اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير حديث لها، أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي حكم اليمن طويلاً إلى المشهد السياسي مع توقيع حزب المؤتمر الشعبي العام، وجماعة "أنصار الله" وحلفاؤهما اتفاقاً لتشكيل مجلىس سياسي أعلى لإدارة اليمن، الصيف الماضي.
ورأت الصحيفة، وفقاً لترجمة موقع "العربي"، بأن من أسمته "الرئيس السابق إبان أحداث الربيع العربي"، والذي يعد "واحداً من أكثر ساسة الشرق الأوسط دهاء، وحنكة، قد نهض، وعاد ليسطع نجمه من جديد"، وذلك باستناده إلى "الفرص" التي تمنحه إياها "فوضى الصراع" الدائر في البلاد، من جهة، و"قلة خبرة المتمرّدين"، من جهة أخرى، بعدما كان يوماً "حليفاً أساسياً في الحرب على الإرهاب" لكل من المملكة الرياض وواشنطن، قبل أن يتخلّوا عنه "لصالح الثوّار الشباب" الذين نجحوا في الإطاحة بحكم صالح في العام 2012.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه ينظر لـ"الرجل النحيل" على أنه "أحد أبرز العقبات لجهود الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى سلام في اليمن"، وأكبر المشكلات التي "تهدّد نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط"، إذ تشهد مساعي الأخيرة "لاحتواء فرع تنظيم القاعدة في اليمن تقلصّاً وتراجعاً دراماتيكياً".
وبالنسبة للرياض، تقول الصحيفة إن "صالح يقف حجر عثرة في طريق السعوديّة، التي ينخرط جيشها بحملة شرسة ضد المتمرّدين، المدعومين من جانب إيران"، وهي حرب "كلّفت السعوديين، المليارات من الدولارات"، في زمن "تقلّص عائدات النفط"، و"عدم تحقيق أي نتائج سياسية تذكر" من حرب اليمن. وعن الرئيس اليمني السابق، قال تقرير الصحيفة الذي جاء تحت عنوان: "بعد إطاحته إبان أحداث الربيع العربي: الدكتاتور السابق يعود"، إن صالح قد "اعتاد على إرباكات (المشهد اليمني)، وتأقلم مع الأزمات، والخوف".
وأضافت الصحيفة بأن الأخير يبرع في استغلال مثل هذه الظروف، كونه الرجل "الذي استطاع أن يحكم بقبضة من حديد، ولمدة 33 عاماً، بلداً يئّن تحت وقع الفساد المستشري والتهديدات الأمنية، من (حالة) التمرّد في شمال البلاد، إلى الحركة الانفصاليّة الجنوبيّة".
وبالعودة إلى الوراء، ذكّر التقرير الذي أعدّه سودارسان راغافان، بقيام صالح بتدشين "علاقات حذرة" مع الولايات المتحدة في الفترة التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وفق صيغة "مقايضة" تقضي بحصول صنعاء على "مساعدات عسكريّة واقتصاديّة"، لقاء "السماح للجيش الأمريكي، ولوكالة الاستخبارات المركزية، بتنفيذ ضربات ضد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب". أما اليوم، فما زالت صور "العرّاب" حاضرة في العاصمة اليمنية التي "مزقتها الحرب"، فيما لا تنفكّ القناة التابعة لحزبه تبث لقاءاته الصحفية، وخطاباته الرنّانة.
إلى ذلك، تتفاوت النظرة إلى دور "الدكتاتور الوحيد الذي لم يحدد مصيره بعد، من بين المستبدّين الذين تمت إزاحتهم من قبل الثوار العرب".لا يخف أحد حقيقة "النفوذ الملحوظ" الذي يحظى به صالح في أرجاء البلاد ومن منظور جيمي ماكغولدريك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، فإن جل ما يسعى إليه الرجل هو أن يبدو ك"صانع للملوك"، علماً أنه "نجح في معاودة الظهور كقوّة (أساسيّة)، سواء كنت من محبيه أم لا".
كذلك، لا يخف أحد حقيقة "النفوذ الملحوظ" الذي يحظى به صالح في أرجاء البلاد، و"الدور البنّاء الذي يمكن أن يلعبه" من أجل وضع حد للصراع اليمني، "إذا ما اختار ذلك"، وفق ما أدلى به مسؤول في الخارجيّة اليمنيّة. كما نقلت الصحيفة ما يقوله مقرّبون من صالح حول عدم نيته العودة إلى الحكم، ودعمته بتحليلات ترجّح أن يكون مسعى الرجل منصبّاً على أن "يتسلّم نجله الأكبر، أحمد علي صالح، مقاليد الحكم في البلاد يوماً ما".
وفيما جزم هشام شرف، الوزير السابق في نظام صالح، ل "واشنطن بوست"، بأن الرئيس السابق "يجيد (لعبة) البقاء"، لفت محققون أمميّون إلى أنه يريد أن "يبقى شخصية سياسية محوريّة في المنطقة، وأن يحمي أسرته، وأن يحافظ كذلك على إرثه وثروته المقدّرة بمليارات الدولارات التي جمعها خلال فترة حكمه".
