arpo28

المصريون ينتقمون من البلطجية بقتلهم وبتر أوصالهم وسحل جثثهم

قبل إندلاع ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، كان البلطجية جزءا من الإستيراتيجية التي تدير بها وزارة الداخلية والحزب الوطني البلاد، حيث كانت الأجهزة الأمنية ولا سيما جهاز أمن الدولة المنحل يستخدم جيشاً من المجرمين يزيد عدده على 500 ألف شخص في قمع المعارضين والناشطين السياسيين وتزوير الإنتخابات النيابية. وكان أبرز إستخدام من قبل نظام مبارك للبلطجية أثناء الثورة، حيث حشد الآلاف منهم للإعتداء على المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير يومي 3 و4 فبراير- شباط الماضي في ما عرف إعلامياً ب"موقعة الجمل".

ولكن بعد نجاح الثورة في إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وحل جهاز مباحث أمن الدولة، وإسقاط هيبة الشرطة، إنفرط عقد البلطجية، وراحوا يعثيون في الأرض فساداً، وأصبحوا يعملون لحساب أنفسهم، يسرقون وينهبون ويمارسون عمليات السطو المسلح على المحال التجارية والمصانع والشركات، فضلاً على إنتشار أعمال قطع الطرق والإستيلاء على سيارات المواطنين وتجريديهم من ممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، وخطف الأطفال ومقايضة أسرهم على حياتهم مقابل مبالغ ضخمة من المال. وصارت مصر كلها تحت رحمة البلطجية في ظل تقاعس الشرطة عن القيام بدورها في حماية الأرواح والممتلكات.

لم يجد المصريون بداً من الدفاع عن أنفسهم، ورد الصاع صاعين للبلطجية، حيث أبدعوا طرقاً بشعة للإنتقام من البلطجية ووضع حد لإجرامهم من خلال مهاجمتهم بمنازلهم أو بأوكارهم في صورة مجموعات كبيرة من الناس، والقبض عليهم وقتلهم، ثم تقطيع أوصالهم وسحل جثثهم في الشوارع، وتكررت تلك العملية الإنتقامية أكثر من مرة، وسط تأييد شعبي واسع النطاق وإنتقادات حقوقية وصمت رسمي.

نصف مليون بلطجي

ووفقاً للإحصائيات، فإن نحو 500 ألف بلطجي أي مجرم جنائي "مسجلون خطر" يتنشرون في أنحاء الجمهورية، منهم نحو 95 ألف هاربون من السجون أثناء الثورة، وهناك عشرة ملايين قضية بلطجة منظورة أمام القضاء، وهذا ما يفسر سر لجوء المجلس العسكري إلى محاكمة البلطجية عسكرياً، لاسيما بعد الحكم بعدم دستورية قانون البلطجة الذي صدر منذ عدة سنوات.

نهاية بشعة لبربار

كانت بالبداية في مدينة دسوق محافظة كفر الشيخ، حيث حاصر المئات من أهالي حي المنشية منزل أحد البلطجية ويدعى أحمد بربار، بعد الإفطار، وإقتحموه ثم أخرجوه منه وأحرقوا المنزل، ثم قتلوه وقطعوا أوصاله وطافوا بجثته أنحاء الحي، قبل أن يلقوا بها أمام قسم الشرطة وقد فصلوا الرأس عن الجسد. لكن ما جعلهم يقدمون على تلك الخطوة الإنتقامية؟ والإجابة تأتي مؤكدة أن "بربار" مسجل خطر من الفئة "أ" متخصص في أعمال البلطجة وفرض السيطرة والسرقة بالأكراه وتجارة وتعاطي المخدرات، وهارب من سجن وادي النظرون أثناء الثورة، حيث كان يقضي عقوبة السجن لمدة عشر سنوات، ولديه سجل جنائي حافل بالجرائم الخطيرة، وسبق اتهامه في23 قضية مابين شروع في قتل وسرقة بالإكراه وبلطجة وإغتصاب ومخدرات وحيازة سلاح أبيض وسلاح ناري وأقراص مخدرة وفرض إتاوات وإحداث عاهة.

ومنذ هروبه من السجن دأب على فرض إتاوات أي تحصيل مبالغ مالية من الأهالي غصباً عنهم بصفة دورية، حتى لا يحرق لهم منازلهم أو يحدث عاهات مستديمة في أطفالهم، وكان الجميع يرضخون له خشية بطشه، إلى أن زاد في إجرامه، فلم يكن أمامهم سوى مواجهته، وإحراق منزله وقتله ثم سحل جثته في الشوارع، وهم يهتفون "الله أكبر"، فيما تعالت زغاريد النساء وتصفيق الأطفال.

ورغم بشاعة الفعل، إلا أنه لاقى إستحسان غالبية المصريين، لاسيما أنهم يعلمون جيداً أن الأبشع هو بقاء البلطجي حراً طليقاً، ما شجع الكثير منهم على تكرار السيناريو بحزافيره في مناطق أخرى، ففي مدينة بورسعيد شرق القاهرة، أقدم الأهالي على مهاجمة بلطجي وقتله، إنتقاماً منه، لأنه دأب على الإعتداء عليهم وإبتزازهم مالياً، وسرقتهم بالأكراه.

