غائب حواس يرتدي جنبية لا يزيد ثمنها عن مائتي ريال، غير أنه يمتلك في بيته بمنطقة الشومية في مديرية غمر بمحافظة صعدة مكتبة عامرة يعتبرها أهم إنجاز في حياته، الناشط السياسي والشاعر غائب حواس حالة مختلفة كما يبدو للصورة النمطية لابن صعدة الموغل في البداوة الواقع تحت تأثير الجهل وثقافة الثأر والأمية، فهو أي حواس قارئ جيد ولديه موهبة في كتابة الشعر، أطلق من خلاله تحذيرات من فتنة قبل أربع سنوات من اشتعالها.
صحيفة "الغد" آثرت الاقتراب من جيل الشباب في صعدة لمعرفة ماذا يدور في محافظتهم، وكيف ينظرون للحرب الدائرة هناك، وما الزوايا المظلمة التي يرونها بينما لا يراها الآخرون.. وأجرت حواراً مع الناشط والشاعر غائب حواس.. إلى الحوار:
*قبل شهور حصلت اشتباكات بين القبيلة التي تنتمي إليها أسرة آل حواس في منطقة الشومية ومجاميع مسلحة من أنصار الحوثي.. هل بالإمكان أن تحدثنا عن طبيعة هذه الاشتباكات؟
** أولاً وقبل الحديث أو الخوض في هذه المسألة وقد كنا لا نخوض فيها من قبل لأن الصخب الذي تناول هذه القضية والأطراف التي تجادلت لحسمها لم تكن قد ألقت مكاناً لحديث فرد أو شخص مواطن اعتيادي مثل ما هو الحال معنا، والذي حدث قبل أيام نحن نعتبره جرياً على عادة ما يمسى ب"الحوثيين" في استفزاز الأهالي والمواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل، إلا أنهم دائماً يقعون ضحايا الأحداث وكل ذنبهم أنهم وجدوا في تلك الأرض، وتحديداً الذي حصل أن مجاميع من "الحوثيين" في مرات متتالية كانوا يتخذون من مرتفعات فوق منازلنا مواقع نعتبرها مقتربات لمنازلنا تؤثر على أمننا في بيوتنا، وكنا قد أخذنا وأعطينا معهم والتزموا بعدم التعرض في تلك الأماكن والذي حصل في المرات الأخيرة أنهم كرروا التعرض الذي نعتبره استفزازاً.
*أي استولوا على مواقعها؟
** هذه مواقع مخلاة ونحن لسنا في حالة حرب معهم، نحن موقعنا الجغرافي ليس حيوياً وأقصد ليس مجالاً حيوياً لا لتحركاتهم ولا لتحركات الدولة، ليست مركز مديرية، لسنا منطقة سوق يضطرون إلى فرض جو هيبة فيه، وربما أن هذا ساعدنا على تجاوز كثير من المآزق التي ربما كنا سنضطر للاحتكاك بهم، فحصل بعدما تواجدوا في تلك الأماكن إطلاق النار من قبل أصحابنا ومن قبلهم، لكن المؤسف هذه العناصر تستخدم السلاح الثقيل، وهذا السلاح لم يوجه إلى الأفراد أو الأشخاص من إخواني أو أصحابي من أبناء المنطقة الذين كانوا يتبادلون معهم إطلاق النار، وإنما أطلقوا النار على المنازل وعيارات نارية ثقيلة اخترقت الجدران.
*هل هناك قتلى؟
** سلم الله أن المنازل التي استهدفت بالسلاح الثقيل لم يكن أحد متواجداً فيها، كان هناك شيخ كبير في أسرتنا يزيد عمره على 100 سنة اخترقت غرفته بالقذيفة والعيار الناري، وأنا أسألهم بالمناسبة عندما تأتي الدولة وتضرب ثم يصرخون لماذا الدولة تضرب منازلهم، لماذا هم يقصفون منازل المواطنين.
