خاب ظن أوساط سياسية بعد سماعها المؤتمر الصحافي الذي عقده الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس، إذ كانت تتوقع منه كلاماً يوضح فيه ما اسيء تفسيره من قبل قوى في الاكثرية في خطابه الاخير ويهدئ عبره اجواء التوتر والتشنج والخوف
التي أرخت بثقلها على الساحة الداخلية موحية بأن لبنان مقبل على مرحلة مضطربة بفعل القرار الظني المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتضمنه إتهاما لعناصر من حزب الله بالضلوع في هذه الجريمة.
إلا ان أوساطًا سياسية اخرى أكثر اطلاعًا على ما يجري تداوله بين قيادات الحزب وكوادره لم يفاجئهم ما أدلى به امينه العام، الذي ذهب من وجهة نظرها إلى حد قراءة القرار الظني المشار اليه قبل ان يقدم على ذلك من أعده وينتظر التوقيت السياسي المناسب، أي مدعي عام المحكمة الدولية القاضي دانيال بيلمار. وقد فعل ذلك بعد ان تبلغ فحوى القرار المذكور من رئيس الحكومة سعد الحريري الذي جاء اليه عشية توجهه إلى الولايات المتحدة الاميركية قبل اشهر قائلا له : " يا سيد في شهر كذا أو شهر كذا سيصدر قرار ظني يتهم افرادا من حزب الله وهؤلاء جماعة ليسوا منضبطين وليس هناك اي علاقة للحزب، وأنا قد وعدتكم سابقاً انه اذا جرى هكذا شيء اخرج إلى الاعلام واقول ان الحزب ليس له اي علاقة وهؤلاء الناس ليسوا لهم اي علاقة، لكن هناك اناس غير منضبطين وهم الذين قاموا بهذا الموضوع".
بهذه العبارات روى نصر الله جانبًا من الحوار الذي دار بينه وبين الحريري من دون ان يكشف عما أبلغه لمحدثه باستثناء تأكيده عدم وجود حتى "ربع عنصر" غير منضبط في الحزب، فيما حاولت مندوبة محطة " أو.تي.في " التلفزيونية التابعة للتيار الوطني الحر، الذي يتزعمه حليف الحزب النائب العماد ميشال عون، الحصول من السيد نصر الله على جواب حول ما تردد عن انه في لقائه المذكور مع رئيس الحكومة أبلغ الأخير ان أي إقحام لحزب الله في قضية اغتيال الرئيس الحريري لن يؤدي إلى أحداث شبيهة بما حصل في أيار/مايو العام 2008 بل إلى 70 ايار اخرى. وقد تعمد الأمين العام على ما يبدو تفادي الرد بشكل مباشر على ما طرح عليه، معتمدا أسلوب التلميح دون التصريح بقوله: " إن حزب الله يدرس أموره جيدًا ويتحمل المسؤولية وهو لا يريد إستباق الامور"، وكرر أكثر من مرة القول إن حزب الله "معتدى عليه"... وعندما يعتدى علينا نعرف جيدًا كيف ندافع عن أنفسنا".
واذا كانت الأوساط السياسية القريبة من حزب الله تتوقف عند وصف نصر الله القرار الظني ب "العدوان"، فإنها تقرأ في هذا الكلام أيضًا تعبيرًا عن جهوزية الحزب لمواجهة الحرب الجديدة التي تشن عليه متخذة من المحكمة الدولية غطاء لها. واذا كانت الحرب المقبلة هذه في حال حصولها تبدو سياسية بامتياز في الوقت الراهن فإنها لن تقل خطورة عن الحرب العسكرية التي خاضها الحزب في مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي شن على لبنان في العام 2006، والذي ما كان ليتم لولا موافقة الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا جاك شيراك آنذاك وعدم إعتراض دول عربية وإقليمية وازنة عليه.
من هنا ترى هذه الاوساط نفسها ان السيد نصر الله، وبعد المتغيرات الايجابية التي طرأت على العلاقات السورية- السعودية، يأمل من الرياض وان لم يذكرها بالإسم، ان تقوم بالدور المنتظر منها في هذا الشأن. وقد عبر عن ذلك صراحة لدى إجابته عن سؤال "متفق عليه" مسبقًا حول مدى قدرة رئيس الحكومة أو المملكة العربية السعودية على القيام بأي مبادرة بالقول: "هم يستطيعون فعل الكثير والذهاب إلى من يقوم بلعبة الأمم والقول له ان البلد لا يحتمل ذلك لأن ما حصل لعب، ولكن انا لا أطلب منهم شيئا وليفعلوا ما يريدون".
هذا ويترقب حزب الله ما سيصدر عن الحريري في المؤتمر العام الذي يعقده "تيار المستقبل" غدًا حيث تأمل الأوساط القريبة من الحزب ان تكون مواقفه مما ادلى به أمينه العام في مؤتمره الصحافي حاسمة خصوصًا بشأن تعاطيه مع القرار الظني في حال توجيهه أصابع الإتهام للحزب، مسجلة في هذا الإطار إستياءها مما سمعه منه نصر الله عن إمكانية وجود عناصر منضبطة في الحزب ومشاركتهم في اغتيال والده. وان في معرض الإتهام إبداء الحرص والإستعداد على التعاون للبحث في ما يجب فعله بهذا الصدد.
وذكرت هذه الاوساط ان ما صدر عن نواب في "تيار المستقبل" من إنتقادات للسيد حسن نصر الله بعد خطابه الذي سبق مؤتمره الصحافي لا يوحي بالإطمئنان، وقد عبر عن ذلك رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) النائب محمد رعد في حديثه لمجلة "الافكار" الصادرة اليوم، ولدى سؤاله ما اذا كان الحزب تبلغ رأي الحريري في ما قاله نصر الله حيث اجاب " لقد إستمعنا إلى رأي الحريري على لسان نوابه"، إلا ان الاوساط نفسها لاحظت شيئًا من التبدل في تصريحات عدد من قيادات "تيار المستقبل" غداة المؤتمر الصحافي لنصر الله أعلنت فيها رفضها لأي قرار ظني يصدر عن المحكمة الدولية لا يتضمن أدلة واثباتات دامغة، كونها تنشد الحقيقة ومعرفة من قتل الرئيس الحريري لا الإنتقام أو الثأر من هذا الفريق أو ذاك على حد قول اثنين ممن يصنفان في عداد "صقور المستقبل"، هما الوزير السابق النائب الدكتور احمد فتفت والنائب السابق مصطفى علوش.
وأملت الأوساط القريبة من حزب الله ان يكون ما تحدث به فتفت وعلوش مؤشرًا على المنحنى الجديد الذي سيتخذه الرئيس الحريري بعد تلقيه "رسالة نصر الله التي اعد لها ردًا اوليًا ظهر في حديث صحافي نشر صباح اليوم، اوضح فيه انه في موضوع اغتيال والده يتصرف على أساس انه أولا نجل الضحية وهو والده، وثانيًا رئيس حكومة ورجل دولة.