اتهم سالم صالح محمد، مستشار الرئيس اليمني وعضو مجلس الرئاسة السابق في اليمن ممثلا للجنوب، السلطات اليمنية بأنها أقامت «تحالفا مشبوها» مع القوات الأصولية والإرهابية منذ فترة طويلة، مشيرا إلى أن ما يجري حاليا هو «انقلاب السحر على الساحر».
ونفى سالم صالح في حوار مع «الشرق الأوسط» أجري معه من مقر وجوده حاليا في دبي بالإمارات العربية المتحدة، عبر البريد الإلكتروني، صلة «الحراك» الجنوبي بتنظيم القاعدة، واتهم جهات لم يسمها بالدفاع عمن وصفهم ب«القتلة والمأجورين» لارتكاب أعمال عنف في الجنوب، وقال: إن «الحراك» ذو طابع سلمي، داعيا إلى الحوار مع قيادات «الحراك» وعناصره، وتطرق محمد في إجاباته إلى جملة من القضايا التي تخص الشأن اليمني، ومن ضمنها مؤتمر لندن المقرر انعقاده الأربعاء المقبل.
وفيما يأتي نص الحوار:
* كيف تنظرون إلى التطورات المتسارعة في اليمن والحرب الجديدة على الإرهاب والقاعدة، وهل أساليب الحكومة في هذه الحرب منطقية؟
- الإرهاب ومواجهة الإرهاب ليس جديدا علينا، وعمليات القاعدة في اليمن ليست جديدة ولا ظهورها ووجودها بهذا الشكل الذي يصوره الإعلام الأميركي والخارجي، فالشعب اليمني من جنوبه إلى شماله اكتوى بنار هذا الإرهاب والتطرف والغلو منذ سنوات طويلة مضت، وأذكر الأشقاء والأصدقاء، بأن القائد الوطني والقومي البارز، جار الله عمر، قد استشهد على أيدي هؤلاء وهو يؤدي رسالته الوطنية في مؤتمر عام لحزب الإصلاح، وأمام رئيس البرلمان ورئيس مجلس الشورى وقادة وعلماء بارزين، وسقط عدد من القادة والأبرياء جراء هذه العمليات وسبق أن طالتنا هذه العمليات الإرهابية بعد تحقيق الوحدة بأشهر، وكل هذه العمليات تعرف الأجهزة الأمنية مرتكبيها وأظهرت حرب 1994 حقائق ذلك التحالف المشبوه مع هذه العناصر الإرهابية.
الجديد في الأمر هو انقلاب السحر على الساحر، وتمرد هذه العناصر على أجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والأميركية والبريطانية التي تعاملت معها وجندتها في حروبها السابقة ضد الأنظمة الوطنية المعادية للسياسة الإمبريالية والصهيونية في المنطقة، والجديد أيضا في الأمر هو استخدام الطيران الأميركي والوطني في قصف مواقع ومعاقل، اتضح فيما بعد، أن ضحاياها هم من المواطنين الأبرياء كما حصل في المعجلة بالمحفد بمحافظة أبين، وكذا إحراق مزارع تابعة لمواطنين أبرياء في مأرب الأسبوع الماضي.
وبهذا الخصوص فإننا نحمل مسؤولية دماء هؤلاء الأبرياء الإدارة الأميركية الجديدة التي استسهلت الأمر مثلما كان عليه الأمر في عهد الرئيس (الأميركي السابق جورج) بوش وكما هو حاصل في باكستان وأفغانستان، ونوجه اللوم إلى حكومتنا الموقرة على استخدام الطيران وبدون طيار، بينما كان ولا يزال بإمكان القوات الخاصة والقوات المسلحة والأمن تطويق هذه العناصر ومتابعتها واعتقالها وتقديمها إلى العدالة لتقول كلمتها الفاصلة.
