تقارير ووثائق

فقراء اليمن لا يتحمّلون الحرب

يتزايد قلق اليمنيين من الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية الأساسية نتيجة انهيار الريال اليمني بشكل حاد أمام العملات الأجنبية، وتتوقّع منظمات أممية نفاد مخزون الغذاء، نهاية شهر مارس/ آذار المقبل. وهو ما دفعها إلى تقليص حصصها الغذائية اليومية لمواجهة الأزمة.

يقف مواطنون كثر في طوابير أمام بعض مؤسسات بيع المواد الغذائية بالجملة، بهدف شراء سلع ضرورية مثل الأرزّ والقمح والسكر والزيت. في هذا الإطار، يوضح المواطن، عبدالهادي السماوي، أنّ ارتفاع الأسعار يجعله غير قادر على شراء جزء كبير من المواد الغذائية بالجملة كما كان يفعل في السابق، بل يضطر إلى شرائها يومياً بكميات قليلة جداً. يقول السماوي: "كان وضعي المالي في السابق شبه مستقر، وكنت اشتري زيت الطبخ بالصفيحة على سبيل المثال، لكنّي اليوم لا أستطيع توفيره، وإذا اشتريته فإنّ ذلك بكميات قليلة تكفي لإعداد وجبات معدودة". يضيف أنّ الأمر ينطبق أيضاً على طريقة توفير مواطنين كثر الدقيق، فهم اليوم يشترونه بالكيلو، بعدما كانوا يبتاعونه بأكياس سعتها 25 كيلوغراماً أو 50.

ويتابع: "عمري اليوم أكثر من 50 عاماً، وقد عشت أزمات عدة، لكن لم يحدث أن عشت مثل هذه الظروف الصعبة". ويبدي السماوي مخاوفه من تداعيات استمرار هذا الوضع، مطالباً القوى السياسية بإيجاد حلّ ووقف الحرب إنقاذاً للفقراء بحسب قوله، "فالمواطن الضعيف والفقير لا يستطيع تحمّل تبعات الحرب كالسياسيين الأغنياء".

لا يختلف وضع محمد أبو حسين عن السماوي، فهو لم يعد يحتمل ما يصفه بكارثتَي "انقطاع الرواتب وارتفاع أسعار المواد الغذائية". يقول: "ضغط معيشي هائل وغير محتمل تتعرّض له أسرتي وأنا في ظل مسلسل لا ينتهي من الكوارث، خصوصاً مع انقطاع الراتب، منذ أشهر طويلة، وارتفاع الأسعار وتعدد الأولويات وازدياد الديون". يشير إلى أنّ ارتفاع سعر العملة الصعبة ‏بمقدار كبير قبل أيام قليلة ضاعف كل تلك الكوارث مرة واحدة، "وبذلك، ارتفعت أسعار الغذاء ولم تنخفض، على الرغم من جهود السلطات وسعيها إلى تخفيض قيمة العملة الصعبة".

ولمواجهة الوضع المعيشي الصعب، يؤكد أبو حسين أنّه لم يعد أمامه سوى التزام أشد أنواع الاقتصاد الصارم. ويقول: "الآن، ‏لم يعد أمامنا سوى تخفيض عدد الوجبات الغذائية من وجبتَين إلى وجبة واحدة في اليوم وهي الغداء. أحياناً أرسل أطفالي للانتظار ‏ساعة في جوار منزل أحد المسؤولين العسكريين في حيّنا، لطلب ثماني قطع خبز نغمسها في الشاي. وفي المساء، ننام باكراً ‏قبل أن يداهم أطفالي ألم الجوع، وأحياناً يعطينا الجيران بقايا خبزهم للعشاء".‏

إلى ذلك، تكتظ المساجد وتقاطعات الشوارع العامة بالمتسولين، في مشاهد غير مسبوقة في العاصمة صنعاء بحسب الناشط الإغاثي عبد الإله محمد. يقول: إنّ ارتفاع الأسعار نتيجة طبيعية للركود الاقتصادي الذي يرافق الحرب، والوضع مرشّح لتأزم أكبر مع كلّ مرحلة مقبلة، إن لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل سريع. يشير إلى أنّ "أهم التغييرات السلوكية لدى المواطنين محاولة التكيّف مع هذه التطورات بسلوك ضار مثل تقليص استهلاك الغذاء إمّا بتخفيض عدد ‏الوجبات اليومية أو بتقليل كميات الغذاء المستهلكة أو كلاهما".

ويوضح محمد، أنّ "هذا السلوك يقلل من كميات العناصر الغذائية المفيدة للجسم، ويزيد من احتمال انتشار المجاعة التي بدأت ‏في الظهور، العام الماضي، خصوصاً في مناطق الحرب في الساحل الغربي". يضيف: "كذلك، قفزت مستويات سوء التغذية لدى الأطفال ‏والأمهات الحوامل والمرضعات". ويطالب محمد أطراف النزاع بالإسراع في إيجاد حل يضمن وقف الحرب ووصول المساعدات وتسليم رواتب الموظفين الحكوميين.

زر الذهاب إلى الأعلى