خروقات أمنية في تعز: نموذج لتحدّيات المناطق المحررة
تتكرر الحوادث الأمنية وعمليات الاغتيال في تعز اليمنية، مع عدم قدرة الأجهزة على ضبط الأوضاع، في ظل انتشار السلاح بشكل كبير في الشارع، إضافة إلى الخلافات بين فصائل "المقاومة الشعبية".
آخر الخروقات الأمنية سُجلت مساء أمس الأول، الثلاثاء، مع إقدام مسلحين على تفجير مبنى جهاز الأمن السياسي (أحد فرعي الاستخبارات)، في مدينة تعز، وذلك على الرغم من وجود اتفاق رعته لجنة كلفها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، لإنهاء نزاع اندلع بين مجموعتين من "المقاومة الشعبية" في المدينة.
وفيما وُجّهت اتهامات بتفجير المقر لمسلحين من "كتائب أبو العباس"، وهو فصيل سلفي في "المقاومة"، نفت هذه "الكتائب" الاتهامات، واتهمت من وصفتهم ب"الرافضين للاتفاق" بالوقوف وراء التفجير، وقالت إنه "مفتعل ومدبر من قبل جماعات تعارض الاتفاق".
وكانت الخلافات تصاعدت بين "كتائب أبو العباس" وفصيل آخر يتبع قيادياً يُدعى غزوان المخلافي، وتطورت إلى اشتباكات وعمليات اختطاف متبادلة في الأيام الماضية.
وعقب تصاعد الخلافات، كلف هادي لجنة برئاسة الأمين العام لـ"التنظيم الوحدوي الناصري"، عبدالله نعمان، ليرعى، الثلاثاء، اتفاقاً للإفراج عن المختطفين وتكليف اللجنة الأمنية بالقبض على غزوان المخلافي، ورفع المظاهر المسلحة من شوارع المدينة وغيرها من بنود الاتفاق، الذي شهدت تعز عقب توقيعه، تفجيراً لمبنى الأمن السياسي.
وسبق ذلك اغتيال العديد من عناصر الجيش الوطني على يد مسلحين مجهولين، ليأتي تزايد عمليات الاغتيالات كأبرز التعقيدات التي تواجه إدارة أمن المحافظة وتمنعها من أداء واجبها لضبط الفوضى الأمنية التي تشهدها المدينة نتيجة انتشار السلاح بيد جماعات متعددة.
عمليات الاغتيالات المجهولة ليست العائق الوحيد الذي تواجهه شرطة المدينة، إذ إن هناك جماعات مسلحة تقوم بارتكاب جرائم أمنية بقوة السلاح، لكن إدارة أمن تعز عاجزة عن ضبطها.
ويعاني جهاز شرطة الأمن في محافظة تعز من انهيار كبير بسبب الحرب التي تسببت باختفاء الجهاز الأمني للمحافظة في ظل تزايد وانتشار الجماعات المسلحة التي زادت من حجم الانفلات الأمني مع ارتفاع أعداد الجرائم منذ بداية الحرب.
وتعرضت مدينة تعز لحرب عنيفة شنّها عليها تحالف الانقلابيين (الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح)، ما أدى إلى فقدانها الكثير من مقوّمات الأمن فيها، مع تدمير الانقلابيين لمبنى إدارة أمن محافظة تعز الواقع في المنطقة الشرقية من المدينة. كما أن الانقلابيين قاموا بسرقة السيارات الخاصة بالشرطة وقواعد البيانات والأرشيف بشكل كامل، ما زاد من صعوبة إعادة بناء هذه المؤسسة في ظل غياب البنية التحتية والهيكل الإداري ممثلاً بالقوى البشرية.
كما أن الحرب تسببت بإغلاق أقسام شرطة بالكامل والتي تُعد جهة الضبط الرئيسية، وتزامن ذلك مع إغلاق المحاكم والنيابات القضائية، ما ساهم في غياب الجهاز القضائي وزيادة الانفلات الأمني في ظل صعوبة ضبط فصائل "المقاومة" لسلاح أعضائها والمحسوبين عليها.
وتبقى فصائل "المقاومة" على تعدّد توجّهاتها، التحدي الأبرز للجانب الأمني في تعز، خصوصاً أن أعضاء هذه الفصائل أو بعض المحسوبين عليها يكونون طرفاً في الكثير من الحوادث الأمنية، ما يجعل الأجهزة الأمنية عاجزة عن القيام بدورها لأن قوة الفصائل تزيد بكثير عن القوة التي تمتلكها إدارة الأمن.
كذلك فإن بعض الفصائل المسلحة سيطرت على أقسام شرطة وفرضت تعيينات لأشخاص من أفرادها لإدارة هذه الأقسام، أو قامت بتشكيل لجان ضبط خاصة لتقوم بدور السلطات الأمنية، كما أن إدارة الأمن نفسها عيّنت مدراء لبعض الأقسام من غير أصحاب المؤهلات العلمية والعسكرية وبناء على محسوبيات، وهذا ما أنتج العديد من المشاكل، كتنازع الاختصاصات بين إدارة الأمن ولجان الفصائل المسلحة.
