محافظة المهرة.. النموذج الناجح
لعل الكثير من المراقبين في الداخل أو الخارج ينظر للمهرة بنظرة عفى عنها الزمان وصارت من الماضي الذي لا بد أن يتغير وأن يعلم الجميع أن محافظة المهرة اليوم ليست كالأمس.
فبالنظر إلى تاريخ المهرة المعاصر نجد أن النظرة السائدة لدى الأغلبية أن محاظة المهرة ليس فيها من الكفاءات والطاقات القادرة على إدارة المحافظة بالشكل المطلوب واخذ زمام المبادرة للنهوض بالمحافظة والسير بها إلى بر الامان.
لن أتحدث هنا عن الفترات السابقة والتي كانت فعلا المهرة لازالت تلك المحافظة البكر التي لايزال أغلب أبناءها يفتقر إلى التعليم والمؤهلات التي تجعل من الاخرين من الصعب أن يقتنعوا أن المهرة صاروا قاددرين على إدارة محافظتهم بنفسهم دون الاعتماد على الاخرين. لذا عمدت الحكومات السابقة على تعيين الكثير من أبناء المحافظات الاخرى في مناصب قيادية وادارية وحتى وظائف خدمية في المحافظة بحجة أن أبناء المحافظة غير مؤهلين. ولعل في هذا التوجه شئ من التجاهل والاستغلال من خلال تعيين من هم من خارج المحافظة في الكثير من المؤسسات الحكومية.
لقد أثبت المهرة بأنهم قادرون على إدارة شئونهم وقيادة محافظتهم وليس بحاجة إلى تعيينات مركزية لتجلب لهم من ليسوا بأبنائها ليتقلدوا بعض المناصب أو ليحصلوا على وظايف حكومية بتلكم الحجة الباطلة. إن أبناء المهرة اليوم صاروا أكثر وعيا وقدرة على تحمل المسؤولية و العمل على تسيير أمورهم بالشكل المطلوب وقد أثببت التجارب والأيام ذلك وكان جلياً للعيان حجم النجاح الذي تحقق على يد أبناء المحافظة حين مكنوا من مفاصل السلطة لانهم بشتى مشاربهم يكنون الحب والولاء والانتماء لهذه المحافظة الغالية علينا جميعا.
منذ أن تم اقرار قانون السلطة المحلية و اعطاء بعضاً من الحكم المحلي للمحافظات وإن كان لم يطبق الا في نطاق ضيق كان فرصة لأبناء المحافظة أن يثبتوا جدارتهم وقدرتهم على العمل على تحقيق التنمية والامن والاستقرار للمحافظة وتوفير الخدمات ولو بمستوياتها المتدنية.
لقد أثبتت الأيام والظروف الصعبة والأزمة التي مرت بها البلاد إبتداءً بالأزمة السياسة منذ العامم 2008 إلى إندلاع ثورة الشباب السلمية في 2011 وكانت هذه الفترة محكا حقيقاً لكل المحافظات لإثبات قدرة أبنائها على إدارة شئونها والحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين.
لقد برهنت السلطة المحلية لكل مشكك نجاحها في هذه الفترة العصيبة التي مرت بها البلاد والتي شهدت أحداث وتغيرات تطورت إلى أزمة خانقة تفاقمت إلى حرب هوجاء أكلت الأخضر واليابس تسببت بها ميليشيا مسلحة تحمل مشروعاً شعاره الموت وسهل لهم ذلك لينتقم من كل من كان سبباً في إنتزاعه من كرسي الحكم حتى لو كان إنتقامه ضد الشعب كله فهو لا يكترث. فقد أدت هذه الظروف إلى انقطاع الخدمات الاساسية في الكثير من المحافظات واستولت على بعض المحافظات الجماعات الارهابية وصارت بعض المحافظات لا تتوفر فيها سبل الحياة مما أضطر الكثير إلى الهجرة سواء الداخلية أو الخارجية.
وعلى العكس فقد كنا في المحافظة ننعم بالأمن والأمان وتتوفر لدينا الخدمات الاساسية كالكهرباء والماء ولو بحدها الأدنى على الرغم من قلة الامكانيات وشحة الموارد.
لقد قام من كان على رأس السلطة انذاك فقيد الوطن علي محمد خودم محافظ المهرة سابقا رحمه الله بكل جهد ممكن للحفاظ على الأمن والاستقرار ومحاولة تمكين أبناء المحافظة من العديد من المناصب وكذلك اتخاذ قراراً شجاعاً ومهم من قبل السلطة انذاك بإعطاء الأولية لأبناء المحافظة في التوظيف مما مكن الكثير من أبناء المحافظة من الحصول على وظايف كانت ستذهب لأبناء المحافظات الاخرى لولا هذا القرار الشجاع.
