتخذ الحوثيون الذين يشكون تهميشا اقتصاديا وإقصاء سياسيا تنفيه الحكومة، حي الجحملية معقلا لهم، وبدأوا في عملية تهجير قسري للسكان المعارضين لهم، قبل أن يتخذوا من منازلهم مواقعا عسكرية.
"سليمان داوود"، وهو يمني ستيني قال للأناضول: "منزلي المكون من طابقين في حي قريش وسط الجحملية، كان مقرا لتجمع الحوثيين، بعد أن أجبرتني مضايقات مسلحي الحوثي وصالح على النزوح منه قبل عام وشهرين".
"دواود"، وهو خياط سابق، مضى قائلا: "كنت أخشى على منزلي من الغارات الجوية (لمقاتلات التحالف العربي على مواقع مسلحي الحوثي وصالح).. مع كل ضربة جوية في الحي، لا يهدأ لي بال حتى أجري اتصالاتي وأسأل: هل كانت على منزلي أم لا(؟).. تخيل أننا اغتربنا (للعمل) في السعودية سنوات، وعدنا من هناك بهذا المنزل، الذي يأوينا مع أطفالنا.. واليوم يذهب مع الريح".
ألغام خلف الأبواب
في حي الجحملية زرع مسلحو الحوثي وصالح ألغاما أرضية خلف أبواب الكثير من المنازل حتى تنفجر في من يدخلونها.
هذا كان مصير المصور الصحفي، أواب الزبيري، حين دخل مع مجموعة من مسلحي المقاومة الشعبية، إبان المعارك في الحي، منتصف نوفمبر/ تشرين ثان الماضي؛ لينفجر بهم المنزل، ويلقوا حتفهم على الفور.
"هلال محمد" وهو أحد العائدين إلى الحي بعد فترة نزوح، قال للأناضول إن "الشوارع والحارات التي كانت مليئة بالحياة، باتت توزع الموت على من يريدون العودة إلى الحي.. بين كل مترين تمشي بحذر؛ خوفا من انفجار لغم ينهي حياتك".
وبحزن ممزوج بغضب، تابع محمد مستنكرا: "لم نكن نتوقع أن الإجرام قد يصل إلى هذا الحد بأن يزرعوا الألغام خلف الأبواب.. أحد جيراني فتح الباب ليدخل منزله، قبل أسبوعين، فانفجر لغم أصابه هو ونجله بجروح".
تدمير 159 بناية
عن ما لحق بحي الجحملية في تعز، قالت المتحدثة باسم "فريق اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان" (حكومي)، إشراق المقطري، إن "159 بناية في الحي تعرضت للتدمير جراء الحرب".
"المقطري" وفي تصريحات للأناضول أضافت أن "الفريق زار الجحملية للتحقق من وقائع زرع الألغام، وتفاجأ بحجم الدمار الهائل الذي خلفته الحرب.. وثقنا تدمير ممتلكات خاصة وعامة على ما نسبته 70% من مساحة الحي، الذي لا تزال النسبة الباقية منه (30%) مزروعة بالألغام، ولم يسمح للفريق (الذي تترأسه) بدخول تلك المساحة".
عن انطباعها بشأن ما آل إليه الحي، أوضحت المقطري: "عوقب الجحملية، وتحول إلى أثر بعد عين، لاسيما بفعل القذائف والألغام، التي فجرت أغلب المؤسسات والمنازل.. زرت الحي للتحقق من وقائع الألغام، وحزنت لحجم الدمار، الذي حل، إذ أصبح الحي أحجارا مبعثرة على الطريق، ومساحة خالية من الحياة".
وبحسب المقطري، فإن "عدد المنازل الخاصة المدمرة بلغ 124 منزلا، هي 109 دُمرت بواسطة قذائف، و15 تم تفخيخها وتفجيرها، فيما بلغ عدد المحلات التجارية المدمرة 21، إضافة إلى تدمير أربع مدارس حكومية، وخمسة مساجد، وخمس مؤسسات إعلامية وأمنية وخدمية تتبع الحكومة، فضلا عن منشآت أخرى".
ومنذ بدء الحرب في تعز، أبريل/ نيسان 2015 وحتى نهاية نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، سقط ثلاثة آلاف و280 قتيلا، وجرح 15 ألف و82 آخرين، أغلبهم من المدنيين وعناصر القوات الحكومية، بحسب ائتلاف الإغاثة الإنسانية، وهو تجمع غير حكومي يضم أكثر من مائة مبادرة ومنظمة وجمعية خيرية.
فيما بلغ إجمالي الأسر التي تعرضت للنزوح والتهجير القسري من مناطق مختلفة من محافظة تعز، 177 ألف و574 أسرة، وبلغ إجمالي الأسر المتضررة من الحرب الدائرة 317 ألف و419 أسرة.
ويوما بعد آخر، تزداد الحرب دموية، حيث راح ضحيتها آلاف اليمنيين، معظمهم مدنيون، فضلا عن أوضاع إنسانية واقتصادية بالغة الصعوبة، أعلنت بسببها بعض المحافظات "مناطق منكوبة"، ضمن مشهد مأساوي لا تبدو نهاية له في الأفق؛ جراء انسداد أفق الحل السياسي وغياب الحسم العسكري.