احتفل اليمن الاثنين الماضي بمناسبة مرور عام كامل على توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة التي جنبت اليمن الانزلاق في أتون حرب أهلية، وها هي اليوم تستعد لمعالجة جراحاتها الغائرة من خلال مؤتمر الحوار الوطني، المزمع انعقاده خلال الأيام القليلة القادمة، والذي يعول عليه مناقشة مختلف القضايا والأزمات والإشكاليات التي تعاني منها اليمن، حيث تأتي القضية الجنوبية على رأس تلك القضايا باعتبارها القضية الرئيسة والمحورية لمؤتمر الحوار..
الحفل كان بحضور الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية والأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون ومبعوثه إلى بلادنا السيد جمال بن عمر، وكذلك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني، ورئيسي وأعضاء مجلسي النواب والشورى وعدد من المسئولين والوزراء وسفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ..
في هذا الإطار شهدت الأيام القليلة الماضية انعقاد سلسلة من الاجتماعات لقيادات الحراك الجنوبي في الخارج، والتي توجت بلقاء المبعوث الأممي إلى اليمن السيد جمال بن عمر، حيث طرحت تلك القيادات سلسلة من المطالب غير المنطقية للدخول في الحوار، يأتي في مقدمتها اعتراف الجمهورية اليمنية بحق تقرير المصير للجنوب، وأيضاً أن يكون الحوار على أساس شمال وجنوب، وأن يكون هذا الحور خارج اليمن وبضمانات دولية من مجلس التعاون والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
صحيفة (الجمهورية) وفي إطار حرصها الدائم على متابعة القضايا الوطنية، والتي تأتي في مقدمتها القضية الجنوبية أجرت الاستطلاع التالي مع عدد من الباحثين والسياسيين لاستطلاع رؤيتهم لحل هذه القضية، ولما طرحته القيادات الجنوبية المعارضة في الخارج في اجتماعاتها مع المبعوث الأممي..
الحل العادل بالحوار
البداية كانت مع السيد جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، والذي أوضح الكثير عن هذه القضية في حواره مع الزميل حمود منصر، مدير مكتب قناة العربية في صنعاء مطلع الأسبوع الجاري، والذي أكد أن هناك إجماعاً في اليمن شماله وجنوبه شرقه وغربه على الحل العادل للقضية الجنوبية، وأنه لا يمكن أن يأتي هذا الحل العادل عن طرق العنف بل عن طريق الحوار السلمي.
- وقال السيد جمال بن عمر: إن هناك مطالب مشروعة، وهناك إجراءات يجب أن تتخذ لتهيئة الأجواء للحوار، والجميع يتفق على هذا، وهي إجراءات تتعلق بإعادة بناء الثقة.
منها ما يتعلق بالآلاف من الموظفين والعسكريين الذين تم إبعادهم من الخدمة المدنية ومن الخدمة في القوات المسلحة، وكذلك قضايا أخرى تتعلق بمسألة الأراضي وقضايا تتعلق بالمعتقلين وضحايا شهداء الحراك، كذلك موضوع جريدة الأيام، رأيي الشخصي أن هذا الموضوع يجب أن يتم حله في أقرب وقت، أنا متفائل في الحقيقة...
- وأضاف قائلاً في حواره مع العربية بأنه طرح للجميع وبشكل واضح وصريح ضرورة التأكيد على مبدأ الحوار والدخول في حوار بدون شروط، وأن هذا هو الموقف المبدئي للأمم المتحدة لمعالجة عدد من الخلافات والنزاعات، والذي يتوافق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في حالات يتم فيها نزاعات وخلاف حول قضايا من هذا النوع، وشدد التأكيد بأنه ليس هناك إلا وسيلة واحدة هي الحوار، ودائماً ننصح الأطراف على أن تتبنى مبدأ الحوار والحل السلمي ونبذ العنف والدخول في الحوار بدون شروط وبدون سقف. وقال بأن هناك أصوات تنادي بحل القضية الجنوبية حتى في الشمال ومناطق أخرى في الغرب والشرق.
