المؤلف: مجموعة من الباحثين
الناشر: مركز المسبار للدراسات والبحوث – دبي- الإمارات العربية المتحدة
الطبعة: الرابعة -2011
عدد الصفحات: 274 صفحة من القطع المتوسط
يرى تركي الدخيل، رئيس مركز المسبار للدراسات والبحوث، أنه على الرغم من أن "الإخوان المسلمون" في الخليج، أقدم تنظيم إسلامي في المنطقة، إلا أن موضوعه محاط بسياج من السرية، ويفترض له الباحثون خصوصية وحساسية، مما جعل ملفاته عصية على فهم كثير من المهتمين بالظاهرة الإسلامية، ومن ثم أصدر المركز كتابا تحت عنوان: الإخوان المسلمون في الخليج، لمجموعة من الباحثين (ثمانية باحثين)، تناول الإخوان المسلمين في السعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان.
السعودية والإخوان.. علاقة مبكرة
تناول الباحث السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي - في دراسته التي جاءت تحت عنوان: الإخوان المسلمين والسعودية.. الهجرة والعلاقة- تاريخ بدء هذه العلاقة، بدءًا بعلاقة حسن البنا بالملك عبد العزيز آل سعود، إلى آخر مرشدي الإخوان. وشرحت الدراسة خصوصية الحالة الدينية في الدولة السعودية.
وأشار العتيبي إلى حراك البنا السياسي في مواسم الحج، وفي أحد اللقاءات عام 1936 طلب البنا من الملك عبدالعزيز إنشاء فرع للإخوان المسلمين في السعودية، فرفض الملك بدبلوماسية وذكاء قائلًا: كلنا إخوان مسلمون! وقد رفضت كل الطلبات المشابهة، إلا أن الإخوان تواجدوا كتيار فكري، وكأفراد تمتعوا بنفوذ كبير داخل المملكة في مراحل تاريخية لاحقة، كانت العلاقة بالإخوان كتنظيم في الزمان الأول – جيدة، ولم يتعكر صفوها إلا بعد الثورة اليمنية التي تمايزت فيها مواقف الإخوان والسعودية، فموقف الإخوان كان مساندا لثورة اليمن، بينما وقف الملك عبدالعزيز آل سعود ضدها، وألقى هذا الموقف بظلاله سلبا على العلاقة بين الطرفين.
بعد رحيل البنا، تعاقب المرشدون على الجماعة، (حسن الهضيبي، التلمساني، أبو النصر، مشهور، الهضيبي، عاكف، بديع)، حيث تناولت الدراسة مستوى العلاقات بين المملكة والإخوان في عهد كل مرشد منهم.
ففي العهد الناصري هاجر الإخوان من مصر بعد تعرضهم لمضايقات من قبل النظام المصري، وتوسط الملك سعود عند الزعيم جمال عبد الناصر في أزمة الإخوان الأولى، واستجيب له، ولكن الإخوان عادوا إلى المعارضة الشرسة، فعاد عليهم عبدالناصر بالتضييق، وبعد الانفراج السياسي في عهد السادات زار الهضيبي السعودية، وعقد عام 1971 اجتماعا موسعا للإخوان، تشكلت فيه ملامح التنظيم الإقليمي، الذي ضم إخوانًا آخرين من البحرين والإمارات والكويت، وعلى الرغم من هذا التوسع الجغرافي في التنظيم، إلا أن الدراسة تشير إلى أن دور الإخوان الخليجيين لم يزد عن جباية الأموال.
يرجح العتيبي أن استقطاب السعودية للإخوان تم لأسباب تتلخص في: رغبة السعودية في استقطاب العقول أيا كان توجهها، وسعيها لمواجهة المد الناصري الثوري المعادي للملكيات العربية بخطاب فكري مكافئ، بالإضافة إلى رغبتها في تطوير الخطاب الديني المحلي، لقاء ذلك سيطر الإخوان على المؤسسة التربوية، والجمعيات الخيرية ، وأيضا سعي المملكة المشروع لإثبات نفسها كدولة قائدة ورائدة وتثبيت مكانتها وثقلها السياسي في العالمين العربي والإسلامي وفي العالم أجمع.