كذلك، لفتت الصحيفة الأمريكية إلى قدرة صالح، الذي يبلغ من العمر 74 عاماً، على الصمود بشكل أكبر من معارضيه الذين أبعدوه عن الحكم، مثل كبار قادة حركة الاحتجاج في العام 2011، وبعض الشخصيات العسكرية القويّة، بخلفية قبلية وازنة، مثل اللواء علي محسن الأحمر، إلى جانب أحد أقوى الأحزاب الإسلاموية، والمقصود به "التجمّع اليمني للإصلاح"، وهي أطراف "تلاشت قواها جميعاً"، إذ نجح "الدكتاتور العائد" في تسجيل "ألمع خطواته" بدءاً بتمسكه في البقاء داخل اليمن، ومقاومته لـ"الضغوط الأمريكية والدولية لإجباره على مغادرة البلاد" بعد تسليم السلطة لنائبه في فبراير من العام 2012، وصولاً إلى حفاظه على "تماسك حزبه"، و"مشاركة شخصيات محسوبة عليه في الحكومة الجديدة"، على نحو يضمن له لعب دور من خلف الكواليس، كما ألمحت الصحيفة.
وعن علاقة الرئيسين هادي وصالح، ذكّرت "واشنطن بوست" بعمل الرئيس هادي فور تسلمه منصبه على تقليص نفوذ سلفه تدريجيّاً ب "إزاحة أفراد أسرة الأخير من المناصب العسكريّة والأمنية الرئيسية"، قبل أن يجد صالح "فرصة سانحة" لاستعادة هذا النفوذ فور اكتساب "الحوثيين" مناطق جديدة، وبخاصة العاصمة صنعاء، وإن ترافق "زواج المصلحة" هذا، مع "فراغ في السلطة" أسهم في "توسّع" نشاط الجماعات المتطرّفة مثل "القاعدة" و"داعش"، وزيادة حدّة الانقسامات السياسية، والمناطقيّة، والقبليّة.
أما عن "التحالف غير المتوقّع" بين صالح "العلماني" و"الحوثيين ذوي العقليّة الدينية"، فقد استرجعت الصحيفة تاريخ العلاقة المتوترة بين الطرفين، التي اشتملت على 6 حروب، وتبادل اتهامات، قبل أن يتحوّل هذا التحالف المستجدّ إلى "ضرورة للبقاء"، بحيث "يقف جنود يمنيون موالون لصالح، بمستوى تسليح وتدريب عال، جنباً إلى جنب مع المقاتلين الحوثيّين في الخطوط الأمامية"، في وقت نجح فيه الرئيس السابق، من خلال "أمواله وحضوره الوازن، بخطب ود قبائل قويّة، وحلفاء سياسيين، لحثّهم على قبول حكم الحوثيين"، علماً بأن زعيم المؤتمر الشعبي العام، المعروف بمهاراته في استخدام وسائط التواصل الاجتماعي بما يخدم أهدافه، "يجتمع بصورة دورية، ومنتظمة بقيادات الحوثيين، لتأمين نفوذ حزبه، من خلال مهاراته السياسيّة".
وعلى ضوء التصريحات التي أعلن فيها صالح أن تحالفه مع الجماعة يمتلك أسلحة تكفي لخوض حرب لمدة عشر سنوات أخرى، إذا لم تثمر محادثات السلام، وفي ظل نجاحه في حشد مناصرين الآلاف من مناصريه في الشوارع، أوضح المحلّل السياسي اليمني رياض الأحمدي للصحيفة أن صالح "يتمركز الآن في أقوى موقف له منذ تركه منصبه"، حتّى في ظل العقوبات الأمميّة المفروضة عليه. وتابعت الصحيفة بأن "التوترات بين صالح والحوثيين تبدو في تزايد مستمر"، وذلك على خلفية احتدام الصراع بين الجانبين على المناصب الوزاريّة، والذي وصل إلى حدّ إطلاق "الحوثيين" عدة تصريحات علنيّة أعربوا فيها عن استيائهم من صالح، وفق مسؤولين ومحللين غربيين.
وفيما نقلت الصحيفة عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية قوله إن "أهدافهما وطموحاتهما في حالة صراع وتناقض، على ما يبدو"، أوردت اعتراف عبد الملك العجري بوجود اختلافات "طبيعيّة" بينهما، دون أن يصل إلى حالة من "الصراع بيننا وبين المؤتمر الشعبي العام". وعن صالح، الذي لا يبيت في المكان نفسه، لأكثر من ليلة واحدة، أشارت الصحيفة إلى مخاوف المقربين منه على مصير اليمن، واحتمال ذهاب الأوضاع فيه إلى حالة من "الفوضى"، إذا ما رحل "عرّاب (البلاد).