لا يهادن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في قضية الوحدة، التي تم الإعلان عنها في الثاني والعشرين من أيار من العام 1990، على الرغم من أنه لم يكن أحد صناعها، فيما يبذل نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الذي كان أحد أهم صناع هذه الدولة، و"الوحدوي بامتياز"، على وصف خصومه واصدقائه على السواء، كل ما يملك لإعادة الانفصال واستعادة الدولة الجنوبية السابقة عبر بوابة "فك الارتباط "، وهو الشعار الجذاب الذي يحاول البيض عبره استمالة الجنوبيين ممن لديهم حنين للعودة إلى وضع ما قبل الوحدة لفرض الانفصال على "الجنوبي الوحدوي" هادي.
هادي الذي ساهم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الحرب التي نشبت بينه وقادة الحزب الإشتراكي اليمني في أيار من العام 1994، ووصفت الحرب حينها بأنها بين "الشمال والجنوب"، وتم تعيينه نائباً له منذ ذلك العام وحتى انتخابه رئيساً انتقالياً العام المنصرم، يعلن تمسكه بخيار الوحدة ويهاجم مواقف رفيقه وخصمه القديم علي سالم البيض لمواقف الأخير الداعية إلى الانفصال، مع أنه كان صاحب مشروع "الوحدة الاندماجية" رغم معارضة الكثير من قادة الدولة الجنوبية حينها.
يوم أمس اتهم هادي البيض الذي يتزعم فصيلاً في الحراك الجنوبي يدعو إلى الانفصال بأنه "يحمل السلاح بتحريض من دولة تقدم الدعم له بالمال والإعلام والسلاح"، في إشارة إلى إيران، كما اعتبر هادي الدعوات المتصاعدة بتبني "الكفاح المسلح" أنها ستؤدي إلى ضياع قضية الجنوب العادلة التي ستكون أهم محاور مؤتمر الحوار الوطني، بحسب كلمة ألقاها أمس في مؤتمر لوزارة الداخلية في العاصمة صنعاء، كما تعهد تنظيم انتخابات في غضون عام من خلال أحكام دستور جديد، مؤكداً رغبته في أن تدخل البلاد عهداً جديداً من الاستقرار.
وهدد نائب الرئيس السابق علي سالم البيض الذي يعيش في بيروت منذ نحو عامين، باستخدام العنف المضاد ضد التيار المنادي ببقاء الوحدة والنظام بشكل عام في الجنوب المتمثل في التيارات السياسية التي تؤمن بخيار الوحدة، في تلميح صريح إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي كان رأس الحربة الدينية في الحرب التي تم خوضها العام 1994.
وكشف بلاغ صحافي صادر عن مكتب البيض عقب يوم دام في عدن سقط فيه العشرات بين قتيل وجريح، عن رفضه مواقف أبناء الجنوب المطالبين بالوحدة، واعتبر الفعاليات التي أقيمت في عدن بمناسبة مرور عام على تولي هادي منصب رئاسة الدولة، والذي صادف أول من أمس، قائلاً إن "استمرار نهج العنف المتعاظم سيؤدي إلى عنف مضاد"، على الرغم من مطالبة أنصاره ب "التحلي بالصبر وعدم الانجرار إلى المربع الذي تريده القوى الظلامية"، حسب وصفه، كما طالب المجتمع الدولي ب "التدخل العاجل لإطلاق جميع الأسرى من قيادات وناشطي الحراك الجنوبي السلمي".
وبدا أن الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي، وهو من منطقة أبين الجنوبية، ونائب الرئيس السابق علي سالم البيض، المنتمي إلى محافظة حضرموت، إحدى محافظات الجنوب، يقودان تيارين مختلفين ومتضادين، الأول متمسك بخيار بقاء الوحدة، مع بحث خيارات أخرى في مؤتمر الحوار الوطني، المقرر انطلاقه في الثامن عشر من شهر آذار المقبل، مثل الدولة الاتحادية، أو الفدرالية ذات الأقاليم المتعددة، والثاني يدعو إلى العودة إلى مربع الانفصال.
وعلى الرغم من أن هادي وجه الدعوة إلى البيض للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ووضع كل المشاريع على الطاولة لأخذ الخيار الأنسب للبلد، بما فيها بحث خيار الدولة الاتحادية أو الانفصال، إلا أن البيض لا يزال متمسكاً بخيار "فك الارتباط" الذي بدأ يتبناه منذ ثلاث سنوات مضت، وخاصة مع بدء ظهور الضعف والوهن على نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وتشكل مناطق الجنوب في الوقت الحاضر ساحة للصراع بين هادي والبيض، ففي حين تتزايد الدعوات إلى الانفصال في أوساط قطاع واسع من الجنوبيين، وخاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن تيار الوحدة لا يزال له كلمته في الشارع الجنوبي، وعكست الفعاليات التي أقيمت أول من أمس في مدينة عدن للمتمسكين بخيار الوحدة والفعاليات التي سبقتها بأيام من قبل التيار المنادي بالانفصال، حجم الانقسام الضارب جذوره بين الجانبين، وأكد حقيقة الفرز السياسي على أساس مناطقي بين الطرفين.
ووسط هذا الانقسام، تبرز الدعوات من قبل أطراف جنوبية وشمالية على السواء إلى تبني خطاب سياسي معتدل يستطيع أن يجنب البلد مخاطر الانزلاق إلى مربع العنف، إذا اندلع ولم يجد من يسيطر عليه، فالكثير من المراقبين لا يرون حلا للأزمة القائمة بالانفصال ولا بالوحدة بشكلها الحالي.
ويشير هؤلاء إلى أنه إذا اندلعت أعمال العنف وخرجت الأمور عن السيطرة لن يبقى الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً، وأن هذا الوضع سيدخل البلد كلها في حرب طاحنة تحصد ما تبقى من أمل في حياة مستقرة وآمنة، وخاصة أن الشمال والجنوب لم يستقرا سواء في عهد التشطير أو في عهد الوحدة، وأن الوقت قد حان ليبحث اليمنيون عن "روشتة سياسية واجتماعية " تعيد بناء ما خربه القادة السابقون، وعلى رأسهم علي البيض وعلي صالح، سواء في عهد دولة الوحدة أو ما قبلها.