تقارير ووثائق

المجلس الانتقالي الجنوبي: جمود يثير التساؤلات

لا يُعد وقوف الإمارات العربية المتحدة وراء إعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يمثل انقلاباً يدعو لانفصال جنوب اليمن عن شماله، مسألة خلافية في الأوساط اليمنية والمتابعين لتطورات الأوضاع في البلاد، غير أن مجموعة تطورات، خفت معها نشاط المجلس، تثير موجة من التساؤلات والتفسيرات، بين من يرى أن ذلك مسألة مؤقتة تنتظر اكتمال ترتيبات وتطورات الأزمة الخليجية، وبين من يربطه بتباين محتمل بين أبوظبي والرياض، مع بروز احتمال ظهور تعديلات على التصور الذي يدعمه التحالف في اليمن، سواء بالانفصال أو بدعم تقسيم الأقاليم.
وخلال الأيام القليلة الماضية، دخل نشاط "المجلس الانتقالي الجنوبي"، في مرحلة جمود جديدة، بعد الزخم الذي أحدثته عودة رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، ونائبه هاني بن بريك، إلى عدن، مطلع الشهر الحالي. وتشير أحدث الأنباء إلى أن الرجلين، إلى جانب قيادات أخرى، غادروا عدن، مجدداً، منذ أيام، إلى أبوظبي، لكن بصورة غير معلنة. وفي الوقت الذي تحفظت فيه مصادر قريبة من المجلس تأكيد المغادرة، رجحت مصادر محلية في عدن صحتها، الأمر الذي يتعزز بتعليق أنشطة واجتماعات المجلس منذ ما يقرب من أسبوع.
وكان "المجلس الجنوبي"، أُعلن في الـ11 مايو/ أيار الماضي، برئاسة محافظ عدن السابق، الزبيدي، وقال إنه سيتولى "إدارة وتمثيل الجنوب"، في خطوة وصفتها الحكومة الشرعية بأنها "انقلاب" على غرار انقلاب صنعاء قبل أكثر من عامين، ولكن الأخير في عدن التي تُوصف ب"العاصمة المؤقتة"، وبدعم مباشر من دولة في التحالف، وهي الإمارات، التي تتولى بدورها واجهة قيادة التحالف وعمله في المناطق الجنوبية لليمن.

وبعد أكثر من شهرين، يبدو أن المجلس الانقلابي الانفصالي في عدن، خضع لمراجعات من قبل التحالف، إذ بدأت وتيرة التصعيد تتراجع، مع مغادرة رئيس المجلس ونائبه، في اليوم التالي لإعلان مجلسهم (12 مايو)، إلى السعودية ثم الإمارات ومصر، في جولة استمرت حتى مطلع يوليو/ تموز الحالي، وما هي إلا أيام حتى غادرا مجدداً، بما يعني أن المجلس ومنذ تأسيسه، لم يستقر في عدن سوى أيام، بما يضعف من صورته في الداخل الشعبي، مثلما يعبر عن أزمة ما مرتبطة بترتيبات الأوضاع في جنوب اليمن، بين أبوظبي والرياض.
وفي أواخر يونيو/ حزيران الماضي، تعرض "المجلس الانتقالي" إلى ضربة قاصمة تمثلت بصدور قرارات للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أطاحت بثلاثة محافظين من أعضاء المجلس، وهم محافظو حضرموت وشبوة وسقطرى، والمحافظات الثلاث إلى جانب محافظة المهرة، تمثل ما يُسمى ب"إقليم حضرموت"، في مشروع التقسيم الفيدرالي لليمن إلى ستة أقاليم، وهي الجزء الشرقي من الجنوب، بما جعل "المجلس الجنوبي" يفقد حضرموت من تكوينه مبدئياً، رغم بقاء هذه المحافظات ممثلة بأعضاء. وقد بدا المجلس في موقف أضعف، عندما رفض القرارات ولم يتمكن من منع تنفيذها على أرض الواقع.
وفي السياق، كان من اللافت أن أبوظبي التي تعتبر الداعم أو المؤثر الأول على المجلس الانفصالي الانقلابي، لم تظهر مواقف رافضة للقرارات التي أطاحت بثلاثة محافظين من حلفائها، الأمر الذي يحمل العديد من التفسيرات، بما فيها أن يكون هذا التغير ضمن تعديل طرأ في خطة تصور التحالف لجنوب اليمن، بحيث جرى التراجع عن دعم صيغة "المجلس الجنوبي"، التي تضم محافظات الجنوب والشرق، إلى الصيغة التي تعزز موقع "حضرموت" كإقليم منفصل عن الجنوب، وهي محافظة الثروة والمساحة الكبيرة وتمثل مع المحافظات المحيطة بها أكثر من نصف مساحة اليمن، وبالتالي دعم خطة الأقاليم التي تتبناها الحكومة الشرعية.