وبعد أن ضمت السعودية إخوانا مصريين وسوريين وغيرهم من المهاجرين، تشكل السعوديون من الإخوان، وتعددت تقسيماتهم داخل المملكة، فعوضا عن التقسيمات الفكرية (قُطبِيين نسبة لسيد قُطب، وبنائيين نسبة لحسن البنا)، مال الكاتب إلى التقسيم الجغرافي لإخوان السعودية ل: إخوان الحجاز، وهم الأكثر تنظيما، وإخوان الرياض أو القيادة العامة، وإخوان الزبير.
واستدل على استخدام التنظيم الدولي للأراضي السعودي بما قاله القرضاوي: إن التنظيم كان يعقد اجتماعاته في مكة المكرمة والمدينة المنورة أثناء مواسم الحج والعمرة. ويتساءل الكاتب إن كان الإخوان قد عضوا اليد التي مدت لهم، وأنكروا جميل إيواء السعودية لهم، ليجيب نقلا عن وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز إذ يقول: الإخوان أصل البلاء، ويشير إلى تنكرهم للمملكة التي آوتهم، ظهر التنكر في موقفهم إزاء الغزو العراقي للكويت.
الإمارات.. التمدد والانحسار
كما تناول الباحث السعودي منصور النقيدان في دراسته: "الإخوان المسلمون في الإمارات.. التمدد والانحسار"، شهادة اثنين من أهم قيادات الجماعة في الإمارات، وهما محمد الركن، ومحمد المنصوري، نائب رئيس جمعية الإصلاح برأس الخيمة. وأشارت الدراسة إلى أن بدايات الإخوان المسلمين في الإمارات كانت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، متأثرة بالإخوان المسلمين في مصر والكويت، وحاول الطلاب العائدون إنشاء مؤسسة تمثلهم في الإمارات أسوة بجمعية الإصلاح الكويتية. ونجحوا في دبي ورأس الخيمة والفجيرة. ولكنهم لم يتمكنوا من تأسيس فرع في أبوظبي، والشارقة. استقطبوا عبر الجمعية الطلاب والناشئة، واستهدفوا مؤسسات التعليم، وسيطر أتباعها على الأنشطة الطلابية، وفي 1988 أصبح الإخوان المسلمون هم الصوت الأقوى في مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة الإمارات.
تزامن ذلك مع وجود ذراع إعلامية نشطة هي مجلة الإصلاح.. قامت الجمعية عبر مناشطها بحملة تشويه للنظام التعليمي الحكومي في فترة الوزير أحمد حميد الطاير، وقد اعتمد الإخوان أساليب خطابية عاطفية، يعتبرها القيادي محمد الركن دليلا على عدم نضج الجماعة حينها. وسرد النقيدان في دراسته الأحداث التي أوصلت الدولة إلى حل مجلس إدارة الجمعية وتقييد مجلتها وإسناد الإشراف عليها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية. وعلى الرغم من توتر علاقة الإخوان مع الدولة إلا أنهم تمتعوا دائمًا بعلاقة خاصة بحاكم رأس الخيمة السابق، الشيخ صقر القاسمي.
ووثقت الدراسة لقاءات ولي عهد أبو ظبي (نوفمبر2003) الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقيادات الإخوان، التي مثلت فرصة لإعادة إدماج الجماعة في المجتمع، وعدت الجماعة الشيخ بالتفكير جديا في حل الجماعة، إلا أن أحد قيادييها عاد لمجلس الشيخ بعد فترة، ومعه بيان موقع من الجماعة تؤكد فيها أنها تحظى بشعبية وقدرة على التأثير في داخل البلاد وخارجها، وأن حل تنظيم الجماعة غير وارد. وهو ما يصفه النقيدان بأنه كان السبب الرئيس في ضياع فرصة تاريخية للتصالح مع الحكومة، وأبدت الحكومة مخاوفها من إجراءات البيعة واعتبرت من يؤديها لأمير الجماعة أو مرشدها متهمًا بازدواجية الولاء ومطعونًا في انتمائه لوطنه.