وحدة وسيادة اليمن
وبالنسبة للشرط المطروح بحق تقرير المصير قال بن عمر: كما يعلم الجميع نحن نعمل في إطار قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي، وقد شرحت قرارَ مجلس الأمن، والقرار هو واضح في إشارته إلى التأكيد على وحدة وسيادة اليمن وأراضيه، نحن ما نطرحه قرار مجلس الأمن، والإشارة في هذا الجانب، لكن نحن طرحناه كذلك على أنه الحوار المباشر والجاد والبناء في إطار هذا الحوار جميع الآراء تطرح وليس هناك أي سقف، الإخوان الذين يتشبثون ويدافعون عن مبدأ تقرير المصير وفك الارتباط من حقهم أن يدافعوا على آرائهم في الحوار مع الأطراف الأخرى، وليقنعوا الأطراف الأخرى كذلك بهذا الحل، لكن نعرف كذلك على أن هناك أطرافاً أخرى لها حلول مختلفة، هناك اتجاهات مختلفة، هذا معروف في الشمال وفي الجنوب وعن كيفية حل القضية الجنوبية لكن لا يوجد إطار لمعالجة هذه القضية.
الآن الإطار موجود في مؤتمر الحوار الوطني، وسيتم معالجتها، لن يكون هناك تمييع للقضية الجنوبية، في مؤتمر الحوار الوطني سيتم خلق إطار خاص، فريق خاص، لجنة خاصة، لمعالجة القضية الجنوبية، وبوضوح حول تشكيلة هذا الإطار، كيفية اتخاذ القرارات... إلى آخره، معنى ذلك أنه هناك فرصة تاريخية لمعالجة هذه القضايا بشكل واضح وصريح وبناء، ولهذا أكدت على جميع الفعاليات التي التقيت بها على أن هذه هي فعلاً فرصة يجب أن يعملوا بشكل جدي من أجل عدم إضاعة هذه الفرصة الذهبية الموجودة الآن لأول مرة منذ سنين.
مخاطر الانفصال على الجنوب
أما الدكتور ياسين سعيد نعمان - الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني - قال في لقائه مع الفضائية اليمنية مساء الأحد الماضي: لا الوحدة مقدسة، ولا الانفصال مضمون، وقال: إن مخاطر الانفصال كبيرة جداً على الجنوب، حيث يمكن أن ينجر الجنوب إلى حروب جهوية والشمال إلى حروب طائفيه، مؤكداً أن الضامن الحقيقي لليمنيين جميعاً هو بناء دولة قوية؛ لأن الاستقواء بغير الدولة غير مضمون، فقد تتغير المعادلات في أي وقت.
وأضاف الدكتور ياسين بأنه ليس مع مشاريع النخب وإنما مع رغبات الشارع.. قائلاً بأن على قوى الحراك أن يفكروا بموضوعية وأن يبلوروا موقفاً موحداً، ومن حق الناس أن يسألوا إذا تعثر الحوار ما هو البديل؟.
وبحسب نعمان فإن الحوار والتنازل يجب أن لا يتعدى حاجة البلد إلى دولة ديمقراطية ضامنة لحقوق أبنائها، موضحاً أن المجتمع الدولي لن يتدخل في مخرجات الحوار، وإنما يسهل لعملية الحوار، مشيراً إلى أن الأحزاب السياسية مارست الإقصاء التاريخي.
الاعتذار عن حرب 94م
وأبدى نعمان أسفه لعدم الاعتذار عن حرب 94م التي هي أقذر الحروب، وقال: إذا لم يقدم الاعتذار من القوى التي شاركت فيها فمعنى ذلك أننا لازلنا نمجد منطق الحرب، متسائلاً في ذات السياق: ما الذي يمنعنا بمنطق الثورة من الاعتذار للمواطنين في الجنوب؟.. لا أستطيع أن أفهم عدم إرجاع حقوق المواطنين في الجنوب، وظهر مؤخراً أن هناك قوى كثيرة ترفض ذلك غير التي عهدناها.
وقال إنه يجب أن يعالج الجنوب معالجة عادلة، لافتاً إلى أن مخاطر الانفصال أكثر على الجنوب، وأن الاتجاه نحو الحوار مطلب موضوعي يجب أن يتم الوقوف عليه بمسؤولية.
