من الأرشيف

خاشقجي بين العدالة والانتقام

عندما تتمايز الصفوف, مصداقا لقوله تع إلى ﴿مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ﴾. فيجب تحديد موقف ولا يجوز الحياد. وقد تمايزت الصفوف في قضية المواطن السعودي الذي قتل في القنصلية السعودية في إسطنبول, وكلنا يقر ببشاعة قتل مواطن لا ذنب له ولا جريرة له توجب بل وتبرر قتله.

هي جريمة نكراء لا يقول بها عقل ولا دين ولا شريعة. قتل امرؤ كل ذنبه انه كان له فكر انتقادي لا يتفق مع ولاة الامر فاتخذ لنفسه منفى اختياري. وكان يكره ان يسمي موقفه كمعارض, بل وأيد وساند ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وله مقابلات مسجلة يقول لها هذا, وأجاب على سؤال وجه له حول كيفية وصفه لنفسه بعد خروجه من المملكة العربية السعودية, فنفى عن نفسه صفة معارض واختار لنفسه صفة ناقد, وقد أكون نفسي انا أصف نفسي كناقد, ولن استغل الموقف في إظهار ما هي الأحداث أو المواقف التي انقدها فلكل مقام مقال.

لنتفق اولا انها حريمة ويجب معاقبة المتسبب بها ومن قام بها, لقوله تع إلى ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون﴾. عقاب ينزل بهم كما أمر الله سواء من قتل أو من حرض أو من ساهم أو من أمر سواء كان فردا أو مجموعة. فقد قال ربنا جل وعلى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾

فانا هنا لا ابرر قتل أمرء مسلم بغيا وعدوانا ولكن اتوقف عند امر لا أستطيع تجاوزه.

امر يجب ان اعمل فيه العقل وان يكون لي حصافة المؤمن فقد امرنا ربنا جل وعلا بقوله ﴿يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم﴾.

اخذ الحذر واجب عند الفتن, وليس كل من صرخ بالحق محق, وليس كل من نادى ببعض الحق محق. وكم من كلمة حق اريد بها باطل.

ملخض القضية ان مواطنا دخل القنصلية السعودية في إسطنبول فتواطئ عليه جماعة من العاملين في الحكومة فقتلوه, وحاولوا تغطية الامر واخفاءه ففشلوا. هذا بالمجمل لأننا لا نملك من التفاصيل الكثير وما زال التحقيق جار في القضية, والتحقيق تقوم به جهتان, يقوم به المدعي العام في السعودية ويقوم به المدعي العام في تركيا. فالقضية ما زالت تحت التحقيق. وكلنا بانتظار النتائج من الطرفين ونطلب القصاص من كل من ساهم في هذه الجريمة النكراء.

ولكن هل نفعل ما تفعله بعض الحكومات وبعض وسائل الإعلام. وبعض الشخصيات بالمطالبة برأس ولي العهد السعودي بل بعضها طالب بإقالة ملك المملكة العربية السعودية حتى قبل ظهور نتائج التحقيق.

اسأل هؤلاء ويسألهم معي كل ذي لب وعقل, وكل من لا هوى يحكمه واراد الحقيقة والعدل, هل هذه المطالبة واقعية؟.

هل طالبوا بإقالة أردوغان ووزير الداخلية التركية حينما قتل السفير الروسي في تركيا على يد مولود مارت ألتن طاش ضابط الأمن في السلك العسكري التركي وهو أحد ضباط قوات مكافحة فض الشغب التركية الخاصة في الشرطة التركية ويعمل أيضا في وحدة القوة الجوية بالأمن العام التركي في العاصمة أنقرة، في 19 ديسمبر 2016؟

هل طالبوا بمحاسبة أي مسئول قطري بعد مقتل الرئيس الشيشاني السابق سليم خان يندرباييف في الدوحة وتسليم قطر لقتلته إلى الحكومة الروسية التي خططت وقامت بالجريمة؟

كما أعلنت مراسلون بلا حدود أن 65 صحفيا قتلوا خلال عام 2017 فقط ولا أتكلم عن اجمالي الرقم المخيف للصحفيين المقتولين. بل وان 300 منهم يقبعون في السجون حاليا فهل طالبوا برؤوس الحكومات في " أحد" ولا أقول كل بل "أحد" هذه البلدان وفيها العراق وسوريا وتركيا وإيران؟