أمام هذه التحديات، برزت جهود هادفة لإعادة بناء الجهاز الأمني في تعز، خصوصاً بعد قيام المليشيات الانقلابية بقطع المرتبات عن الأمنيين الذين رفضوا العمل تحت سلطة الانقلاب، وعقب تحرير بعض المناطق وسط المدينة بدأت مجموعة من الضباط بتشكيل النواة الأولى لإدارة الأمن وفق الإمكانات المتاحة.
ونجحت هذه الجهود في إعادة فتح بعض أقسام الشرطة داخل المحافظة، وبحسب المعلومات التي حصلت "العربي الجديد" عليها من مكتب مدير عام إدارة أمن محافظة تعز، فإن أقسام الشرطة التي تعمل هي 14 قسماً في المدينة و4 في المديريات خارج المدينة. أما إدارة شرطة المديريات التي تعمل في المدينة فهي 3 إضافة إلى 7 في المديريات المحررة، فيما أقسام الشرطة المغلقة تماماً في المدينة هي قسمان، وهناك قسم شرطة واحد فقط يديره ضابط من منتسبي الشرطة، وقسمان من خارج المؤسسة الأمنية.
لكن معظم هذه الأقسام لا يوجد فيها العديد الكافي من العناصر الأمنية. وعلى الرغم من توالي الجهود لإعادة تشكيل إدارة الأمن، إلا أن العجز ظل حاضراً في ظل وجود 5 أطقم عسكرية فقط و140 فرداً هم قوام جهاز الشرطة في المحافظة اليمنية الأكبر لجهة عدد السكان. مع ذلك، تلقّت إدارة أمن محافظة تعز خلال النصف الثاني من العام 2016، بحسب بياناتها، أكثر من 712 قضية جنائية، وتمكّنت من ضبط 100 متهم في "الجرائم النمطية". فيما أشارت البيانات أيضاً إلى تفاقم معدل الجريمة، إذ تم تسجيل 40 حالة قتل، ضُبطت 20 حالة منها وهرب 4، فيما سُجلت 16 حالة ضد مجهول، وتم تسجيل 42 حالة شروع في قتل وغيرها.
ويقول محمد عبده الصبري، وهو من ضمن الذين جُنّدوا أخيراً في إدارة الأمن، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا تزال هناك الكثير من المشاكل التي تعيق عمل الشرطة، وفي مقدمتها أن المجندين لا يزالون بلا رواتب، أي أن العمل طوعي، وكذلك قلة العدد، ما يجعلنا عاجزين عن حفظ الأمن في ظل انتشار السلاح في الشارع". ويضيف: "لكي تقوم إدارة الأمن بدورها لا بد أولاً من دفع رواتب الأفراد ومضاعفة عددهم وزيادة تسليحهم، وكذلك تعزيز الآليات من سيارات شرطة وغيرها".
ومن التحديات الكبيرة استمرار النيابات والمحاكم القضائية بإغلاق أبوابها، ما يجعل إدارة الأمن عاجزة عن إرسال المتهمين إلى الجهات القضائية، في ظل وجود 300 سجين حالياً يقبعون في سجن إدارة الأمن. يضاف إلى ذلك عدم تفعيل أجهزة السلطة المحلية الإدارية والرقابية، ما فتح الباب أمام حصول عمليات ابتزاز من بعض الجماعات المسلحة، ما تسبّب بزعزعة الأمن والاستقرار وحدوث جرائم قتل ونهب طاولت المواطنين.
ويقول مسؤول الإعلام الأمني في إدارة أمن محافظة تعز، النقيب أسامة الشرعبي، لـ"العربي الجديد": "نحن نعمل من دون توقف بالتنسيق مع قيادة الجيش لمواجهة التداعيات الأمنية الطارئة بالإمكانات المتاحة"، مشيراً إلى أن "أبرز التحديات التي تواجه الجهاز الأمني تتمثل بانتشار السلاح عشوائياً وحصول اغتيالات في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يتطلب التنسيق والعمل المشترك مع الجيش الوطني لتأمين العمق المحرر واتخاذ الإجراءات اللازمة بأسرع وقت وفق خطة معدة لذلك".
ويلفت كذلك إلى "غياب الإمكانات اللازمة للمهام الأمنية لدى الشرطة مما تسبب في ضعف الأداء الأمني والقصور في مواجهة بعض الاختلالات الأمنية".
من جهتها، تشير أستاذة علم الاجتماع في جامعة تعز ألفت الدبعى، إلى "أهمية دور المجتمع في صناعة الأمن والاستقرار انطلاقاً من المفهوم الأوسع للعملية الأمنية والتي لم تعد تتركز على عملية مكافحة الجريمة بل تتعدى ذلك إلى عملية الوقاية منها، ومن هنا تأتي أهمية هذا الدور التكاملي بين كافة أعضاء المجتمع والأجهزة الأمنية"، لافتة إلى أن "نجاح مثل هذا الدور في اليمن وتعز خصوصاً، يتطلب حسم مسألة الانقسام السياسي الذي تنعكس آثاره على كل مؤسسات الدولة الأمنية وبقية المؤسسات، ويجعل من الدور المجتمعي ضعيفاً جداً".