مضيفا بأن على كل صاحب مشروع سياسي أن يكون حاضراً بمشروع سياسي في حوار غير مقيد، فلو أن آلية اتخاذ القرار في الحوار ستقمع أي مشروع سياسي أو تنتقص حق الجنوب بالتمثيل لكان من حقهم الرفض، محذراً من أن رفض الحوار سيكون له آثار سلبية معنوية على أي مشروع سياسي لا يدخل في الحوار.
مؤكداً أن هناك إجماعاً لدى جميع القوى السياسية في اليمن على الجلوس على طاولة الحوار والخروج إلى دولة ديمقراطية حديثة.
تنفيذ النقاط العشرين
من جانبه أشار وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الأستاذ حسن شرف الدين إلى أن الاختلاف والتباين موجود فيما بين رؤى عدد من القيادات الجنوبية في الخارج، وبعض قادة الحراك الجنوبي السلمي، فهناك اتجاهات مرنة لدى البعض وأخرى متشددة.
وقال: بداية يجب التأكيد على ضرورة احترام كافة وجهات النظر مهما علت أو انخفضت في نبرتها، وأعتقد أن علو سقف المطالب لبعض الاتجاهات نتاج طبيعي لما عانته المحافظات الجنوبية وأبناؤها من ظلم بالغ، احتلت بموجبه القضية الجنوبية صدارة محاور المؤتمر الوطني للحوار التي توافقت عليها اللجنة الفنية التحضيرية للحوار الوطني، اعترافاً من جميع الأطياف السياسية بأهميتها وأولويتها كمحور رئيس بالغ التأثير في رسم شكل الدولة اليمنية التي ينشدها اليمنيون،
ومع أن المشهد يبدو متأزماً إلى حد ما فإنني أعتقد أنه إذا ما تم الإسراع بتنفيذ النقاط العشرين التي رفعتها اللجنة الفنية للحوار إلى فخامة رئيس الجمهورية لتهيئة الأجواء قبل المؤتمر والتي حازت القضية الجنوبية على أكثر من نصفها فإن من شأن ذلك تليين العديد من الاتجاهات المتشددة بما يدفعها للقبول بالمشاركة في المؤتمر، كما أعتقد أن المباحثات والاتصالات مع القيادات الجنوبية في الخارج وقادة الحراك الجنوبي السلمي لن تتوقف على غير صعيد حتى عقد المؤتمر الوطني للحوار الذي أتوقع أن لا يبدأ قبل مطلع العام القادم، وهذا ما سيتيح وقتاً أكبر من الوقت للجنة الفنية التحضيرية للحوار الوطني، آمل أن تتمكن خلاله من التوصل إلى توافق مع تلك القيادات حول آليات وكيفية المشاركة في المؤتمر، كما تتاح الفرصة لكي يلمس أبناء الجنوب وإخوتهم أبناء صعدة وكافة اليمنيين إيجابيات تنفيذ النقاط العشرين بخطوات واقعية تشجعهم وتدفعهم للدخول في المؤتمر الوطني للحوار بنفوس أكثر استعداداً وتفاؤلاً للإسهام في وضع المعالجات الصحيحة للقضايا والمشكلات التي يعاني منها البلد من خلال المؤتمر وفي مقدمتها القضية الجنوبية وحتى يتمكنوا من التأسيس لدولتهم اليمنية المدنية العادلة.
تحقيق الاصطفاف الوطني
أشرف شنيف - رئيس المكتب الفني لتنظيم العدالة والبناء - قال: تعد القضية الجنوبية المدخل الرئيسي لتحقيق الاصطفاف الوطني الواسع، وذلك بالتأكيد على عدالة القضية الجنوبية، كقضية محورية ينطلق منها اليمن لبناء مستقبله الجديد، وأن المدخل للتعاطي مع مختلف القضايا السياسية يجب أن ينطلق من الرؤية التي يجد فيها أبناء المحافظات الجنوبية أسس الحل لوضع المعالجة الموضوعية بوضوح وشفافية باعتبارها قضية وطنية جوهرية.