بعد رحيل الفقيد تم تعيين الأستاذ محمد علي ياسر ليقود دفة المحافظة وقد كان بحق على قدر المسؤولية وأثبت للجميع أن أبناء المهرة فيهم من القيادات والخبرات من هم قادرون على تقلد مناصب عليا في الدولة والتي إلى الآن نراها حكرا على الاخرين ولم يكن للمهرة نصيب منها ليس لقصور فيهم ولكن لاعتبارات أخرى كالتهميش والإقصاء. إن المرحلة التي قاد فيها بن ياسر المحافظة كانت من أصعب المراحل حيث إنقطع الدعم المركزي بعد سقوط الدولة بيد الانقلابيين وإندلاع الحرب فقد كانت الكهرباء وتوفير المواد البترولية أكبر مشكلة واجهة السلطة انذاك. فاتخذت السلطة قرارا حكيما ينم عن دراية وقدرة على إدارة الأزمات وهو بتشكيل لجنة المشتقات النفطية التي لعبت دورا بارزا قد لا يعلمه الكثير. وفرت اللجنة مادة الديزل لمحطات الكهرباء في المحافظة وقامت بدفع أجور الشركة وأستطاعت توفير المواد البترولية في المحافظة للمواطنين ليعيش المواطن امن مستقر على الرغم من أن هذه الخدمات معدومة في العديد من المحافظات.
ناهيك عن حجم الارادات الضخمة التي حققتها اللجنة لخزينة المحافظة والتي ساعدت المحافظة على الاعتماد على نفسها في إدارة شئونها وهو نموذجاً واضحا وصريحاً لكل مشكك بأن المهرة قادرون على إدارة شئونهم الداخلية ولم يعودوا بحاجة إلى الاخرين.
بعد ذلك تم تعيين الشيخ محمد عبدالله كده محافظا خلفاً لبن ياسر وقد كان خير خلف لخير سلف وكعادة أبناء المهرة دائماً قام بإستكمال مسيرة النجاح ومن أبرز ماقام به توظيف المئات من أبناء المحافظة الخريحين وحاملي الشهادات وباعداد تفوق عدد المتوظفين خلال سنوات سابقة كانت تقسم فيها الوظائف قسمة ضيزى ولا تنال المحافظة الا الفتات منها. ولكن بن كده إستطاع أن يتخذ قرارات شجاعة من خلال التعاقد مع هذه الأعداد الغير بسيطة من أبناء المحافظة. كما قام بتمكين العديد من الشباب في بعض المرافق الحيوية وانشاء صندوق التنمية البشرية الذي لعب دورا في دعم الطلاب الدارسين وكذلك تأهيل الكوادر وتدريب العاملين في المجال الحكومي والأهلي على العديد من المهارات الادارية والقيادية.
إن الغرض مماذكرت ليس تلميعا لهؤلاء الأشخاص بقدر ماهو ذكرا لحقيقة واحدة جلية وهي قدرة أبناء المهرة على إدارة شئونهم وضربهم نموذجا مشرقاً ولا أدعي المثالية هنا ولكن من الطبيعي أن يكون هناك العديد من الاخفاقات والسلبيات التي صاحبت أعمال السلطة المحلية في ما مضى ولكن مايهم هو التركيز على الجوانب الإيجابية وتدعيمها ولنثبت لكل مشكك أن المهرة اليوم ليست كالمهرة قبل عشرين سنة فقد تغير الحال وتبدلت الظروف وصار في المهرة من الرجالات والقيادات من يستطيعون إدارة شئونهم بكل قدرة وحنكة وكفاءة.
ولعلي أستشهد هنا بسؤال سألني إياه الباحث الأمريكي إيريك - والذي هو عضوا في لجنة اعداد تقريرا عن مستقبل اليمن بعد الحرب سيتم عرضه على الكونغرس الأمريكي- وقد كان سؤاله ماهي وجهة نظرك لمستقبل المهرة بعد الأزمة؟ فجاوبتة نريد أن نكون إقليماً مستقلاً وذلك ليس مطلبي أنا فقط بل مطلب أبناء المهرة وسقطرى. فأردف سؤالاً أخراً وهل لديكم القدرة على إدارة شئونكم ؟
فكان جاوبي وبكل فخر هو ماذكرته في أعلى المقال أن أبناء المهرة نجحوا في إدارت أمورهم في أحلك الظروف وأصعبها وضربوا نموذجا للتعايش والسلم الاجتماعي ونبذ الحقد والكراهية والارهاب.
فاليوم اعزائي واخواني تقلد المهرة المناصب القيادية في المحافظة سواءً الامنية والتي كانت حكراً على أبناء المحافظات الأخرى أو المدنية , فلعينا جميعاً أن نسعى إلى دعم بعضنا البعض إلى قيادة السفينة إلى بر الامان ونبذ العنصرية ولنتكتل جميعا خلف مصلحة المحافظة.
إن السبب الرئيسي لما ذكرته سابقاً والذي لا يخفى على أحد هو طبيعة المجتمع المهري وخصائصة التي تبعث على الفخر والإعتزاز فهذا المجتمع فريد بخصائصه قوي بلحمته يتمتع بأخلاق العروبه ويغلب عليه طابع السلم الإجتماعي وإحترام الآخر وتلعب فيه العادات والتقاليد النبيلة دوراً بارزاً في تكوين الشخصية المهرية الأصيلة التي تنبذ العنف والإرهاب وتسعى دائما إلى التعايش والسلام...
فدورنا أن نحافظ على هذا النسيج الإجتماعي وأن نعمل على تقويته ولا نكون يداً ومعاولاً للهدم وتمزيق هذا النسيج الفريد بل نسعى جميعاً إلى توريث هذه الخصائل الحميدة جيلاً بعد جيلاً.