حلت أزمة الشباب اليمني واغترابه عن واقعه في موضوع فوتوغرافي جال في مدينتين أوروبيتين قبل أن يستقر على شبكة الانترنت. وترصد الصور التي التقطتها عدسة المصور اليمني جميل سبيع (30 سنة) تجليات اغتراب اليمنيين عن واقعهم وقفزهم عن همومهم في اتجاه قضايا خارجية، ما يشكل مفارقة في التفكير والسلوك.
ويرشح من صور المعرض الذي أقيم أخيراً في النورماندي الفرنسية وبرشلونة الاسبانية تحت عنوان «اليمن أخيراً» مدى التزييف الحاصل في الوعي ما يجعل كثيراً من اليمنيين يتجهون كلية نحو قضايا خارجية ويتناسون قضاياهم المحلية.
وتُظهر الصور التي التقطت في مناطق ومناسبات مختلفة، تجليات ما يوصف بالهبّات اللاعقلانية لجموع من اليمنيين ومنها احتشاد وتدافع جموع الشباب وطلاب الثانويات والجامعات في مهرجانات ومسيرات تنظم لمناسبات مختلفة مثل أحداث غزة والعراق. في مشهد يندر أن يوجد حين يتعلق الأمر بالقضايا التي تمس حياة اليمنيين مثل ارتفاع الأسعار وتفشي الفساد الحكومي والسياسي وتدهور الأوضاع.
وتعد فكرة توظيف الفوتوغرافيا في تناول قضايا في شكل نقدي فكرة جديدة في اليمن خصوصاً لجهة العمل على موضوع محدد. ويندر في الصحافة اليمنية نشر تحقيقات مصورة.
ويوضح سبيع أن فكرة الموضوع أتته إثر رسائل نصية قصيرة كان يتلقاها من إحدى شركات الهاتف المحمول تدعو إلى التبرع لفلسطين. ويضيف: «من هنا أتت فكرة كيف أن اليمنيين ينشغلون بقضايا خارجية ويتناسون قضاياهم المحلية»، مشيراً إلى دور الإعلام والمنظومة السياسية في الدفع بهذا الاتجاه.
ومعلوم أن الأحزاب وكثيراً من منظمات المجتمع المدني في اليمن غالباً ما تنصرف إلى قضايا فضفاضة وتتناسى دورها الأساس. وتوجه اتهامات إلى نقابة الصحافيين بالانخراط في قضايا سياسية وإهمال دورها في الدفاع عن حقوق الصحافيين.
وكانت الصدفة وراء علاقة سبيع بالكاميرا قبل 5 سنوات خلال مشاركته في ورشة نظمها المركز الثقافي الفرنسي في صنعاء في مجال الإخراج السينمائي. ويقول أن المدرب الفرنسي أعطاه كاميرته ليلتقط صوراً. وعندما تصفح ما التقطه أعجب بالصور طالباً من سبيع أن يهتم بالتصوير الفوتوغرافي.
وما زال حضور الفوتوغرافيا في المجال العام محدوداً. ويعتقد سبيع أن عمل المصور الفوتوغرافي الحر لم يترسخ بعد كمهنة. مستدلاً إلى ذلك بغياب مهنة مصور في قائمة الوثائق الثبوتية مثل جواز السفر. ويرى أن الظروف العامة غير مهيأة تماماً لإنجاز أعمال فوتوغرافية مميزة، خصوصاً في ظل المعوقات «فالمصور بالنسبة إلى العسكر هو عدو والصورة عند بعض الصحافيين غير مهمة». ويروي أنه عندما يقوم بجولة في شوارع صنعاء لالتقاط صور فانه غالباً ما يواجه بالمنع. وتطرح عليه أسئلة من قبيل: «لماذا وكيف وهذا ممنوع وهذا عيب».
وسجلت حوادث احتجاز مصورين هواة ومحترفين بعضها لا يخلو من طرافة، ومن ذلك احتجاز حراس منزل شيخ قبلي مصوراً هاوياً كان يحاول التقاط صورة للمنزل بسبب ما بدا انه تشويه للطراز المعماري اليمني. وفي وقت سابق احتجز الأمن القومي (الاستخبارات) مصوراً في وكالة «سبأ» الرسمية على خلفية تصويره الجسور المشيدة حديثاً في صنعاء.
وكان اليمن منذ القدم موضوعاً لأعمال فوتوغرافية ينفذها غربيون. ويرشح من تجربة سبيع إمكان ظهور توجهات فوتوغرافية مضادة تتخذ من الغرب أو العلاقة معه موضوعاً فوتوغراغياً. وأنجز سبيع خلال رحلته الأوروبية صوراً كثيرة ويفكر بتنفيذ معرض بعنوان «الغرب بعيون يمنية».
ويقول المصور اليمني الذي تخرج حديثاً في قسم اللغة الفرنسية أن تجربة مشاركته مع نحاتة فرنسية في عرض صور على أطفال في مركز متخصص برعاية المعوقين ذهنياً في نورماندي كانت «جديدة ومختلفة» حيث بقي أسبوعين يتعامل مع مجموعة من ذوي الحاجات الخاصة، «فكيفية أن تلتقط صوراً يومياً للأشخاص أنفسهم وفي المكان ذاته، يدفعك إلى ابتكار زوايا جديدة». أما معرض برشلونة فقد أقيم على هامش أعمال المؤتمر العالمي لدراسات الشرق الأوسط.
وعلى رغم غياب التصوير الفوتوغرافي عن اهتمامات المؤسسات التعليمية إلا أن ثمة شباناً باتوا يولون هذا المجال اهتماماً ويحاولون محاكاة النماذج الغربية في أعمالهم. ووفق سبيع فأن التصوير بالنسبة إليه كان هواية» أما الآن فأصبح هواية ومهنة». ويرى أن لا وقت محدداً لالتقاط الصورة، «فما يجعلك تبرز كاميرتك هو الحدث أو المشهد».
وفي ما يبدو انه محاولة لتعريف الآخر غير الناطق بالعربية بوجود تجارب فوتوغرافية يمنية حرص سبيع أن تحوي مدونته www.jameelsubay.blogspot.com التي أطلقها باللغتين الانكليزية والفرنسية تعريفاً موجزاً عن المعرض وتعليق على الصور.