على أن إعادة رسم ملامح الوحدة الوطنية بالشكل الذي يعزز من التلاحم الوطني، ويمكّن أبناء الجنوب من التفاعل الإيجابي في بناء اليمن الجديد، ويجب أن يتم وفق أسس توافقية تضمن العدالة والمساواة وتضمن الحقوق لكل شركاء الوحدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. لذا فإن منطلق تعاطي تنظيم العدالة والبناء ينبني على أسس تضمن الحل العادل والمنصف للقضية الجنوبية، مؤمنين بأن القضية الجنوبية تُعدّ قضية سياسية اقتصادية اجتماعية يتطلب الأمر معه اصطفافاً وطنياً واسعاً بما يضمن تحقيق التطلعات المشروعة لأبناء المحافظات الجنوبية..
مشيراً إلى أن اعتماد النظام الفيدرالي متعدد الأقاليم يُعدّ أساساً للحفاظ على وحدة الأرض والإنسان في اليمن، وبما يكفل الشراكة الحقيقية في السلطة والثروة لكل أبناء اليمن، بما في ذلك رد الاعتبار لأبناء المحافظات الجنوبية، ووفقاً للرؤية التي يتفق عليها مؤتمر الحوار الوطني.
هذا ما نؤمن به في تنظيم العدالة والبناء ووفق أسس الحوار التي تقدمنا بها سابقاً.. ومازلنا نرى ذلك حتى الآن.
كما أؤيد ما ذهب إليه الأستاذ ياسين سعيد نعمان في ذلك الشأن: «إذا لم يتحقق تغيير ويشارك فيه الجميع لن يجد الجنوبيون جنوباً يحكموه ولن يجد الشماليون شمالاً يحكموه، ولن يجد اليمنيون يمناً يختلفون عليه».
شروط غير عادلة
الأستاذة إلهام علوان - رئيسة مؤسسة غزال للمرأة والتنمية - من جانبها قالت: إن الشروط التي طرحها القادة الجنوبيون المعارضون في الخارج شروط غير عادلة، وتتعامل مع القضية وكأنها قضية شعبين, أنا مؤمنة حتى النخاع بأن اليمن وشعبها ومصيرها واحد, لو حدث وقبلنا ومشى هذا الحل ووصلنا إلى خيار فك الارتباط عبر استفتاء عليه من أهلنا في الجنوب, ماذا سيكون الوضع عليه من بقية الأطراف المؤمنة بالوحدة أو الموت, أو حتى المؤمنة به ولا ترى في العنف خيار لفرضه؟ لا أحد يمكن أن يتنبأ برد الفعل! ماذا عن وضع المواطن الجنوبي في الشمال والعكس؟ ستكون هناك آثار سلبية واقتصادية واجتماعية ليس من السهل بمكان حلها, قد تكون النتيجة عدم الاستقرار في هذه البقعة من العالم إلى أبد الآبدين, وتضيف قائلة: الحل سهل, عبر إرجاع الحقوق لأهلها، وجميعنا نعرفها من وظائف وأراضي وغيرها, والعدالة للمنتهكة حقوقهم وتعويضهم عبر القضاء...إلخ.
الكابتن عصام دريبان قال: لاشك أنا مع وحدة وأمن واستقرار اليمن، ومع تحسين معيشة المواطن في مختلف مناطق اليمن، أنا مع التنمية وتطوير الإنسان اليمني بكافة أطيافه، ونريد أن نحل مشاكلنا بعيداً عن التدخل الخارجي والوسط السياسي المرتزق، نريد اليمن الموحد من المهرة إلى ميدي، ومن تعز إلى صعدة، نريد أمناً واستقراراً اجتماعياً، وسيكون عبره حل للقضايا كافة.
تقرير المصير حق للشعب المتعدد
ياسر ثامر- باحث سياسي - قال: تقرير المصير حق تؤكده قواعد القانون الدولي، وقد جاء استحقاقاً للشعوب التي تقع تحت سيطرة واستغلال الاحتلال الأجنبي، وهو من حق أي شعب أو إقليم لا يتوافق مواطنوه مع محيطهم البشري، لا في اللغة ولا في الدين، ولا في العرق..إلخ، وبالتالي فإن ذلك لا ينطبق على اليمن التي يعيش فيها شعب واحد منذ فجر التاريخ، سياسياً وثقافياً واجتماعياً، يدين بالإسلام وينطق بالعربية، وأعتقد أن قادة الجنوب يدركون تلك الحقيقة وإلا لما طلبوا اعتراف الجمهورية اليمنية بحق ليس من حقهم، فلو كان ذلك من حقهم فعلاً لنالوه عبر المجتمع الدولي دون الحاجة لاعتراف الدولة.