*ربما لأنكم محسوبون أو موالون للحكومة أو الجيش؟
** بالعكس، منطقتنا هي المنطقة التي لم تدخل في حرب ولم تحصل على دعم الدولة، تحارب الحوثيين أو تلاحقهم في حالة ضعفهم، لم تأخذ حق أحد وكنا حريصين على أن لا نظلم أحداً وأن لا يرى أحد قسوة منا وهو في حالة ضعف، ولكن الحاصل أن هذا الطرف عندما شعر أنه في حالة قوة ربما أنه يحاول أن يجس النبض لإخضاع الأهالي وإخضاع المواطنين والمناطق التي سيطر عليها الحوثيون هم يعلنون أن فيها ما يسمى قانون الطوارئ خاص بهم، فهم مثلاً يمنعون التجوال ليلاً ويتجسسون حول الحارات والمنازل ويتنصتون على المنازل حتى أنهم يقومون باغتيالات ليس لها مبرر إلا تخويف الناس لكي يخلو الجو لتحركاتهم الليلية.
*لنخرج قليلاً عن إطار الاشتباكات بينكم وبين "الحوثيين" ونعود إلى قضية صعدة في الأساس أنت في عام 2000 كنت حذرت من الفتنة في خطاب عام، كيف تنبأت بهذه الفتنة؟
** كانت عواملها ومعطياتها تعتمل على الساحة، ولا تحتاج إلى عبقرية حتى يكتشفها، ما حصل في عام 2000 أثناء حفل للتجمع اليمني للإصلاح بمحافظة صعدة في مركز صيفي، أنني حذرت من الاحتقان الطائفي حينها، ما أثار تذمر "الإصلاحيين" في تلك المناسبة أكثر من الشيعة الذين كانوا يجارونهم في منتدى أقيم بجانب المركز الصيفي.
*تقصد بالشيعة "الحوثيين"؟
** لم يكن قد نشأ حينها مسمى "الحوثيين"، ولكن كان أصحاب الحوثي موجودين.
*من خلال الشباب المؤمن؟
** أصحاب الحوثي هم تيار تبلور داخل تنظيم "الشباب المؤمن"، ولكن الشباب المؤمن مسمى فضفاض لا تستطيع أن تقول أنهم هم "الحوثيون"، وما يحصل من لبس يستفيد منه بعض من يقولون أنهم كانوا قيادات في الشباب المؤمن.. ثم أن حركة الشعار تبلورت وتصلبت داخل كيان الشباب المؤمن.
*قلت أنك حذرت من الاحتقان الطائفي بناء على ما كان يعتمل حينها في الساحة، ما الذي كان يعتمل حينها؟
** في إحدى الليالي حضرت لفض اشتباك وقع بين الطرفين، لأن المركزين كانا متجاورين لم يفصلهما إلا جدار، ونظراً لطبيعة الخلاف المشحون الذي كان يتبناه للأمانة منتدى الشيعة حصل أن ضرب أحد أفرادهم بسببه وكانوا متحمسين للانتقام، وحضرت حينها وعرفت أشخاصاً كانوا أصدقائي من مران، وحاولت مع آخرين تهدئة الوضع، وهذا الكلام كان في أغسطس عام 2000.
*بالعودة إلى كلمتك في حفل الإصلاح وتحذيرك من الفتنة، ماذا قلت؟
** قلت لهم بالحرف وكررتها ثلاثاً "احذروا الفتن، لا تدفعوا ثمن مستقبل الآخرين من دماء أبنائكم"، وهذا الكلام مسجل على أشرطة الكاسيت وإن كان الإخوة في الإصلاح قد حذفوه من أشرطة الفيديو التي وزعت فيما بعد.
*بالنسبة للمعارك الدائرة الآن في صعدة في إطار الحرب السادسة، هل تعتقد أن خيار الحسم العسكري هو الحل الناجع لإنهاء هذه الفتنة؟
** هذه جولة، وهناك قفز كبير على المسميات، هذه ليست حروباً، وإنما جولات، والجولات تلد جولات، وأذكر بهذا المعنى ما يقال: جاءتك لجنة تبيض لجنتين تفقس أربعاً تبيض عن ثمان، وهذه الجولات تعاقبت وهي التي لمت الحرب ووسعتها عندما لم تحسمها من أول جولة بقيت المنازلة مفتوحة، وهذه الجولة لا أعتقد شخصياً أن القرار سيصمد إلى النهاية.