سحل بلطجي وبتر أوصال أربعة آخرين

وفي القاهرة، وتحديداً في منطقة بولاق الدكرور الشعبية المزدحمة، كان الأهالي يعيشون في حالة دائمة من الرعب والفزع، بسبب إنتشار البلطجية بالحي، ودأبهم على قطع الطريق الدائري، وسرقة المواطنين بالأكراه جهاراً نهاراً، وكان لمقتل رجل بسيط على أيديهم بعد سرقة سيارته منه، وقعاً مؤلماً عليهم، حيث كان الرجل يعول أسرة مكونة من أربعة أطفال، بالإضافة إلى والديه المريضيين. لم يكتف البلطجية بذلك، حيث حاولوا سرقة توك توك من صاحبه مرة أخرى، وإقتادوه تحت تهديد الأسلحة النارية للمزارع القريبة من المنطقة، لكنه أستغاث بصوت مرتفع، فهرع الأهالي لنجدته، وإستطاعوا القبض على خمسة من البلطجية، وإنهالوا عليهم بالضرب المبرح، ففقد أحدهم عينه، وتركوه ينزف، وربطوا أحدهم من قدميه في دراجة نارية وطافوا به شوارع المنطقة، بينما كان العشرات يطعنونه بالسكاكين، حتى لفظ أنفاسه، فيما تولت مجموعة ثالثة من الأهالي تأديب أربعة بلطجية آخرين من خلال تعليقهم على جذوع الشجر وجلدهم ثم بتر أيديهم.

إرتياح شعبي

شعبياً، تلقى عمليات قتل البطجية والتمثيل بجثثهم إرتياحاً واسعاً بين المصريين، لاسيما أنهم يعتبرونه بمثابة رادع نفسي للبلطجية في ظل الغياب الأمني عن الشارع، ويقول محمد بدوي فني مصاعد بالجيزة ل "إيلاف" إن هذا هو العقاب الأمثل للبلطجية الذين جعلوا من حياتنا جحيماً لا يطاق، وأضاف أن البلطجية أشاعوا الرعب في قلوب الناس، فلم يعد أحد قادر على الخروج ليلاً، وإلا فإن حياته في خطر، حيث يتنشر البلطجية في كل مكان ويتربصون بالمارة وراكبي السيارات، ويستولون منهم على متعلقاتهم تحت تهديد السلاح، وقد يقتلون الضحية لو حاول مقاوتهم. كما أن بعض الناس يخشى على الخروج من المنازل ليلاً للعمل، خشية أن يقتحم البلطجية منازلهم وسرقتها الإعتداء جنسياً على بناتهم وزوجاتهم. مشيراً إلى أن الجميع في بولاق الدكرور سعداء بالقصاص من البلطجية، ولفت إلى أنه منذ القبض على هؤلاء البلطجية وقتل أحدهم وقطع أيدي الآخرين، إنخفض معدل السرقات بالإكراه في المنطقة إلى الدرجة صفر، وصار الجميع يسير في أمان. وإنتقد بدوي القبض على الأهالي الذين قاموا بمعاقبة البلطجية، مشيراً إلى أنهم فعلوا ما هو صحيح، لأنهم لو سلموا البلطجية لقسم الشرطة سيتم الإفراج عنهم، ويعودوا لينتقموا ممن قبض عليهم من الأهالي.

عقاب مستحق

ورغم بشاعة الإنتقام، إلا أن البلطجية يستحقونه، إنهم يفعلون الشيء نفسه بالبسطاء، هكذا تحدثت أمنية سليم طالبة بالجامعة لـ"إيلاف"، وقالت إن البلطجية يقطعون الطرق ويستولون على متعلقاتهم وأموالهم، بل و يقتلونهم، وتابعت: مازالت أتذكر كيف أنهم سرقوا توك توك من صاحبه بمنطقة العمرانية، وقتلوه وسحلوه في الشوارع، ثم علقوا جثته على باب منزله أمام أطفاله. ماذا فعلت الشرطة؟!، إن قتل هؤلاء بمثابة دفاع عن النفس، وينبغي عدم محاكمة قاتليهم، إنهم كانوا في حالة دفاع عن النفس.
رفض حقوقي

حقوقياً، يرفض الناشطون الحقوقيون عمليات الإنتقام من البلطجية بتلك الطريقة البشعة، ويقول شريف هلالي رئيس المؤسسة العربية لدعم حقوق الإنسان إن الإعدام خارج دائرة القانون والقضاء مرفوض تماماً، وأضاف لـ"إيلاف" أن العقاب بهذه الطريقة يدخل مصر في حالة من الفوضى، مشيراً إلى أنه في حال إلقاء الأهالي القبض على أي من البلطجية يجب تسليمه إلى الشرطة، لتقديمه إلى القضاء، وليس قتله أو بتر أعضائه أو التمثيل بحثته. داعياً الشرطة إلى ضرورة العودة لممارسة دورها بكل فاعلية للمكافحة الجريمة التي تفشت في المجتمع بشكل غير مقبول.

زر الذهاب إلى الأعلى