تحتفل المملكة العربية السعودية الشقيقة في 23 من سبتمبر هذا العام بالعيد الوطني الـ79 وقد حققت إنجازات متعددة في مختلف المجالات أرسى دعائمها الملك المؤسس طيب الله ثراه عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وواصل من بعد مسيرة الإنجازات أولاده في خطوات واثقة من أجل البناء والتعمير وتعزيز علاقات المملكة مع الأشقاء والأصدقاء.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية استطاعت منذ 79 عاماً بناء علاقات أخوية وصداقة متينة مع الدول الشقيقة والصديقة على مستوى العالم فإننا نستطيع الجزم بأن علاقات الجمهورية اليمنية مع المملكة العربية السعودية تتجاوز الجغرافيا وكل الرسميات والبروتوكولات باعتبار أن العلاقات المتينة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين ليست وليدة اليوم وإنما هي علاقة أخوية متينة متجذرة، وضاربة أعماقها في التاريخ قائمة ومستمرة منذ القدم قوامها الإسلام والعروبة والجوار والتاريخ المشترك وتمدها عدد من العوامل الهامة المتمثلة في الامتداد الجغرافي والاجتماعي والثقافي والتجانس في العادات والتقاليد والترابط المتين الذي تجذرة يوماً بعد يوم المصالح المشتركة بين أبناء البلدين بمزيد من الحيوية والخصوصية والتفرد.
وتربط بين الشعبين الشقيقين الجارين روابط تاريخية وثقافية وإنسانية قوية تمثل رصيداً مهما في الوصول إلى مرحلة الشراكة الكاملة بل نستطيع
القول الاندماج.
وتتميز العلاقات اليمنية – السعودية بأنها علاقات إستراتيجية وعلاقات شراكة قوية فتحت أفاقها توقيع اتفاقية الحدود بجدة عام 2000م ومواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اليمن أرضا وشعبا وإنسانا تعكس عمق ومتانة العلاقات الأخوية التي تربط قيادة وشعب المملكة باليمن.. كما أن العلاقات الأخوية الحميمة التي تربط فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود انعكست إيجابيا بما يخدم البلدين والشعبين الشقيقين ويحقق مصالحهما المشتركة.
وهذا هو الأمر الذي جعل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز يطلق تصريحاته، المؤكدة بان اليمن جزء من النسيج الخليجي وهي ستنظم يوما ما إلى مجلس التعاون الخليجي شئنا أم أبينا.
وليس ببعيد علينا موقف خادم الحرمين الشريفين الخاص بضرورة استيعاب المزيد من العمالة اليمنية في دول مجلس التعاون والذي تبنته القمة الخليجية الأخيرة في مسقط. كما انه ليس ببعيد علينا المواقف السعودية القوية والواضحة الداعمة لوحدة اليمن وتقدمه واستقراره والتي جاءت على لسان أكثر من مسؤول في المملكة ابتداء من خادم الحرمين الشريفين وولي عهدة الأمير سلطان بن عبد العزيز وسمو النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف ين عبد العزيز والأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وكلها مواقف واضحة، تؤكد على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وان امن المملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من امن اليمن والعكس كما تؤكد ان ما يمس اليمن يمس المملكة.
وللمملكة العربية السعودية مواقف مشرفة وأصيلة في دعم اليمن في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وتدرك القيادة السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلطان بن عبد العزيز جيداً ان انضمام اليمن لمجلس التعاون سيمثل عامل أمن واستقرار لمنطقة الجزيرة والخليج في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة كما انه سيضيف قوة إلى مجلس التعاون من خلال التكامل الاقتصادي والبعد السياسي والعسكري والأمني وكلها أبعاد مهمة في تكاملها واندماجها وسيؤدي ذلك إلى حماية منطقة الجزيرة والخليج من المخاطر التي تتهددها وسيشكل انضمام اليمن كدولة سابعة لمجلس التعاون الخليجي، إضافة نوعية لدول المجلس بما تتميز به اليمن من قوة بشرية وسوق واسعة للمنتجات الخليجية.
كما ان التنسيق والتعاون في مكافحة الإرهاب في أعلى مستوياته وحقق نجاحات باهرة وأدى خلال السنوات الماضية إلى تحقيق نتائج إيجابية مثمرة بين البلدين لان رؤيتهما في هذا الجانب متطابقة والتنسيق والتواصل دائم ومتطور ويخدم استقرار البلدين الشقيقين والمنطقة بشكل عام وفي مجال الدعم الاقتصادي والتنموي تعد المملكة العربية السعودية الشقيقة الشريك التجاري الأكبر لليمن وهو ما يعكس بجلاء عمق وتميز العلاقات الثنائية التي تربط البلدين الجارين.
