تقارير ووثائق

في عدن.. من لم يمت بالحرب مات برصاص الأفراح

لم يكن حسن ذو الأربعة أعوام يعلم وهو يركض مع شقيقه التوأم حسين أنها اللحظة الأخيرة قبل أن يسقط ضحية الرصاص "الراجع" في عدن، ليلحق بوالده الذي غيبته الحرب قبل أقل من عامين.

وكان التوأمان "حسين وحسن" يلعبان في فناء منزلهما الكائن ببلدة دار سعد شمال عدن، عندما وجدت والدتهما الثاني مضرجا بدمائه ليلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى.

وحصد رصاص الأعراس الراجع من السماء في عدن أرواح العديد من المواطنين بمختلف أعمارهم من الجنسين، في مشهد أجبر البعض على التعليق بأسلوب ساخر "في عدن وحدها من نجا من رصاص المتمردين لم ينجُ من الرصاص الراجع".

وقالت أم الطفلين سميرة قائد إن رصاصة راجعة من السماء مجهولة المصدر سقطت في ساحة المنزل، أصابت بشكل مباشر رأس طفلها.

ظاهرة مجتمعية
وأضافت أم حسن "لم نجد من يساعدنا في الوصول إلى الجناة ومصدر تلك الرصاصة الراجعة، وقد تقطعت بنا سبل العيش منذ رحيل والد الطفلين الذي قضى بعد إصابته بشظايا قذيفة في الحرب".

وتنعم مدينة عدن باستقرار أمني منذ تحريرها من قبضة الحوثيين قبل نحو عامين، لكن إطلاق النار في المناسبات والأعراس أصبح ظاهرة مجتمعية تحصد أرواح الأبرياء وتشكل مصدر قلق للمواطنين.

وكان آخر ضحايا تلك الظاهرة أستاذ تربوي يدعى يونس حسن إبراهيم أمام منزله بمديرية الشيخ عثمان برصاص راجع من السماء، وقبله بأيام تحول موكب زفاف في المدينة إلى مأتم عزاء بعد مقتل والد العريس في إطلاق نار عشوائي.

ومع غياب الإحصاءات الدقيقة لعدد ضحايا هذه الظاهرة التي سجلت تزايدا ملحوظا في الآونة الأخيرة، سجلت تقارير سابقة لمكتب الصحة بعدن أكثر من 82 حالة إصابة ووفاة، بينهم 14 طفلا وخمس نساء خلال الفترة من يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب من العام الماضي.

وبحسب التقرير نفسه، فإن هذا الرقم لا يشكل غير 20% من إجمالي الرقم الحقيقي للضحايا خلال تلك الفترة فقط، في إشارة إلى حالات أخرى وقعت ولم يبلغ عنها رسميا.

أسباب الظاهرة
وفي حين تؤكد سلطات عدن أنها بصدد إطلاق حملة أمنية لمنع إطلاق النار في الأعراس والمناسبات، يعزو مراقبون أسباب هذه الظاهرة إلى عمليات نهب الأسلحة النارية التي ترافقت مع الحرب.

وقال رئيس تحرير موقع "عدن العاصمة" منصور صالح إن هذا السلاح يستخدم اليوم بطريقة غير مسؤولة وفوضوية في ظل هشاشة الأجهزة الأمنية التي تواجه تحديات تتجاوز مسألة ضبط إطلاق النار العشوائي خاصة في الأعراس.

وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن تلك الفترة شهدت أيضا عمليات زحف وهجرة من الأرياف إلى عدن، نقلت معها ثقافة الاحتفالات بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء وهي ثقافة طارئة ودخيلة على المدينة.

وأضاف أن "هناك العديد من السلوكيات غير المنضبطة التي أصبحت تشكل تهديدا لأمن المدينة وساكنيها ومدنيتها التي عرفت بها، ومرد ذلك كله أن عدن تعرضت لحملة منظمة وممنهجة استهدفت تدمير العديد من قيم وثقافة المدينة خلال فترة حكم نظام  الرئيس السابقعلي عبد الله صالح.

بدوره، أكد الناطق الرسمي باسم إدارة أمن عدن عبد الرحمن النقيب أن سلطات الأمن بصدد اتخاذ إجراءات أمنية مشددة خلال الأيام القليلة القادمة بحق مطلقي النار في الأفراح والمناسبات لمنع استفحال هذه الظاهرة.

وأشار إلى أن العمل يجري حاليا على تشكيل قوة أمنية خاصة تتبع إدارة عمليات أمن المحافظة لتكون مهمتها العمل على تفعيل هذه الإجراءات وضبط المخالفين".

وعزا تأخر اتخاذ مثل هذه الإجراءات إلى كون المؤسسة الأمنية ما زالت في طور البناء والتجهيز بعد أن دمرت كليا خلال الحرب التي شهدتها المدينة فضلا عن انشغالها بتنفيذ مهام أخرى "تتعلق بتجفيف منابع الإرهاب ومطاردة العناصر الإرهابية".

Back to top button