المسألة ليست أكثر من كونها شطحة سياسية بغية الحصول على نصيب أوفر من السلطة والثروة المتنازع عليها منذ بدايات العام الماضي، وأنا على يقين تام أنه لو افترضنا عبثاً بأن الوحدة خضعت لاستفتاء في المحافظات الجنوبية تحت أي مسمى - وهذا لن يحدث - فإن إخواننا في تلك المحافظات سيخيبون آمال الحالمين بالعودة إلى ما قبل 22مايو1990م، لإدراكهم أن الوحدة مهما شابها من سلبيات تظل أرحم مما يمكن أن يؤول إليه الوضع في ظل قيادات شمولية متسلطة فشلت سابقاً في احترام المجتمع وتقديس الوطن، وهو ما يجعل من الحوار ولا شيء سوى الحوار غير المشروط المدخل الأمثل لطرح ومناقشة كافة القضايا والخروج بالرؤى والتوجهات والقرارات المرضية لمختلف الأطراف، تحت سقف الجمهورية اليمنية ومن أجل الحفاظ على وحدتها العظيمة.
يجب معالجة كافة القضايا
حسن الفران - نائب رئيس اللجنة التنظيمية بحزب العدالة والبناء - قال من جانبه: شروط القادة المعارضين في الخارج لا تعتبر شروطاً لحل القضية الجنوبية وإنما تعتبر أول ثلاث خطوات لتحقيق الانفصال بين شمال وجنوب اليمن، فاعتراف الجمهورية اليمنية بحق تقرير المصير يعتبر إعلاناً لقادة الانفصال والحراك بالبدء في اتخاذ الخطوات اللازمة للانفصال والحوار على أساس شمال وجنوب، والذي يعتبر فاشلاً تماماً؛ كونه سيكون بين شمال وجنوب لاستحالة اقتناع أي من الطرفين برأي الطرف الآخر، ستكون نتيجته عدم الاتفاق بين الشمال والجنوب، وبالتالي فهو منح الحق الكامل للجنوب باتخاذ كافة الإجراءات الفعلية للانفصال، أما الحوار خارج اليمن وبضمانات دولية فهذا ينزع الحق من غالبية أبناء الجنوب الفعالين في الحراك، ومنح هذا الحق لكبار الشخصيات في الخارج وبعض الشخصيات من الداخل، والتي ترضى عنها الدول العشر ودول مجلس التعاون الخليجي.
اقترح أن يبدأ الحل العادل بتبني قضايا محددة لمناقشتها في الحوار بعيداً عن طرح الانفصال كحل أولي، ومنح نظام الحكم المستقبلي (وليس الحالي الذي يعتبر جزءاً من النظام السابق) الفرصة لحل القضايا السياسية التي ستحقق العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة لأبناء الجنوب، أهمها قضايا نهب الأراضي ونهب الثروات النفطية وكذا تسوية أوضاع المتقاعدين... وأهم من كل ذلك العمل وبشكل كبير وحقيقي في النهضة بالبنية التحتية والخدمات الأساسية المختلفة وإدخال مشاريع عملاقة تستوعب أكبر كم ممكن من العمالة في المناطق التي كانت مهمشة خلال الفترة الماضية لتحقيق النهضة فيها خلال فترة قصيرة كي تلحق بركب بقية المناطق والمحافظات.
الشروط المطروحة رد فعل
أما الدكتور عبدالحميد الحسامي أستاذ الأدب بجامعة أبها في المملكة العربية السعودية فقال:
من المعلوم بأن القضية الجنوبية أصبحت من أكثر القضايا الداخلية في اليمن تعقدًا نظرًا لتراكمات كثيرة، ولكن ما يطرحه العطاس أو سواه من شروط لحلها يبدو في نظري أنه يأتي في سياق رد فعل لما تعرضت له تلك القيادات من نفي من المسرح السياسي بعد حرب 94م، ولا أظن أن تلك المقترحات تأتي في سياق الحرص على الشعب اليمني وعلى سيادة اليمن الطبيعي.
