رغم مرور ثلاث سنوات على إصداره، لا يزال كتاب "هل كان المسيح مسلما؟" لمؤلفه رئيس قسم الأديان والعقائد في جامعة لوثر بولاية أيوا الأميركية البروفيسور روبرت شيدينغر يثير جدلا متواصلا في الولايات المتحدة، دفع بعض معارضيه إلى مطالبته بالاعتذار عن "جهله المطبق".
وبحسب ما جاء في مقدمة الكتاب، عمد شيدينغر إلى تأليفه بعد رحلة بحث مضنية استمرت طيلة عقد من الزمان، على خلفية اعتراض إحدى طالباته -وهي مغربية تدعى هدى- على الطريقة التي كان يدرّس بها الإسلام، ليتوصل إلى نتيجة مفادها أن المسيح مسلم رغم أن ولادته سبقت مجيء الإسلام بأكثر من ستة قرون، وهي نتيجة صدمت ملايين المسيحيين في الولايات المتحدة وأثارت استياءهم.
ورغم الانتقادات والاعتراضات المتكررة، لا يتردد شيدينغر من تأكيد ما انتهى إليه بحثه، حيث أعلن مرارا "رغم أنني مسيحي فإنني مضطر للقول إن المسيح كان مسلما"، مشددا على أن "الإعلان بأن المسيح كان مسلما لا يزعجني ولا يحرجني"، وأكد أن هذه الحقيقة يمكن أن تؤسس للتفاهم والتعاون البناء بين المسلمين والمسيحيين، وأن تدعم جهودهم لتحقيق السلام في العالم.
ويبني شيدينغر دراسته البحثية انطلاقا من تساؤل استفزازي مثير للفضول: هل يفهم المسلمون المسيح من خلال مقاربة تاريخية أكثر مما يفعل المسيحيون؟ ويقود هذا السؤال الباحث إلى استقصاء وتحدي سلسلة طويلة من الدراسات الدينية التخصصية، لا سيما في مجال دراسات مقارنة الأديان، متفحصا السياقات التي أدت إلى ضرورات التمييز بين السياسة والعقيدة والتي كان من بين نتائجها عزل الدين عن الأسئلة الثقافية والاجتماعية العميقة، ومنتهيا إلى خلاصات "أكثر دقة" و"أعمق احتراما" ترجح احتمالات التفاهم والتعاون المتبادل بين المسلمين والمسيحيين.
كما أن شيدينغر لا يتعامل في بحثه مع الإسلام بوصفه دينا، وإنما بوصفه حركة اجتماعية تنشد العدالة التي تطلّع المسيح إلى تحقيقها وترسيخها في مجتمعه فكان بذلك مسلما. وقال في مقابلة صحفية "لقد توجب علي إعادة التفكير بالإسلام، وانتهيت إلى خلاصة مفادها أنه (الإسلام) حركة عدالة اجتماعية، وهذا ما كان من شأن المسيح، لذلك أرى أن المسيح مسلم أكثر من كونه مسيحيا بالمعنى الروحاني لمفهوم المخلّص الذي جاء ليفتدي خطايا البشر".
وقد رفض راعي كنيسة الإنجيل المعمدانية مات والترز هذا الطرح، وقال إن "المسلمين لا يعترفون بألوهية المسيح، فكيف يمكن للمسيح أن يتبع نظاما عقائديا يصفه بالكاذب؟".
ويجادل المعترضون بأن شيدينغر صاحب "أجندة اجتماعية" تصوّر المسيح على أنه "قائد حركة اجتماعية أكثر منه قائدا روحانيا"، ويزعم هؤلاء أن تفكير المؤلف تعسفي وتوليفي يسعى لتأصيل "حقيقة لا يقبلها المسلمون والمسيحيون الحقيقيون".
غير أن البعض يرى -وانطلاقا من حقيقة أن ميلاد المسيح سبق مجيء الإسلام بـ622 عاما- أن "السؤال الأكثر واقعية ومنطقية يجب أن يكون: هل كان (النبي) محمد مسيحيا؟".
كما يأخذ البعض الآخر على شيدينغر اعتماده على دراسات وأطروحات أكاديمية ضحلة وينتقدون محاولاته إعادة تعريف مفاهيم الدين والعقيدة والثقافة وغيرها، رغم أنها مفاهيم مستقرة بأذهان الناس منذ مئات وآلاف السنين.
الجدير بالذكر أن جامعة لوثر ساندت البروفيسور شيدينغر إزاء ما يتعرض له من انتقادات، وقال متحدث باسمها إن "الإدارة تؤيد بشكل كامل أطروحة شيدينغر"