*قرار الحسم؟
** قرار الحرب بل وقرار الحملة العسكرية.
*لماذا؟
** لعدة اعتبارات، ليس هناك مصداقية في الحسم.
*من قبل الجيش؟
** الجيش مغلوب على أمره، ولكن من قبل القيادة، ليس لديها مصداقية للحسم.
*أنت تعتقد هذا؟
** بل متيقن.
*تحدثت قبل قليل بأن الحوثيين كانوا يتنصتون على منازل المواطنين ويمارسون حتى عمليات الاغتيال، هذا يعني أن "الحوثيين" قوة ضاربة في صعدة أليس كذلك؟
** الحوثيون يقومون بعمل مليشيات وبحروب ضد المجتمع من طرف واحد، من طرفهم هم، لأنهم لم يجدوا التنظيم المجابه لهم، وإن وجدوه متشكلاً في مجاميع قبلية فهي غير منظمة وليس لها أجندة حروب عصابات ولا خطة ولا تدريبات ولا استراتيجيات نتيجة الطريقة التقليدية التي تخوض بها حروبها مع الحوثيين، والتي تنتهي كعادتها إما بنفاد الذخيرة أو اختلاف على المنافع والفوائد والذخائر وما شابه ذلك، لكنني أريد أن أعود إلى موضوع جوهري، وهذا الكلام الذي أقوله لا أبحث من ورائه عن رضا طرف أو سخط طرف، وإنما أقول ما أعتقده الحق، مع علمي أن كلامي لن يرضي الحوثيين ولا جانب الدولة، وهذا لا يهمني، أريد أن أقول أن هناك نتاجاً مجتمعياً أو سكانياً ثالثاً وجد كضحية لهذه الحرب، الحوثيون طرف وهم أصبحوا تنظيماً له وجهه الإعلامي والسياسي وخلفيته الاقتصادية، بينما الدولة كنظام لها نفس البنية، فالدولة نظام والحوثيون تنظيم، والمظلوم بينهما هو المواطن، عندما يتحدث الحوثيون عن مدنيين فهم يقصدون أصحابهم، لكنهم لا يحبون أن يتحدثوا عن ضحاياهم.. من المؤسف أن الحوثيين مزقوا أواصر ما كان بينهم وبيننا كمواطنين، قطعوا أرحامهم اغتالوا وقتلوا ذوي القربى منهم.. ظلموا الكثير من الأهالي، التحق بالحوثيين مثلاً من كانت له خصومات مع أطراف من المواطنين كعادة بني البشر، وأصبحوا يضعون خصوماتهم ثم إذا سئلوا لماذا قتلتم فلاناً قالوا إنه منافق.. لأن الحوثيين قسموا المجتمع والدولة من الناحية الشرعية بالنسبة لهم إلى فئتين: كفار وهم الدولة ومن والاهم، ومنافقين وهم الذين ليسوا معهم ولا مع الدولة، واستدلوا وتأولوا وقالوا: "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير".
*مقاطعاً.. هل هناك وقائع مثلاً؟
** تحت هذه المسميات ذبح الحوثيون إخوانهم واستعبدوا المجتمع، أكبر خسارة مني بها الحوثيون أنهم خسروا قلوب الناس، بعد أن كان الناس ما بين متعاطف معهم أو محايد، لكنهم جاؤوا يريدون أن يذلوا الناس، وصاروا يأخذون أموالهم باسم الزكاة وصندوق المجاهدين، ويغتالون كرام الناس، وإذا كنت رقماً اجتماعياً في قرية معينة وعلموا أنهم لن يدخلوا القرية إلا بتصفيتك فإنهم يقتلونك.. أضف إلى ذلك أنهم قد يتورطون في قتل فرد من الأهالي ثم يخافون من أقاربه أو أخيه فيقتلون أخاه خوفاً منه، وهلم جراً.