كما أُلحق بالدراسة تعليق محمد المنصوري على دراسة النقيدان، وبقدر ما حاول انتقاد الدراسة، إلا أنه أثبت الكثير من معلوماتها، فأكد استفادتهم في جمعية الإصلاح من حركة الإخوان المسلمين، وأكد إشكالاته مع الأمن الظبياني، وأكد وجود البيعة حينما قطع بأنها توقفت نهائيا منذ 2003!. بدوره علق النقيدان على المنصوري وأكد أن الدراسة التي نشرها كانت توصيفًا ورصدا، وأشار إلى أنه وثّق معلوماته بزيارات للمنصوري والركن وغيرهما من أقطاب الإخوان.
الإسلام السياسي في الخليج
لم يغب المشهد الثوري الجديد عن الكتاب، فتناول الباحث السوداني عمر الترابي الإسلام السياسي في الخليج وخطاب الأزمات والثورات، متناولًا التشكيلات الإسلامية السياسية وخطابها السياسي في الخليج العربي. فوصف جماعة الإخوان بأنها الجماعة التي تقود أخواتها في الخليج، وعبر عن قدرتها على رسم خطابها وفق متغيرات براجماتية كبيرة، بعد أن انتشرت في أعقاب النكسة 1967، كان الصعود الأكبر للجماعات في الثمانينات، وظلت بين مد وجزر، فانزوت إلى أن أعادتهم أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى الواجهة، وزاد نفوذهم بعدها بدعم من الحكومات والمنظومات الراغبة في تمثيل إسلام معتدل، ولكن هذه الجماعة تعرضت في الأعوام الأخيرة لخسارة في شعبيتها بعد أن خاضت التجارب وامتحنت في مصداقية شعاراتها في الخليج وغيره، في ختام دراسته قال الترابي: إن تاريخ العمل الإسلامي في الخليج يكشف أن مهنة الإسلاميين هي اغتنام الفرص، وتطوير الخطاب إما للكسب الجماهيري أو السياسي، والآن يغتنمون فرصة نجاح الاحتجاجات العربية، واستمرار صعود نجم النموذج التركي، في محاولة لإنقاذ شعبيتهم في الخليج، للظهور بشعارات إصلاحية جديدة، تماشيا مع المرحلة الجديدة، ويراوحون بين التلويح بالاحتجاجات وشعارها، أو الدخول في حلفها والتصالح معها لضرب الآخرين.
كما تناول الباحث البحريني غسان الشهابي، الإخوان المسلمين في البحرين، وتحولات العقود السبعة، فبين أن قصة إخوان البحرين تبدأ مثل غالب الجماعات الإسلامية التي انتشت بعد هزيمة 1967، وكانت بذرتهم الأولى بعد التقاء عبد الرحمن الجودر بحسن البنا، إلا أن دعوتهم ووجهت بالصدام المبكر مع المجتمع البحريني الذي كان متحمسا للتيارات الناصرية والقومية. ومد إخوان البحرين بالأنساق الجديدة والخبرات من إخوان الكويت، وازداد وهجهم بعد تراجع التيارات اليسارية والقومية، وانتصار الثورة الخمينية الإيرانية، والغزو السوفييتي لأفغانستان (1979)، وسهل امتلاك الإخوان المسلمين في البحرين أموالا جيدة أمرَ توسيع قاعدتهم الجماهيرية، بالإضافة إلى ضعف المنافسين من التيارات السنية الأخرى.
وبمضي السنين تمكنت الجماعة من السيطرة على التعليم، وبعد الانفتاح السياسي في 2001 تم تأسيس ذراع سياسية تحت اسم المنبر الوطني الإسلامي. كما تميزت حركة الإخوان المسلمين في البحرين بمرونة حركية عالية، فعرفت كيف تتجنب الانتحار الجماعي في الملمات، وكيف تستثمر ميزاتها أيام الانفراج. ونأت بنفسها عن الصدام مع الدولة وأجهزتها.
في حين تناول الباحث العماني عامر الراشدي الإسلاميين في عمان، من خلال تيارين أولهما حركة الإخوان المسلمين كتيار حديث بامتدادها على الأرض العمانية، موضحًا أنه لم يكن الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين حكرًا على أبناء مذهب معين في عمان، إذ لوحظ أن من بين معتنقي فكر هذا التنظيم من ينتمون إلى المذهب الإباضي، إضافة إلى المذاهب الأربعة المعروفة. والتيار الثاني هو تيار حركة الإمامة بامتدادها التاريخي، وذكر محاولة استدعائها التي تمت مؤخرًا.
الوطن في فكر جماعة الإخوان المسلمين
كما تناول الكتاب مفهوم الوطن في فكر جماعة الإخوان المسلمين، في مقاربة تاريخية سياسية بدأت بمقارنة بين مفاهيم القوم والأمة في الجاهلية والإسلام، ومرورا على الوطن في فكر سيد قطب وحسن البنا، وركزت الدراسة – وهي من أخريات ما كتبه الراحل الدكتور أحمد البغدادي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت – على الوطنية في فكر الإخوان في الكويت، كما وضحت الدراسة أن كثيرا من المفكرين الإسلاميين، لم يناقشوا معنى هذا المصطلح برغم شيوع استعماله في الفكر الإنساني.
ويرى البغدادي أن التعارض بين الولاء للوطن، والولاء للحزب أو التنظيم، سواء داخل الدولة أو خارجها، من القضايا المسكوت عنها في عالمنا العربي، لذلك تقدم جماعات الولاء للتنظيم على الولاء للوطن.
أيضا يقدم الباحث السعودي مشاري الذايدي التاريخ الديني للكويت بما فيه من تسامح وتشدد، وأرَّخ لبروز الإسلام السياسي في الكويت عقب هزيمة يونيو 1967، وكل ذلك لا علاقة لشيوخ التقليد والإصلاح في الكويت به. وتناولت الدراسة حداثة النشوء الحركي للإسلاميين السياسيين في الكويت من جهة، وتشابك العلاقات في تيار الإصلاح، الذي قاده الشيخ يوسف بن عيسى، واصفًا الشيخ بأنه محور كثير من الخطوات الإصلاحية في الكويت.
وكشفت الدراسة أن الشيخ يوسف بن عيسى كان قنطرة العبور بين الكويت القديمة والجديدة، وهو الحلقة الوسطى بين المثقف الإسلامي أي الحركي السياسي، وبين رجل الدين التقليدي والمحترف، مفنِّدًا أي ادعاءات بانتسابه إلى الإخوان المسلمين. وأشار إلى نص من كتابه "الملتقطات"، نقل فيه عن عبدالله القصيمي موقفا ناقدا للإخوان، لخص عبره ابن عيسى موقفه من جوهر دعوة الإخوان المسلمين، حيث استشعر الخطر في التسييس الحاد للإسلام لدى جماعة الإخوان، مستشهدًا بما نقله على لسان شملان يوسف بن عيسى عن والده، عندما قام بطرد عبدالله المطوع، أبرز قيادات الإخوان المسلمين في الكويت.
أما آخر دراسات الكتاب كانت تحت عنوان: التنوير الإسلامي في السعودية، وفيها عرض الباحث يوسف الديني السجال حول مفهوم التنوير بين أنصاره ومعارضيه..