ومن زاوية أخرى، وعلى الرغم من أن عودة الزبيدي وبن بريك مطلع الشهر الحالي، لتنظيم اجتماعات في عدن، كانت خطوة ساهمت في إحياء المجلس، إلا أن تراجعاً واضحاً في لهجته التصعيدية كان يمكن ملاحظته. وبعد أن هددت قيادات في المجلس في مايو الماضي ب"تشكيل مجلس عسكري"، بدا أن المجلس، وبعد عودة قيادته أخيراً، ينحو باتجاه التحول إلى كيان حزب سياسي، إذ أعلن عن تأسيس العديد من الدوائر التنظيمية وذكر أنه في صدد إعداد وثائق "البرنامج السياسي"، وحمّل "الحكومة الشرعية" مسؤولية أزمة الخدمات، في مؤشر إلى تراجعه عن وصف نفسه ك"سلطة" تتولى "إدارة وتمثيل الجنوب"، على الرغم من مخالفة ذلك، بإعلانه المثير عن حظر جماعات وتنظيمات اتهمها ب"الإرهاب"، بينها جماعة "الإخوان المسلمين"، إلى جانب "داعش" و"القاعدة"، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وهو إعلان يمثل ترجمة لأجندة أبوظبي، لكنه لا يلغي حقيقة وجود تراجع في حدة التصعيد ضد الشرعية.
وفي تطور مثير أخيراً، قام رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عبيد بن دغر، المتواجد في عدن، بزيارة إلى مقر قيادة القوات الإماراتية في المدينة، وتسلم منها درعاً تكريمياً، على الرغم من تصريحات أطلقها في الأسابيع الماضية، أثارت سخط "المجلس الانتقالي الجنوبي". وتثير هذه الخطوة جدلاً حول ما إذا كانت في إطار محاولات أبوظبي التخفيف من الحرج الذي وقعت فيه مع دعمها الواضح للتيارات الداعية للانفصال، أو أنها خطوة في إطار تهدئة مرحلية من شأنها تأجيل خطوات الانفصال، في ظل حاجة التحالف للحفاظ على "الشرعية" كغطاء لتدخله في اليمن.
وفي السياق، تبرز الأزمة الخليجية التي تصاعدت بالحملة المفتعلة على قطر، وما تبعها من إجراءات حصار وأزمة على مستوى المنطقة. ويضع بعض المتابعين اليمنيين كأحد التفسيرات التجميد النسبي لـ"المجلس الجنوبي" الانفصالي، مع وقوع أبوظبي أمام جملة تطورات ضاغطة، على غرار التقارير التي كشفت عن ضلوع الإمارات والقوات اليمنية المدعومة منها، بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد، بدءاً من التعذيب في السجون مروراً باحتجاز العشرات تعسفياً وغيرها من الانتهاكات.
وبين التفسيرات تلك التي تتحدث عن تعديلات في الخطة الإماراتية السعودية في جنوب اليمن بالتراجع عن دعم "الانتقالي" إلى دعم الصيغة التي تتبناها الشرعية بدعم "الأقاليم"، مع تأثير الرفض الحضرمي لـ"المجلس الجنوبي" وتمسك الحضارم ب"الأقاليم". في موازاة ذلك، تبرز قراءات تفسّر ما يجري من تجميد نسبي لـ"الانتقالي" بترتيبات مؤقتة، تتعلق بالوضع في اليمن وبالأزمة الخليجية لتبقى جميع الاحتمالات مفتوحة وستفصل فيها تطورات الفترة المقبلة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى