يجري اتصال عبر هاتف ثريا بين طرفين في المملكة واليمن، وفي غضون ساعات ينطلق شخص بسيارته نحو الحدود السعودية اليمنية موقتا مرور دوريات حرس الحدود، ليعبر بسيارته إلى داخل المملكة حاملا أسلحة تم الاتفاق على شرائها في “سوق الرقو” داخل محافظة صعدة اليمنية.
وبالتوازي مع ذلك ينطلق عشرات الأفارقة من جوار “سوق الرقو” حاملين الأسلحة إلى داخل المملكة، ويتحركون في مجموعات تتواصل فيما بينها بهواتف نقالة، وبمجرد إغلاق هاتف أحد هذه المجموعات يعلم الآخرون أن أفرادها ضبطوا فيغيرون طريقهم الذي يسلكونه نحو أراضي المملكة لتسليم ما يحملون من أسلحة مهربة.
“الشرق” زارت “سوق الرقو” في محافظة صعدة اليمنية والتقت أحد الحمالين الذي طلب مبلغا ماليا مقابل الحديث حيث قال “نحن في طريق جهنم للبحث عن الحياة نظرا لحاجتنا الملحة للمال والمعيشة، نعمل على تهريب الأسلحة لعصابات مسلحة مقابل مبالغ مالية مجزية إلا أن الخطر ينتظرنا في كل اتجاه فإن صادفنا حرس الحدود فمصيرنا القتل، وإن لم ننجح في إيصال ما قمنا بحمله فمصيرنا القتل”، أما حمال آخر فقال، “السعودية جنة وذهب ومال، ولكن الطريق نحوها خطير فرؤساء العصابات شرسون وقد نُقتَل في أي لحظة سواء إذا كنا هاربين من حرس الحدود أو وجدتنا عصابات أخرى تعمل ضدنا”.
وفي دلالة على حجم تهريب السلاح وجهود رجال الأمن أوضح الناطق الإعلامي لشرطة جازان، الرائد عبدالله القرني أن أفراد الشرطة بمركز آل زيدان لاحقوا مجموعة من المتسللين أول أمس، بعد رصدهم في وادي المغورة، وهم يحملون “العتلات” معهم، وعندما لاحظ المتسللون رجال الأمن ألقوا ما بحوزتهم ولاذوا بالفرار، واتضح لرجال الأمن أثناء تفتيش ما كان يحمله المتسللون احتواؤه طلقاتٍ نارية لأسلحة مختلفة تبلغ 12.880 طلقة لأسلحة متنوعة.
تشتهر اليمن بأسواق الأسلحة بشتى أنواعها، وتتعدد سبل ترويجها وتهريبها وخاصة إلى السعودية عبر الحدود الجبلية بين البلدين، ولعل سوق الرقو هو أحد تلك الأسواق التي كانت محلا لعقد الصفقات بين المهربين من الجانبين، حيث تُحمَل الأسلحة من داخل اليمن إلى سوق الرقو ومنه إلى داخل الحدود السعودية بشتى السبل.
ويقع سوق الرقو في محافظة صعدة اليمنية على مشارف الحدود مع السعودية بالقرب من محافظة الداير الواقعة في المملكة، حيث لا يفصل بين هذا السوق وحرس الحدود السعودي إلا مجرى سيل وادي ضمد، فعندما تقف عند مركز حرس الحدود السعودي تشاهد على مرمى بصرك المتسوقين في سوق الرقو داخل حدود اليمن، وعند رغبتك في الدخول إلى الأراضي اليمنية فما عليك إلا الوقوف على بعد يُغيِّبُك عن أعين أفراد حرس الحدود والنزول من خلال مجرى الوادي ثم الصعود مباشرة إلى اليمن ثم إلى سوق الرقو تحديداً.
عودة النشاط لسوق الرقو
وشهد سوق الرقو مرحلة توقف جزئي لنشاطه، وخاصة في السنوات الأخيرة، وبعد أن نشط سوق عفرة على حدود منبه اليمنية، إحدى مديريات محافظة صعدة، مع محافظة الداير السعودية أيضا من جهة الجنوب، ولكن بدأ سوق الرقو في الآونة الأخيرة يستعيد مكانته وقوته.
وعند دخولك السوق، سترمقك العيون لتحدد شكل زيِّك، ولون بشرتك، وطريقة كلامك، ومشيتك، وتحركات عينيك وحتى همس شفتيك، كل هذا في دقائق، فعندما تنجح في اجتياز هذه الخطوة تكون قد حققت خطوة متقدمة تليها خطوات أشد تدقيقا، وأي زلة قد تكشف مخالفتك توجهات مجتمع هذا السوق.
غرف صغيرة لصفقات الأسلحة
والسوق عبارة عن قرية مكونة من عدة غرف صغيرة متصلة ومتناثرة ممثِّلة حوانيت ومحلات صغيرة تجد بها قطعا محدودة جداً من الأسلحة والسلع الأخرى العادية، وترى المتسوقين متكتلين هنا أوهناك في جماعات تفترش الأرض وكأنهم على موعد مع أحد ما.
وستجد سيارات هنا وأخرى هناك معظمها من الموديلات القديمة، وستلحظ هدوءًا غيرعادي يكاد يكون أقرب لمواقع العزاء الذي يسود المكان، وما أن يحل وقت العصر وتقترب ساعات المساء حتى تختلف الصورة تماما ويبدأ الحراك وخاصة عندما تقبل السيارات الجديدة مُحمَّلة بصناديق كبيرة غالباً ما تكون مغطاة بالخشب، وهذا يعني أن هناك صفقة بمئات الآلاف وصلت، فيبدأ أحد التكتلات تحت إمرة قائد معين بالتحرك لتوزيع الحمولة على أقسام صغيرة ليتم توزيعها على العتَّالين، ويبدأ التجهيز والانطلاق إلى الحدود السعودية لإيصال الحملة إلى نقطة محددة داخل أراضي المملكة، ومن طرق خاصة عبر تضاريس جبلية وعرة للغاية تساهم في سهولة التخفي.
البحث عن الحياة على طريق جهنم
ويقول أحد الحمالين ل”الشرق” أن الجوع والفقر والحاجة الملحة للعيش جعلتهم يسلكون طرق التهريب، وعندما سألناه: “ما هي السلع المهربة؟”، ردَّ: “مادة القات”، فقلنا فقط قال فقط.
وسألنا حمالاً آخر أثيوبي الجنسية، احتجنا لدفع مبلغ مالي له للحصول على المعلومات الصحيحة، حيث سرد الحكاية قائلا: “نحن في طريق جهنم للبحث عن الحياة نظرا لحاجتنا الملحة للمال والمعيشة، نحن نعمل تحت قيادات تمتهن تهريب الحشيش وترويجه من الرقو ومن مواقع داخل اليمن ومنها إلى داخل السعودية، كما نعمل على تهريب الأسلحة لعصابات مسلحة مقابل مبالغ مالية مجزية إلا أن الخطر ينتظرنا في كل اتجاه فإن صادفنا حرس الحدود فمصيرنا القتل، وإن لم ننجح في إيصال ما قمنا بحمله فمصيرنا القتل”، متسائلاً “إن تركنا ذلك فكيف لنا أن نعيش؟”.
وتعتبر الجبال من جازان وإلى عسير مقرا للعصابات المسلحة الأفريقية التي تتولى تهريب المخدرات بأنواعها إلى داخل المملكة، وهذه العصابات تقتتل فيما بينها قتالا ضاريا وخاصة في المناطق الجبلية البعيدة عن أنظار الجهات الأمنية والتجمعات السكانية.
استنطقنا شخصا آخر بنفس الطريقة فقال نفس الكلام، إلا أنه زاد عليه بقوله “السعودية جنة وذهب ومال، وهي الحلم الذي نخترق طرق الموت من البحر إلى البر للوصول إليها لتحقيق أحلامنا، ولكن هناك مخاطر تواجهنا، فرؤساء للعصابات شرسون لا قلوب لهم في التعامل مع بعضهم، وقد نُقتَل في أي لحظة سواء إذا كنا هاربين من حرس الحدود أو وجدنا عصابات أخرى تعمل ضدنا فستقتلنا وتأخذ الحمولة منا وإن أبقت على حياتنا فقد يقتلنا من يعمل معهم فالخطر من حولنا ونحن لا نعرف متى سنموت”.