*هذا كلام تقوله السلطة أيضاً؟
**مقاطعاً.. لقد توسعت دائرة الظلم التي أحدثها الحوثيون بحق الأهالي والمواطنين، وهذا الذي يعنيني كمواطن، قضية الناس المظلومين الذين لا يتحدث أحد عنهم.
*لكن بالمناسبة المواطنون في صعدة يقدمون المساعدة للحوثيين، ولو كانوا ضدهم كما تقول لما استطاع الحوثيون التحصن في هذه المناطق رغم القصف والطيران الحربي ضدهم؟
** أنت تعلم أن القصف الجوي هو حرب صوتية أكثر مما هي فعلية في الميدان.
*مقاطعاً.. هناك حرب برية أيضاً؟
** هذه الاشتباكات وإن كانت الدولة تستطيع بحكم القوة العسكرية أن تحقق الانتصار في النهاية لكن ما هو حاصل الآن قصف بالسلاح الثقيل، وأنا لست خبيراً بهذه الشؤون، ولكن أرى أن الحوثيين عندما قاموا خلال الأشهر الماضية بعملية طرد وإجلاء لوجود الدولة على الأرض ألجأوا الدولة إلى الضرب الجوي والقصف المدفعي والصاروخي، بل أن الناطق الإعلامي للحوثيين تحدث لصحيفة "الناس" في عددها الفائت بطريقة استفزازية، حتى لو كنت أنا من الحوثيين أو من قياداتهم لغيرت لهجة الخطاب، عندما يقول أن الدولة لم يعد لها وجود، فإنه يستفز الدولة لضربه.
*وأنت هل تعتقد بالفعل أنه كان للدولة نفوذ وسيطرة على صعدة؟
** كان لها سيطرة إلى حدود المملكة العربية السعودية، ولكنها سيطرة تقليدية، لأنه لم يكن هناك أحد مناوئ، ولكن مع نشوء جماعات مسلحة تعرف أن الوضع يختلف، والدولة نفسها لم تحترم سيادتها ولم تدافع عنها من البداية، وأعتقد أن هناك شخصاً كان يمتلك جميع مميزات القيادة والضمير الوطني ونقله من صعدة مثل انتصاراً للحوثيين وأنا أتحدث عن يحيى علي العمري محافظ صعدة الأسبق.
*تقصد أنه استطاع أن يبسط نفوذ الدولة؟
** كان يحارب لبسط نفوذ الدولة..
*أنت كنت عضواً ناشطاً في الإصلاح بمحافظة صعدة وتخليت عنه، والآن كيف تنظر إلى مواقف الإصلاح أو المعارضة بشكل عام بالنسبة لقضية صعدة؟
** أنا لم أتخل عن الإصلاح، بل هو تخلى عني ومنعت في إحدى المرات من دخول مقره..
ومنعت أن أغشى ربوعك بعدها *** أو أن أزورك والحبيب يزار
أنا لم أكن ناشطاً بالمعنى المفهوم، وإنما اجتمعنا ذات مرة نناصر القضية الإسلامية، وبعد ذلك يبدو أننا من الأفراد الذين لم نكن نصلح للمراحل التالية، فتم الاستغناء عنا، غير أننا لم نستغنِ عن أفكارنا وضمائرنا وولائنا لقضايانا، أما ما يتعلق بمواقف الإصلاح والمشترك عموماً مما يدور في صعدة فأنا أعتقد أن المشترك والدولة ظلوا يتجاذبون قضية صعدة مثلما يتجاذبون قضية الجنوب الآن كورقة ضغط سياسية كل يحاول أن يوظفها ضد الآخر.
هب عندك مثلاً في منطقتنا أو في صعدة بالكامل، المواطنون الذين أتحدث عنهم وهم أبرياء لا بواكي لهم، إنهم لم يقتلوا أحداً ولم يتاجروا بدم أحد، هؤلاء المواطنون شعروا بأن كل أحد تخلى عنهم، المشترك تخلى عنهم، والدولة تخلت عنهم.
