يمنيون يهرّبون عبر الحدود
لا يجد يمنيّون خياراً غير التسلّل إلى الأراضي السعوديّة، والسعي إلى إيجاد فرص عمل أو تهريب سلع، منها القات والحشيش. ورغم اشتداد المعارك على الحدود منذ نحو عامين، ما زال آلاف الفقراء اليمنيّين والمهاجرين الأفارقة يخاطرون بحياتهم للعبور إلى الأراضي السعودية، عسى أن يكون هناك فرص أفضل.
ويتولّى البعض تهريب مدنيّين من محافظتي صعدة وحجّة الحدوديّتين. ويقول المواطن محمد عبد الله، وهو من سكان المناطق الحدوديّة في صعدة، إنّه "بسبب الحرب، خسرنا أعمالنا. شجّعني والدي على التسلّل إلى مدينة نجران السعوديّة للعمل مع أحد الأقارب، إلّا أنّ مهرّبين طلبوا منّي نحو 2300 ريال سعودي (نحو 600 دولار أميركي). بعض الأشخاص من مديريّتي نجحوا في رحلتهم، على عكسي أنا ومجموعتي، وكدنا أن نقع في قبضة حرس الحدود السعودي ومواطنين يتطوعون لتتبّع المتسلّلين. وقلة من مجموعتي عاودوا التسلّل مرّة أخرى".
يعمل باسم أبو أحمد الحجوري مهرّباً على طول الحدود السعوديّة اليمنيّة (1500 كم)، ويساهم في إنجاح الكثير من محاولات التسلّل إلى منطقة جازان الحدودية. يقول إنّه منذ نحو عشر سنوات، يعمل ضمن مجموعة على تهريب يمنيّين وأفارقة عبر الحدود، في مقابل بدل مادي يتفاوت بحسب المفاوضات والوضع المالي للأشخاص الراغبين في الوصول إلى السعوديّة. وفي الوقت الحالي، يقدّر أكبر مبلغ يحصل عليه بنحو أربعة آلاف ريال سعودي (نحو ألف دولار أميركي)، علماً أنّ البدل المادي كان قد ارتفع كثيراً خلال العامين الماضيين بسبب زيادة المخاطر على المهرّبين.
ويقول الحجوري إنّ مهمّته تنحصر في توجيه المتسلّلين حتّى تسليمهم إلى عربة تنتظرهم لإيصالهم إلى مناطق سعوديّة. ويوضح أنّ التهريب انخفض بسبب كثافة الرقابة والحشد العسكري على الحدود في الآونة الأخيرة، لافتاً إلى أنّ قوّات الحدود السعوديّة تستطيع غالباً التمييز بيننا وبين المقاتلين بسبب استخدامهم مناظير، ولأنّنا لا نحمل أسلحة.
ويشمل التهريب مختلف الفئات العمريّة، في ظلّ الفقر الشديد، ليعيش الأطفال ظروفاً قاسية. ويتولّى معظم هؤلاء الأطفال تهريب نبتة القات، والتي تعدّ أحد أنواع المخدّرات في السعودية. وتعمد عصابات تهريب القات إلى ربطها بأجساد أطفال يعيشون في قرى مجاورة للحدود (تتراوح أعمارهم ما بين 8 و13 عاماً)، وقيادتهم لإتمام المهمّة داخل الأراضي السعودية، ليواجهوا مخاطر كثيرة قد تودي بحياتهم. تجدر الإشارة إلى أنّ الأطفال يعبرون الحدود من خلال طرقات أصبحت معروفة لهم، للقاء الأشخاص الذين يتسلّمون الكميّة المهربة منهم، قبل أن يعودوا إلى مناطقهم.
خلال السنوات الماضية، لطالما كانت مسألة تسلّل مواطنين يمنيّين عبر الحدود السعوديّة قضية اجتماعيّة وسياسيّة وأمنيّة بالنسبة لليمنيين الباحثين عن مصادر عمل في السعودية، في وقت عدّت قضيّة أمنيّة بالنسبة للسعوديّة. وفي عام 2003، بدأت السلطات السعوديّة بناء سياج كان يفترض أن يصل ارتفاعه إلى ثلاثة أمتار، وهو ومزود بأنظمة رصد إلكترونية. إلّا أنّ بناء السياج توقّف بعدما وصل طوله إلى 75 كم، على خلفية نزاع سياسي مع الحكومة اليمنية، لتستأنف السعوديّة بناءه في عام 2013. رغم كلّ ذلك، لم تتوقّف عمليّات تسلّل اليمنيين والمهاجرين الأفارقة إلى السعودية، ولم تصدر السلطات السعودية أية إحصائيّات حول إجمالي عدد المتسللين اليمنيّين الذين اعتقلتهم السلطات على الحدود.
إلى ذلك، لا تعدّ ظاهرة تهريب الأطفال من اليمن إلى السعودية، خصوصاً من مديريّات تابعة لمحافظتي حجة والمحويت (غرب)، جديدة، إذ بدأت بعد حرب الخليج الأولى، وقد رحل عدد كبير من المهاجرين اليمنيّين من السعودية ودول الخليج، وشدّدت إجراءات حصولهم على رخص عمل في دول المنطقة.
وكانت دراسة أعدّتها منظّمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، بالاشتراك مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة اليمنيّة، قد أكدّت أن أسباب ظاهرة تهريب الأطفال على طول الحدود اليمنيّة السعوديّة اقتصاديّة بالدرجة الأولى. وأشارت إلى أنّ أولئك الذين يعملون في التهريب، يفضّلون اختيار أطفال قد يوافقون على العمل كمتسوّلين. كذلك، يستعينون بهم لتهريب البضائع عبر الحدود، أو بهدف تشجيع أطفال آخرين على العمل معهم. وتوضح أنّ غالبيّة الأطفال والأهل لا يعلمون أي شيء حول الأخطار المحدقة للوصول إلى الأراضي السعوديّة، وكثيراً ما يتعرضون للضرب والنهب، ويعانون بسبب الجوع.