تقارير ووثائق

يمنيات بلا ميراث

ما زالت نساء يمنيات كثيرات محرومات من ميراثهنّ سواء من الآباء أو الأزواج بعد وفاتهم، في بعض المناطق النائية. ويعود الموضوع إلى الواجهة مجدداً، بعد غياب سلطة القانون وعدم قدرة الدولة على الوصول إلى بعض المناطق البعيدة عن المدن بسبب الحرب المندلعة في البلاد منذ أكثر من عامَين.

أمّ عبد السلام الوجيه واحدة من اللواتي يعانينَ من ذلك، إذ حُرِمَت من تركة والدها منذ وفاته قبل ستّة أعوام. تخبر: "كان والدي يملك عقارات وتجارة خاصة، لكنّني وأخواتي الثلاث لم نحصل على أيّ شيء ممّا تركه والدنا بعد وفاته. وعندما نطالب أخانا بحقّنا، يتهرّب وينفي أن تكون لنا نحن النساء، أيّ تركة". وتشير أم عبد السلام إلى أنّها تعرف نساء كثيرات في قريتها تعرّضنَ لنهب ميراثهنّ أو جزء منه على أقلّ تقدير، حتى لا يذهب إلى أزواجهنّ أو أولادهنّ. وتقول إنّ "بعض الأسر الكبيرة في القرية لا تسمح للنساء فيها بالزواج خوفاً من أن يطالب أزواجهنّ بتركة آبائهنّ". وتشرح أنّ ذلك الأمر يعني لرجال العائلة ذهاب جزء من أملاك الوالد لزوج ابنته، مؤكدة أنّ "هذا التفكير يحرم نساء كثيرات في الريف من الزواج".
فتحية العمراني حُرمت كذلك من حقها في ميراث أبيها حتى يومنا. إخوتها الرجال يعدونها بتسليمه لها عند حاجتها إليه.

تقول: "نخجل من أن نطلب من إخوتنا حقوقنا. البعض منهم يرى في الأمر إساءة وعدم ثقة. لذا لم أطالبهم بحقي من ميراث والدي على الرغم من حاجتي الشديدة إليه، بهدف مساعدة أولادي في مثل هذه الظروف الصعبة". وتشير إلى أنّ إخوتها يقدّمون لها بعض الأموال كمساعدة بين الحين والآخر، ويجعلون من تلك الأموال بديلاً عن حقها المستحقّ من تِركة والدها.

إلى ذلك، يرفض رجال كثيرون تسليم ميراث أخواتهم إلى أزواجهنّ أو أولادهنّ بعد وفاتهنّ، ليتسبب ذلك في خلافات بين العائلات تصل إلى المحاكم. وثمّة إخوة يكتفون بتسليم جزء من التركة ليوزَّع الجزء الآخر للورثة الرجال بموافقة الجميع. وهذا ما حصل مع أم إبراهيم القاضي التي حصلت على قليل من تركة والدها، على الرغم من معرفتها بأنّه لا يمثل ربع ما يحقّ لها من الميراث. تقول: "قبلت بما أُعطي لي لأنّني لا أحتاج إلى تركة والدي، فزوجي ميسور الحال وأولادي لا يحتاجون إلى ما أستحقه من مال والدي. كذلك فإنّ ظروف إخوتي المعيشية سيئة، لذا لم أعترض على ما حصلت عليه".

في السياق، تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة أماني الموشكي ل "العربي الجديد" إنّه "لا يمكن تجاهل قضية حرمان المرأة اليمنية من ميراثها، لا بل علينا العمل على مواجهتها". وتشير إلى أنّ "هذه القضية تحوّلت إلى موضوع لا يحتمل النقاش ولا محاولة نقده، إذ هي في نظر كثيرين لا تُدرَج من ضمن الأولويات". وتؤكد الموشكي أنّ "نساء اليمن بمعظمهنّ لا يحصلنَ على حقوقهنّ في الميراث بحسب الشرع والقانون. وتُترك المرأة وحدها لتصارع كلّ من حولها من دون تدخّل فعّال من قبل السلطات الدينية ولا القضائية". تضيف أنّ "النساء بعد الزواج لا يمكنهنّ المطالبة بميراثهنّ وفق التقاليد والأعراف في مناطق قبلية عدّة. وإن تجرّأت إحداهنّ وطالبت بما تستحقّه، فإنّ ذلك قد يثير غضب إخوتها الذكور، ومن المحتمل أن يعمدوا إلى الاعتداء عليها وامتهان كرامتها".

وتوضّح الموشكي أنّه "في حال رفعت امرأة دعوى قضائية ضدّ الإخوة للمطالبة بالميراث، عندها قد تدفعهم الحميّة إلى التبرؤ منها إذ هي خرجت من إطار الأسرة ولم تعد تنصاع لكلام الرجال. وهم يعدّون مثل هذه الخطوة جريمة". وتتابع أنّ "هذا الأمر يجعل المرأة تفاضل بين خيارَين أحلاهما مرّ، إمّا أسرتها أو حقّها في الميراث. وهي غالباً ما تختار أسرتها، لذا تصمت ولا تطالب بحقها". وتلفت الموشكي إلى "حضور المرأة المحدود جداً في مختلف نواحي الحياة. ولهذا تُهمَّش وتُسلَب حقوقها. فهي تخضع إلى سلطة الرجل المطلقة، وبحسب قناعته ورغبته تُسيّر المرأة. بالتالي، هي لا تمتلك الحق في مشاركته في الميراث ولا حتى في اتخاذ القرارات المصيرية ذات الطبيعة الأسرية المشتركة".

وتتحدّث الموشكي عن "مسيرة نضال المرأة اليمنية لنيل حقوقها كاملة، التي ما زالت متأخرة جداً. فبينما تخوض مجتمعات عربية أخرى جدالاً حاداً في الأوساط النخبوية حول مسألة مساواة الرجل بالمرأة في كل نواحي الحياة، تعاني اليمنيات من الإقصاء والقهر والاضطهاد وسلب أبسط حقوقهنّ التي كفلها لهنّ الدين والقانون".

تجدر الإشارة إلى أنّ المرأة اليمنية تتعرّض إلى انتهاكات كثيرة وذلك كنتيجة طبيعية للأمّية والجماعات المسلحة وضعف السلطات التنفيذية والقضائية أو غيابها. وتختلف أشكال العنف الذي يستهدف المرأة في اليمن، وتشمل التهديد والضرب والطرد من المسكن، بالإضافة إلى الزواج القسري والتحرّش ونهب حقوقها من قبل أفراد الأسرة من الذكور.

زر الذهاب إلى الأعلى