*كيف تخلى عنهم المشترك؟
** خذ مثلاً مديريتنا، الذي قتل فيها وحوصر مع أسرته وقبيلته يمثل الناصري في المديرية الشيخ فايز علي ظافر، ولم يحرك المشترك ساكناً، وهناك إصلاحيون تم اغتيالهم، وهناك مساجد إصلاحية سنية صودرت، وهناك اشتراكيون وناصريون مشردون الآن في صنعاء ويتساءلون الآن: هل قيادات المشترك لا يزالون قياداتنا أم أنهم أصبحوا من ضمن قيادات الحوثي؟!.
*تحدثت عن أن الحوثيين يأخذون الزكاة من المواطنين، ما الذي يؤكد للقارئ هذا الكلام؟
** أستطيع أن آخذك معي إلى صعدة وتسمع من المواطنين أنفسهم، ونحن أي وضع نعرفه في صعدة أو غيرها نقوله، وأنا لا أسامح نفسي لو كذبت على أحد.
*ما هو صندوق المجاهدين الذي تحدثت عنه؟
** هؤلاء جماعة ومن حقهم أن يكون لهم صندوق يمولهم ويشتركون إليه ويجمعون فيه الزكوات وما أشبه ذلك.
*أنت تحدثت عن شخص واحد اغتيل، هو الشيخ ظافر الذي قلت أنه ممثل الوحدوي الناصري، ما يثبت أن الحوثيين هم من قاموا باغتياله؟
** قتل في حرب، وهناك من أصحابه من اغتيل، بل أن الحرب التي دارت بين الحوثيين وبين قبيلة ولد عامر بدأت باغتيال أحد المواطنين من أبناء القبيلة.
*بحكم قربك واطلاعك عن كثب على مجريات الأحداث في صعدة، ومن خلال قراءتك للوضع وخطابات الحوثيين أنفسهم، هل تلمس بالفعل أن لهذه الحركة أبعاداً دولية أو إقليمية؟
** أي حركة من الحركات ذات الطابع السياسي أو الفكري، حتى وإن نشأت محلياً لا بد وأنها تنشأ ضمن مناخ محلي ودولي يهيئ لها وفق معادلة التجاذبات الخارجية والتناقضات الداخلية أجواء ملائمة للنشوء، ماذا تسمي مجيء دولة قطر، ماذا تسمي تصريحات إيران، ماذا تسمي تصريحات السفير الأميركي تجاه القضية؟!، نعم، تمر الدولة المركزية في إيران بحالة نهوض تاريخي، وطبيعة الدول في كل التاريخ أنه يحكمها قانون الماء، وما يحصل الآن بالنسبة لإيران شبيه بفيضان أنهار على ضفافها، فهي تمر بحالة فيضان قومي وطائفي، وهي الآن تهيئ مواطئ أقدام لها ويستغفل جمهور عربي عريض للخطاب الذي تدشنه هذه الدولة، وهناك مسار أميركي فارسي مشترك في المنطقة، ومن المؤسف أن الذي يقوم به بلسان عربي مبين هو دولة عربية في الجزيرة العربية.
*لكن أنت في صعدة، هل رأيت سلاحاً إيرانياً مع الحوثيين أو سمعت أنهم يستخدمون سلاحاً من إيران؟
** اليمن ليس بحاجة إلى استيراد السلاح، وإذا وجد المال يمكن الحصول على السلاح، الحوثيون كحركة ذات طموح وأطماع ولديها القدرة المالية تستطيع أن تشتري من السوق اليمنية، سواء بأموالها أو بأموال قطر أو إيران.
*هناك من يقول أن هذه الحرب التي تشنها الدولة ضد المتمردين الحوثيين ما هي إلا حرب تستهدف في الحقيقة المذهب الزيدي ومناطق المذهب، وهذا الكلام تقوله حتى أحزاب في إطار تكتل المشترك.. أنت باعتبارك من أبناء المنطقة المحسوبة على المذهب الزيدي، هل تلمس بأن هذا هو الهدف من الحرب؟
** أولاً المذاهب ليست بالجغرافيا ولا تحكمها خرائط الجغرافيا لا في صعدة ولا في غيرها، وثانياً تحت مسمى الدفاع عن الزيدية تم القضاء على الزيدية، حتى ممن يدعون الزيدية، وما هو حاصل في صعدة هو حرب أودت بحياة المئات من الشيعة أنفسهم، أراقوا دماء أنفسهم وأراقوا دماء إخوانهم من أبناء صعدة ذاتها، هم بالمقابل يتحدثون عن السلفية وهم يقصدون عموم السنة، سواء الناشطون في المشترك أو اليسار أو العلمانيون في المشترك يتحدثون عن السلفية وهم يقصدون السنة، لتحييد حزب الإصلاح الذي يعد حزباً إسلامياً سنياً بالأساس.