الثريا للتواصل وإتمام الصفقات
ولتهريب السلاح يتم الاتفاق عبر هاتف الثريا بين طرفين في السعودية واليمن، ثم ينطلق شخص من اليمن في غضون ساعات ليخترق الحدود بعد أن تمر دوريات حرس الحدود كونها لن تعود إلا بعد ساعة أو ساعتين وبمجرد دخوله الأراضي السعودية يتسلم عربونا لا يقل عن ربع المبلغ، وتمثل السلع الموجودة في غرف سوق الرقو عينات فقط للأصناف والأنواع التي يتم جلبها -بعد الاتفاق- من مخازن بعيدة داخل مواقع القبائل اليمنية لا يعلم عنها إلا مالكها فقط، حيث يتم التحميل منها إلى الرقو حسب الكمية المطلوبة.
وحينما يصل المهربون إلى الموقع المقصود داخل السعودية، يتم تفريغ الحمولة في سيارات، تنطلق تباعا إلى أهدافها.
ورصدت “الشرق” خلال جولتها في المنطقة أن الأفارقة المتسللين عبر الحدود من اليمن وإلى السعودية هم أهم جسور التهريب وأكثرها ضمانا، كونهم يملكون بجانب سوق الرقو مخيمات من الأشرعة يقيمون فيها تكتلات تنتظر موعد وصول الحمولة ليتم الاتفاق على ثمن نقلها ودفع نصف المبلغ للحمالين قبل بدء مهمتهم والنصف الآخر عند وصولهم، فيوزعون كميات الحمولة على عشر أو عشرين حمولة ثم ينطلقون بعد حملها على ظهورهم يسيرون من خلال الجبال على أقدامهم مثنى وثلاث ورباع، وبين كل فريق وآخر ربع ساعة تقريبا تربطهم وسائل اتصال، وفي حال تم القبض على أحدهم ينقطع الاتصال فيتحول الآخرون مباشرة إلى طريق غير الذي سلكوه، متجهين بحمولتهم القاتلة إلى داخل أراضي المملكة.
ضبط 12 ألفاً و880 طلقة في يوم واحد
كشف الناطق الإعلامي لحرس الحدود بمنطقة جازان، العقيد عبدالله بن محمد بن محفوظ، عن ضبط دوريات حرس الحدود بمنطقة جازان خلال شهر صفر الماضي نحو 9403 قطع ذخيرة حية، و151 سلاحا متنوعا، و127 زجاجة خمر، و271 ألفا و822 كيلوجراما من القات، و1258 كيلوجراما من الحشيش، و24 ألفا و69 متسللا، و403 مهربين، و1750 كيلوجرام شمة، و20 كيلوجرام تنباك، و2696 كيلوجرام مواد غذائية منوعة، و98 ألفا و301 ريال، إضافة إلى 7618 رأسا من الماشية.
كما ضبط أفراد مركز شرطة آل زيدان، أول أمس، 12.880 طلقة لأسلحة متنوعة، في وادي المغورة بجبال آل زيدان بمحافظة الداير، وأوضح الناطق الإعلامي لشرطة جازان، الرائد عبدالله القرني أن أفراد الشرطة لاحقوا مجموعة من المتسللين، بعد رصدهم في وادي المغورة، وهم يحملون «العتلات» معهم، وعندما لاحظ المتسللون رجال الأمن ألقوا ما بحوزتهم ولاذوا بالفرار، واتضح لرجال الأمن أثناء تفتيش ما كان يحمله المتسللون احتواؤه طلقاتٍ نارية لأسلحة مختلفة، وأشار القرني إلى أن التحريات والتحقيقات جارية للوصول إلى الهاربين.
إلى ذلك، ضبطت دوريات الأمن بمدينة جازان، أول من أمس، أربع سيارات مطلوبة، و134 شخصا مخالفا لنظام الإقامة، و24 شخصا مخالفا للأنظمة منها حيازة إقامات مزورة.