أضف إلى ذلك السياسيين المعارضين الذين يقتلون أو يسجنون, وتركيا وحدها فيها أكثر من 50 ألف مدني وعسكري مسجونا سياسيا من كل المهن والطبقات بدعوى اشتراكهم في محاولة الانقلاب. بل والمضحك المبكي أن وزارة العدل التركية حضرت قائمة بأسماء العديد من السجناء للإعفاء عنهم , وتحويلهم إلى قضاء حكمهم خارج أسوار السجون , بسبب ضيق مكان السجناء في السجون , جراء حملات الاعتقالات العشوائية التي تنفذها الدولة التركية بعد عملية الانقلاب الفاشلة التي حصلت في 15 يوليو 2016. وليس فيهم أي من السجناء السياسيين.

والكثير الكثر, لا مجال لذكره.

انا لا ابرر قتل المواطن السعودي جمال خاشقجي, وكما اسلفت أنا انادي بمعاقبة الجناة أيا كانوا وكم عددهم,

أتكلم هنا عن بعض ممن يطلبون الانتقام من السعودية ولا يطالبون بالعدل, همهم حكومة المملكة العربية السعودية ولا يهمهم ان يحصل خاشقجي على حقة من قاتله, وبعضهم لا يعرف خاشقجي بل ويخطئ باسمه, فبعضهم يسميه عدنان خاشقجي, اخرون يسمونه جمال خاشوقي, فهم لا يهمهم جمال ولكن يهمه السعودية, لا يهمه العدل لجمال بل يهمه الانتقام من السعودية والحكومة السعودية.

ومن هؤلاء؟

الحكومة والاعلام القطري, وقطر هي اشد الدول العربية علاقة بإسرائيل وتزلفا لها ويكفي ان تبحث عن " قطر وإسرائيل " في وجوجل لترى حجم التبادل السياسي والاستخباراتي والاقتصادي بينهما.

جماعة الاخوان المسلمين والتي تحظى بحماية تركيا وقطر وهذه فضحت عند اول ازمة حقيقة حينما أسقط الرئيس المصري السابق وتبين حجم عدائها للسعودية والامارات ومقدار الحرب التي تشنها عليها من خلال إعلامييها وقواتها الإعلامية. وهي الجماعة التي أسست القاعدة الفكرية للإرهاب في الإسلام والعالم الإسلامي بنشر فكر "الحاكمية وتكفير الحكام والمجتمعات المسلمة" الذي أطلقه مفكر الجماعة سيد قطب

أدوات الاعلام ذي التوجه المؤيد للحزب الديموقراطي الأمريكي مثل قناة (CNN) و (MSNBC) وصحفية نيويورك تايمز وغيرها من القنوات والصحف الحزبية, وهدف هذه ليس خاشقجي بل اضعاف موقف ترامب وكما يقول إخواننا الشيعة, " لا يبكي على الحسين بل يبكي على الهريسة"

الاعلام الإيراني أو المريد لإيران مثل المنار والميادين وغيرها, والصحفيين المؤيدين لإيران.

اجتمع هؤلاء وبصوت واحد هم يطالبون برأس ولي العهد السعودي, ولا نعلم عن ماذا سيطالبون بعد ذلك.

هل أقف معهم؟

سئل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: كيف تعرف أهل الحق في زمن الفتن؟! فقال: "اتبع سهام العدو فهي ترشدك إليهم".

ويحدد شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: "إذا وجدتموني في صفوف التتار وفوق رأسي مصحفًا فاقتلوني"

فهؤلاء شتان بيني وبينهم, فانا أنعى مواطنا وهؤلاء يريدون منا ان ننعى وطنا, نحن نريد العدالة لجمال خاشقجي وهؤلاء يريدون الانتقام من وطني بل وتقسيمه وهذا ما صرحوا به بأفواههم بل هي بعض مطالبهم الرسمية التي صدرت عن قطر وإيران ومن لف لفهم من الإعلاميين. أعلنوها صريحة انهم يطالبون بتقسيم وطني المملكة العربية السعودية.

هنا يتضح موقف كل عربي حر,

نطالب بالعادلة لجمال خاشقجي وفي نفس الوقت لا تقف مع هؤلاء الخونة لبلادي ووطني.

فهؤلاء لا يمكن ان أقف معهم أو إلى جوارهم, فهم مجرمون بحق وطني ومن قتل جمال خاشقجي مجرم بحق وطني (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ)

صالح بن عبدالله السليمان

زر الذهاب إلى الأعلى