* تزايدت أزمات اليمن، وبحكم أنكم أحد القيادات الرئيسية الشريكة في قيام الوحدة، ما أسباب الأزمة القائمة في الجنوب؟ وما الحلول التي تراها لإنهاء النزاع الذي تطور إلى المطالبة بالانفصال؟ - سبق أن كتبنا في الصحف وقدمنا رؤى وأفكارا إلى كل من يهمهم الأمر، وعلى رأسهم فخامة الرئيس علي عبد الله صالح وأطراف المعارضة وقيادات في الحراك الجنوبي، وهذه الأيام أنجزنا ونشرنا وثيقة متكاملة (رؤية علاجية لقضايا وطنية خلافية) تتضمن 15 بندا نرى أنها تحدد أسباب الأزمة والتداعيات كافة، ووضعنا المخارج المأمولة للعمل بجد، وهذه الوثيقة هي تلخيص لآراء وأفكار شريحة واسعة من قيادات وشخصيات وطنية، تمثل قطاعات واسعة من أبناء الشعب التي كانت ولا تزال محل نقاش وجدل وخلاف واسعين، وأقدم الشكر لتلك الجهود الوطنية الصادقة لبعض الزملاء الأكاديميين والكتاب الذين ساعدوني في إعدادها وتقديمها لمن يهمهم الأمر، من السلطة والمعارضة والمهتمين بالشأن اليمني سواء في الداخل أو في الخارج، وليأخذوا ما يصلح منها لمعالجة الأوضاع والتحديات الصعبة وعلى الأصعدة كافة في هذا الوطن العزيز.
* كيف تنظرون إلى خروج الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض عن صمته وتزعمه للحراك الداعي إلى «فك الارتباط» أو «الانفصال»، بصرف النظر عن التسمية، وهل هناك اتصالات قمت بها معه أو مع غيره بناء على طلب من الرئيس صالح؟
- أولا الآراء أو الأفكار التي ننشرها أو نطرحها ليست لها علاقة بالموقف الرسمي أو بالموقع الفخري الذي أشغله - كمستشار لرئيس الجمهورية - ولقد تعودت على تقديم آرائي وأتحمل مسؤوليتها شخصيا كمواطن محب لبلده وأهله، وذلك منذ أن التحقت بالحركة الوطنية والقومية والأممية منذ عقود مضت في بداية الستينات من القرن الماضي.. أما ما يتعلق بالاتصال بالأخ علي سالم البيض فحاليا الأبواب مفتوحة معه منذ أن غادر سلطنة عمان الشقيقة، ولكن لا توجد مناسبة للاتصال به، ولم يكلفني الأخ الرئيس بذلك أو يمنعني أيضا من الاتصال أو الجلوس معه أو مع أحد من الزملاء المعارضين، سواء أكانوا في الداخل أم في الخارج، ونتعامل مع فخامته ومع الأخوة كافة، سواء أكانوا قيادات في السلطة أم المعارضة أو مواطنين، بالاحترام والتقدير المتبادل.
* يلاحظ أن هناك اتهامات رسمية إلى «الحراك» الجنوبي بعلاقته بالقاعدة وكذا بالحوثيين، كيف تنظر إلى ذلك؟ وهل تعتقد أن هناك قوى إقليمية أو دولية تقف وراء تأجيج الصراع في الجنوب؟
- عندما تتعدد الجهات وكل طرف يجتهد بالتصريحات من تلقاء نفسه تفتقد المواقف إلى الشفافية والصدق ويظهر التخبط، وتأتي النتائج معاكسة لما تريده هذه الجهات، ولاحظ معي أن الحرب مستمرة من دون حسم في صعدة وحرف سفيان منذ أغسطس (آب) من العام الماضي، ولاحظ، أيضا، أن هناك تضخيما لدور القاعدة في اليمن وبالذات بعدما اكتشف الأميركان تفجير طائرة عيد الميلاد والحال هكذا، لأن بعض العقول تفكر في أن تستثمر ذلك، بينما ما نحصده في الواقع هو عكس ذلك تماما: إلحاق الضرر بالمصالح الوطنية والقومية العليا، وإلحاق الضرر بالشعب، وجالياتنا في الخارج، إنه هروب للأمام وترحيل للأزمات وارتباط بأحلاف واتفاقات ستفرض شروطها واستحقاقاتها أردنا ذلك أو لم نرد، مثلما هو حال باكستان، الدولة الإقليمية الكبيرة، وحال أفغانستان والعراق المحتلتين..