*أنت تغنيت عن صعدة ورازح شعراً قبل الحرب وأثناء الحرب، ماذا قلت؟
** أولاً أريد أخبرك أنني لم أنشر قصائدي أو محاولاتي الشعرية، وأنا عندما خاطبت منطقة معينة إنما أقصد عموم الوطن، من قبل الحرب كانت قصائدي أو المحاولات الشعرية التي قلتها ربما لتصحيح وضع أو لإعطاء رأي ضد وضع مغلوط، وللأسف كانت أجهزة الدولة تتصدى لقصائدي وتودعها السجون وتلاحقنا.
*سنأتي على القصيدة التي أودت بك إلى سجن الأمن السياسي، ولكن أخبرني ماذا قلت في صعدة؟
** ذات مرة عندما رأيت الأخوة من السنة والشيعة في رازح يحملون في طوايا مسيرتهم بوادر الفتنة تألمت كثيراً وكان من ضمن ما ذكرت في تلك المناسبة أبياتاً بهذا الشأن لا تسعفني ذاكرتي بالكثير منها، لكن قلت فيها:
وتجاذبتك مذاهب أموالها** مجموعة من فرقة الآحاد
يا أمتي الغراء أنت غريرة ** عن زهد متجرين بالزهاد
الدين ليس حكاية شعبية ** تروى قبيل النوم للأولاد
والدين ليس مذاهباً تمضي بنا ** متفرقين تفرق الأضداد
والدين ليس هواية مع رفقة ** وقت الفراغ تلذ للرواد
عذراً أمير المؤمنين إذا التوى ** حرفي وأشعل في الصدور زنادي
عذراً فبعدك ألف دعوى أسرجت ** في ساحنا للبغي خيل طراد
عذراً فإن حرائق التاريخ في ** صدري تأج كنجمك الوقاد
أما الكساء فلا تسل كم مزقت ** من بعدكم في بردتيه أيادي
قد كان لف الطاهرين وبعدها ** لفوه حول الفرس والأكراد
*أريد أن أسألك عن القصيدة التي أودت بك إلى سجن الأمن السياسي، ما قصتها؟
** كنت حاضراً مع الإخوة في التجمع اليمني للإصلاح الذين اعتمدوا علي في بعض التجهيزات الفنية لحفل بمناسبة المؤتمر المحلي الأول للإصلاح بمحافظة صعدة عام 1995، يومها كان المؤتمر والإصلاح خرجا متعانقين على أنقاض الاشتراكي والانفصاليين في الجنوب، ويومها قررت الجرعة السعرية الأولى بواقع 100 % وكان يومها كل شيء مهيئاً لها، ولم يكن حينها صوت معارض فيما أعلم ضد تلك الجرعة وضد سياسة التجويع التي اعتمدت من تلك الفترة، أعلنت الجرعة في 29/3 والحفل كان بتاريخ 6/4، وكانت القصيدة ثم كانت الملاحقة، وقيل لي إن الملاحقة من قبل محافظ صعدة حينها أو مدير الأمن السياسي، أو مدير أمن المحافظة، وقد لوحقت إلى صنعاء، وعلمت حينها أن عبد الوهاب الآنسي الذي كان أميناً عاماً للإصلاح ونائباً لرئيس الوزراء قد رتب لقاء مع رئيس الجمهورية بخصوص قضيتي، ولكن اللقاء تأخر بسبب انشغالات الرئيس، فعدت إلى صعدة، وهناك وجدت بعض أصدقائي ملاحقين من الأمن، وبعضهم أخذ إلى السجن، بينما كانت الأطقم العسكرية تلاحقني للقبض علي، فقررت تسليم نفسي بشرط الإفراج عن أصدقائي الذين احتجزوا.