واليمن حريصة كل الحرص على تشجيع التجارة البينية مع كافة دول الجوار ولا سيما المملكة العربية السعودية وهذا الحرص ينطلق من قرار استراتيجي اتخذته الحكومة اليمنية انطلاقا من استيعابها لأهمية التكامل والتبادل التجاري والاقتصادي بين دول المنطقة وبما يخدم ويرسخ من منظومة العلاقات المتبادلة.
فإذا كانت اتفاقية الحدود البرية والبحرية الموقعة بين البلدين الشقيقين في جدة عام 2000م قد فتحت آفاق واسعة لتعزيز علاقات البلدين الشقيقين وشكلت بداية لمرحلة ذهبية في العلاقات بينهما رسمياً وشعبياً فإن مجلس التنسيق اليمني- السعودي برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور عن جانب اليمن وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد عن الجانب السعودي يرعى وينمي هذه العلاقات وقد استطاع بنشاطه الدوري والمنتظم أن يخطو خطوات اقتصادية وتنموية وأمنية وسياسية إلى الأمام.
وتقدم المملكة العربية السعودية الشقيقة للتنمية في اليمن كل الدعم لليمن لكن ما يؤكده الواقع أن المملكة تعتبر سلامة ومتانة علاقتها باليمن كأحد ثوابتها الوطنية التي لن تفرط بها بأي حال من الأحوال لأن ما يحدث في اليمن ينعكس سلباً وإيجاباً على الساحة السعودية وبصورة تلقائية والعكس صحيح. كما ان اليمن بالمقابل تعتبر علاقتها بالمملكة إستراتيجية ومتينة.
ويبقى مجلس التنسيق السعودي اليمني هو الرافعة القوية لتعزيز وتطوير مجالات التعاون الاقتصادية والتنموية والأمنية، ويرصد جدول أعمال مجلس التنسيق اليمني – السعودي في دورته الـ19 القادمة دعم تنموي سعودي لليمن يتضمن العديد من المشاريع تصل تكلفتها إلى حوالي مليار ريال سعودي هذه المشاريع تتوزع على مشاريع التنمية الريفية والضمان الاجتماعي وجزء منها ستذهب في طريق عمران المزدوج والمعاهد الفنية والتقنية والجامعات كما تركز الاتفاقيات التي سيتم التوقيع عليها خلال دورة المجلس على استمرار دعم عدد من المشاريع التنموية في اليمن وكذلك دعم الصادرات بين البلدين.
كما يهدف التعاون السعودي اليمني إلى رقعة التعاون في مجال التعليم الفني والتدريب المهني بإقامة توأمة بين كليات مجتمع يمنية وكليات تقنية سعودية وكذلك اتخاذ الإجراءات الهادفة إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال التعليم العالي والبحث العلمي وإنشاء جامعة يمنية - سعودية مشتركة في كلٍ من صنعاء والرياض.
ولقد كان للمملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدور الأكبر في نجاح مؤتمر المانحين بلندن والذي انعقد لحشد المانحين لتأهيل الاقتصاد اليمني للاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي كما كانت المملكة العربية السعودية أكبر دول خليجية تقدم الدعم لليمن.
كما ان التسريع بانضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي هو هدف مشترك لليمن والمملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج ويعتبر تطور حجم التبادل التجاري بين البلدين أحد المجالات التي تشهد تطورا مستمرا وعلامة مهمة خلال الأعوام الخمسة الماضية حيث بلغ في عام 2008م أكثر من ثلاثة مليارات ريال سعودي.. مقارنة بـ3251 مليون ريال يمني حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2007م منها 2738 مليون ريال يمني صادرات سعودية للجمهورية اليمنية و513 مليون ريال يمني واردات المملكة من الجمهورية اليمنية.
وهناك سعى حثيث من البلدين إلى تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري من خلال إنشاء المدن والمناطق الصناعية والتجارية بين البلدين وإطلاق مفهوم الاستثمار في الموانئ التجارية لتعزيز وسهولة نقل البضائع وتصديرها إلى دول العالم.. كما أن مؤشرات الاستثمار تشهد بين البلدين تطورا حيث يوجد أكثر من 340 مشروعا مشتركا بين سعوديين ويمنيين مقامة في السعودية حتى نهاية عام 2008 ميلادية منها 196 مشروعا صناعيا فيما يبلغ عدد المشاريع السعودية في الجمهورية اليمنية 109 مشاريع.