أما فيما يتعلق بصلة القاعدة بالحراك الجنوبي، فبحكم معرفتي وصلتي بهذه المناطق، فهي لم تعرف وجود أي عناصر لها علاقة بالقاعدة منذ كان الحزب الاشتراكي يحكم الجنوب، وهذه محاولة من البعض للاستفادة من هذا الربط، هذه الأيام، في العلاقة مع الأميركان والدول المجاورة، وهي تهم تطلق هكذا بدون ترو وبدون احترام لعقول الآخرين ووعيهم ومعرفتهم، سواء أكانوا في الداخل أم في الخارج، وبخاصة أن الحراك طابعه سلمي وديمقراطي رغم استخدام القوة المفرطة تجاه المظاهرات التي يشارك فيها الناس، العزل من السلاح، مطالبين بحقوقهم الثابتة التي كفلها لهم الدستور واتفاقيات الوحدة يوم 22 مايو (أيار) عام 1990، وهو اليوم التاريخي، رغم المحاولات لتلطيخ سمعة هذا التوجه السلمي للحراك بدفع بعض اللصوص وقطاع الطرق وقتلة مأجورين، الكل في الجنوب والشمال يعرفونهم ويدينون أعمالهم، وما على السلطات التي تعرفهم إلا اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة العادلة.
أما فيما يتعلق بدعم الحراك الجنوبي فحاليا معتمد على عناصره الذين حولوه إلى ظاهرة يجب التعامل والحوار معها ومع قياداتها، وحسبما أوضحت ذلك في (الرؤية المنشورة). أما المواقف الرسمية لدول الجوار والأشقاء والأصدقاء فهي مع أهمية حل القضايا من خلال الحوار بروح اتفاقيات الوحدة وضرورة مراعاة حقوق الجنوب كشريك في الوحدة التي أضرت بها حرب 9419 بنتائجها المدمرة.
لكن التطورات الداخلية تتسارع والمصالح الإقليمية أو الدولية تتضارب وتتضرر، ولذا فإن المواقف تتغير وبسرعة مذهلة، من هنا فالإسراع بإنهاء نتائج حرب 9419 وإقامة الحكم المحلي كامل الصلاحيات ومحاربة الفساد ومواصلة الإصلاحات الشاملة نحو القيام بالتغيير والإصلاح الوطني وإجراء الحوار من أجل مصالحة وطنية حقيقية قبل فوات الأوان، هو المطلوب كمدخل لحل المشكلات والصراعات ومواجهة التحديات.
* شكل الرئيس علي عبد الله صالح، مؤخرا، لجنتين لحل مشكلات الأراضي وغيرها في الجنوب، هل تجدها مجدية أو ستنجح؟
- نعم إذا نزلت معجزة من السماء لمساعدة الأخ العزيز معالي الدكتور يحيي الشعيبي والأخ العزيز الدكتور رشاد العليمي، ولا أظن ذلك سيحصل، لأن اللجان السابقة برئاسة سيادة نائب الرئيس ومعالي الأخ الدكتور صالح باصرة والأستاذ عبد القادر هلال، واللجنتين التي ترأستهما أنا شخصيا وجهود المحافظين السابقين والحاليين والمجالس المحلية باءت بالفشل الذريع، لماذا؟ لأن الذي قام بالبسط على الأراضي وإيصال الأمور إلى ما وصلت إليه في الجنوب، ذوو نفوذ معروف وتحتاج المواجهة معهم إلى قوة وإرادة سياسية يقودها رئيس الجمهورية شخصيا لإعادة الحقوق إلى أهلها وإعادة الأمور إلى نصابها.
* مؤتمر لندن المنتظر حول اليمن، هل تعتقد أنه سيناقش قضية الجنوب، وكيف تنظر إلى هذا المؤتمر الذي وجهت إليه انتقادات محلية، ويعتبره البعض نوعا من الوصاية الدولية تحت لافتة الحرب على الإرهاب؟
- لا نبالغ ولا نقلل في الأمر إذ تفصلنا ساعات عن (الاجتماع) الذي سيستمر لساعتين فقط، وأكتفي بالمثل الشعبي الذي يقول «ليلة العيد تبان من قبل العشا»، وواضحة لأي متابع فهيم المواقف والآراء التي سبقت هذا الاجتماع المتفق عليه بين الدول العظمى.
* أين تكمن مشكلة اليمن بالضبط؟ وهل يعول على أحزاب اللقاء المشترك المعارضة في تبني قضايا الناس؟
- في الحقيقة نعول على الجميع بما فيهم اللقاء المشترك والحزب الحاكم والمستقلين، وهم الأغلبية، المساهمة في حل مشكلات الوطن وأزماته، وبالتكاتف والتضامن والمساعدة المتبادلة، بعضنا بين بعض ومع بعض، يمكن تجنيب الوطن هذه الحروب والصراعات والنهوض به وتنميته بما يليق وكرامة الشعب اليمني العظيم وأمتنا العربية الخالدة وديننا الإسلامي الحنيف.