*ما هي القصيدة، أسمعنا شيئاً منها؟
** هي كانت تتحدث عن الوضع الاقتصادي، وأعتقد أن ما يحصل الآن ثمرة ممارسات سابقة، أذكر فيها:
الموت خلفي والفناء أمامي ** من أين أحيا والحياة حُمامي
ماذا سأسمع والكلام مريف ** ولكيف أصرخ والنظام لجامي
أإذا صرخت وقلت إني جائع ** ثارت علي سياسة الإتخام
إني رقدت عن الأذى حتى غدا ** شكل الرغيف يعد من أحلامي
ولقد صبرت على الطغاة وظلمهم ** صبر الجياد على عنيف لجام
بالأمس ثرت على إمام واحد ** واليوم ساد عليّ ألف إمام
دين الذين بدون دين دينهم ** يتشدقون بمبدأ الإسلام
عرض الذين بغير عرض عرضهم ** يحمى وليس لعرضنا من حامي
أوجودنا ومصيرنا متعلق ** بعلاقة الحكام بالحكام
عوفيت يا شعبي فتلك جهالة ** ممقوتة في سائر الأحكام
أنت الذي صنع القيود وأنت من ** رفع القرود منازل الحكام
يا أيها الشعب الذي علمتنا ** ذل الرؤوس وعزة الأقدام
آثرت حكم الجاهلية والهوى ** ونبذت حكم الواحد العلام
وإذا انتهى أمر البلاد لماجن ** شرب الدماء بها على الأنغام
ويل لشعب بطنه مرهونة ** بصداقة القسيس والحاخام
ويل لشعب ليس تزرع أرضه ** زرعاً سوى الأحقاد والألغام
قامت قيامة أمة حكامها ** يترشفون مدامع الأيتام
هذه القصيدة التي لست نادماً على أنني قلتها ولوحقت وسجنت بسببها ولا زلت أدفع ثمنها.
*أنت أيضاً قلت شيئاً عن الثورة الإيرانية قبل ظهور حركة الحوثي، أليس كذلك؟
** يا أخي حركة الحوثي ليست سوى نتاج فرعي لأوضاع عامة، وأنا لست ناقماً على حركة الحوثي لأنها ريما لا تعي ما تصنع حتى بنفسها، ولكني ناقم على قومية شعوبية عنصرية تريد أن تجتث الثقافة والهوية والجنس واللحم العربي من أرضه، وهذه هي فارس.
*ماذا قلت إذاً؟
** أختار لك منها:
يا ثورة كم قيل إسلامية.. لكنها ثارت على الإسلام
وفيها:
من بدلوا الأنساب بالأنصاب.. أو من قسموا الإسلام بالأزلام
الشاتمين نظام أمريكا وهم.. في بابها من أرخص الخدام
*هل تعتقد أن هناك زوايا مظلمة في قضية صعدة لم يسلط الإعلام الرسمي أو الحزبي أو الأهلي عليها الضوء؟
** مثل بعض التشكيلات الموجودة في العاصمة هذه التي وجدت في حرب صعدة زخماً يعطيها أهمية أمام الرأي وأمام القيادة بأنها وسيط ناطق أو طرف من أطراف القضية، هؤلاء أقول لهم كفى مساومة بدماء أبناء صعدة سواء شيعة أو غيرهم، إذا كنتم فعلاً تناصرون قضيتهم قاتلوا معهم، لا تطمئنوهم بتحقيق مراحل وهمية وأنتم تعلمون أنهم يقدمون ضحاياهم بالمئات لكي يحصلوا على تحقيق سيطرة على موقع معين.
*بقي شيء تريد أن تقوله؟
** أقول للذين يغدرون بالمواطنين الأبرياء لم تكن هذه أخلاق العرب قبل الإسلام، والعنف يولد العنف المضاد وقد جربوا هم بأنفسهم مرارة الثأر.