فالعطاس والبيض وقيادات الاشتراكي بل وقيادات الأحزاب اليمنية كلها والشعب اليمني هم ضحايا الفعل السياسي الذي كان العطاس واحدًا من قياداته يوماً ما.
وقال الدكتور الحسامي: حين يتذرع بعض قيادات الانفصال بأن اليمن كان يمنين فإن اليمن قبل ذلك كان يمنًا واحدًا عبر التأريخ، وإذا كان دعاة الانفصال يرون حق تقرير المصير للجنوب، فهل معنى ذلك أن تقرير المصير يمكن أن يتحقق لشعب حضرموت وشعب يافع وشعب أبين وشعب شبوة؟ وهكذا تعز وصنعاء. هذه دعوة لا أظن أنها نابعة من قناعات اليمنيين في الجنوب أو في الشمال؛ لأن ذلك ينافي حركة العصر، ومنطق العقل؛ فحركة العصر تتجه نحو الانفتاح وإذا كنا نعيش مرحلة ما بعد الحداثة وتحطم الأنساق والحدود بين الكيانات العالمية، ونعيش مرحلة الأحلاف الكبيرة في العالم، نحن في عصر الانترنت والتواصل عصر الفضاءات المفتوحة، لا عصر الوجوه الضيقة ومنطق العقل لا يقول بأن تتمزق الأسرة اليمنية المتواشجة إلى كيانات صغيرة متناحرة.
ولكن من الإنصاف القول: إن الجنوب بعد حرب صيف 94م تعرض ولايزال لظلم باهظ، هذا الظلم لا يأتي الانفصال حلاً له من وجهة نظري، بل هو مقدمة لإشكالات كثيرة يجب على دعاة الانفصال أن يقرأوا مفرداتها بوعي مسؤول.
رفع مظاهر الظلم
مشيراً إلى أن الحل يأتي برفع مظاهر الظلم، بالاعتذار لشعب الجنوب أولاً عما اقترفه النظام السياسي السابق في حقه - وهو ظلم لم يسلم منه أبناء اليمن كافة - ثم برد المظالم إلى أهلها والتوزيع العادل للثروة، والمشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص.
وأقترح صيغة مناسبة للحكم كأن يكون هناك فيدرالية من نوع ما وهي تجربة حققت الحفاظ على وحدة الشعوب، وأنصفت الأقاليم.
كما أن الحل قبل ذلك يكمن في الوعي الحقيقي بأن الانفصال لن يحقق الأحلام الوردية التي تتراءى لدعاته؛ لأنه مقدمة لانفصالات محتملة، وليس علاجًا لا للجنوب ولا للشمال؛ لأن الانفصال أو دعوة الانفصال – بحسب وجهة نظري - تعدُّ فخًا سياسيًا خطيرًا، ونكوصًا عن تطلعات أمة تنشد وحدة عربية وإسلامية، واستجابة لأنساق ثقافية تجاوزها الزمن، لقد غدت دعوة الانفصال لوحة، من خلالها وبها تتسلل وتختفي أجندات ليست لأبناء اليمن ولا لمحبيه، ونظرًا لإحساس المواطن في الجنوب بالضيم، تتشكل الرغبة في والدعوة إلى الانفصال.
إن من أهم عوامل حل قضية الجنوب أن يتخلى السياسيون في الجنوب والشمال عن أنانيتهم ومصالحهم الشخصية لصالح وطن غدا على فوهة بركان، وأن يدركوا أن هناك لحظة تاريخية مواتية ينبغي لهم أن يلتقطوها ويقتنصوها قبل فواتها حتى لا يكون الشعب اليمني برمته المترابط عبر قرون وأجيال ضحية ممارسات سياسية غير مسؤولة.
إن الدعوة إلى الانفصال باختصار شرعنة للتمزق، وأرى أن الحوار لا ينبغي أن يكون تحت سقف التمزق بل يكون تحت سقف اليمن الموحد، ويكون ذلك منطلقاً لحل الإشكالات المختلفة.