ومؤخراً ناقشت اجتماعات مجلس الأعمال اليمني – السعودي آلية إطلاق مشروع مدينة "الوديعة" الاقتصادية حيث ينتظر أن تكتمل الدراسات الخاصة بالمشروع الذي تزيد تكلفته عن 200 مليون دولار بعد أن حظي في وقت سابق بموافقة مجلس التنسيق السعودي اليمني وتتركز فكرة المشروع ان يكون منطقة اقتصادية متكاملة على جانبي الحدود، ويخدم التبادل التجاري والتوسع الاقتصادي.
وتعتبر هذه المنطقة الاقتصادية أحد متطلبات دخول اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي وهي تمثل خطوة أساسية لتوحيد وتنسيق السياسات اليمنية في إطار سياسات مجلس التعاون الخليجي، والتكامل في إطار المشاريع المشتركة والهدف الأساسي هو اندماج الاقتصاد اليمني مع اقتصاديات المجلس بالانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.
كما يركز مشروع المنطقة الاقتصادية على ربط ميناء المكلا بالخط البري رقم 5 الذي يمتد من محافظة جدة حتى مدينة نجران وإلى نهاية المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية ويعتبر الطريق الدولي لمنطقة الخليج وبذلك سيسهل نقل البضائع وتصديرها إلى دول العالم وبصفة خاصة إلى أفريقيا.
وتطورت بالمقابل العلاقات الثقافية والإعلامية بين البلدين الشقيقين فهناك خطوات إيجابية تمت في الجانب الثقافي والإعلامي حيث أقيمت الأيام الثقافية اليمنية في المملكة والأيام الثقافية السعودية في اليمن أعطت صورا جميلة عن التراث والفنون اليمنية والسعودية كما أقيمت أيام جامعية مشتركة بين البلدين وهناك تبادل للخبرات بين الجامعات اليمنية السعودية.
وتتواصل عرى الثقافة والمصالح بين الشعبين وعلى وجه الخصوص في الجانب الإعلامي وما الدورات التي عقدت لأكثر من مائة إعلامي وإعلامية في معهد الأمير أحمد بن سلمان الإعلامي في الرياض إلاّ دليل على مدى التواصل الإعلامي بين البلدين كذلك هناك صحفيون وإعلاميون سعوديون قاموا بزيارة إلى اليمن خلال السنوات الماضية.
ويتطلع المثقفون والإعلاميون في البلدين المزيد من الدورات والندوات والزيارات الأخرى.
وتتجذر علاقات المملكة العربية السعودية واليمن وتتعمق مصالحهما كل يوم بحكم الترابط الجغرافي والاجتماعي والثقافي فاليمن سوق رئيسي ما يزال قابلاً للتطور والتوسع للمنتجات والصناعات السعودية التي تبحث عن أسواق لمنتجاتها وتعد اليمن أرض بكر للاستثمارات السعودية كما أن بوسع الاستثمار السعودي المساعدة في تطوير الموارد الزراعية والسمكية والسياحية في اليمن.
وبالمقابل فإن اليمن تمكنها إمكانياتها البشرية وموقعها الجغرافي من لعب دور محوري في رفد الاقتصاد السعودي فلديها فائض بشري يمكن استيعابه ليس في المملكة وحدها، وإنما في كل دول الخليج وعائد هذه القوى البشرية على الاقتصاد اليمني ودخل الأسرة اليمنية مهم جداً ليس لاستقرار اليمن وإنما أيضاً لاستقرار المملكة ودول الخليج عامة.
كما أن اليمن لديها إنتاج زراعي يمكن أن يتجه إلى السوق السعودي بدون عوائق وهذا بكل تأكيد يخدم البلدين والشعبين الشقيقين ويعمل على تعزيز الأمن والاستقرار ليس في اليمن فحسب، وإنما في المملكة العربية السعودية أيضا وهذا ما يقوله قادة البلدين باستمرار حينما يؤكدون أن أمن المملكة من أمن اليمن واستقرار اليمن هو استقرار للمملكة والعكس، وهي رؤية حصيفة وثاقبة من القيادتين السياسيتين في البلدين ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.