نجتمع اليوم في لحظة هامة من عملية الانتقال السلمي للسلطة. لحظة يصنع فيها تاريخ جديد لليمن.
وإنه لمن الرمزية بمكان أن افتتاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل يتزامن مع ذكرى جمعة الكرامة. ذلك اليوم الذي صنع منه اليمنيون واليمنيات نقطة تحول، رغم محاولات بعض القوى تقويض المسعى السلمي نحو التغيير. وفي هذه المناسبة، وبينما نفتتح اليوم مؤتمر الحوار الذي طال انتظاره، لا يسعنا إلا التفكير والترحم على من ضحوا بأنفسهم من أجل الوصول باليمن إلى هذا التغيير.
أقف اليوم أمام شرائح متنوعة من النساء والرجال والشباب اليمني، الذين قرروا المشاركة في صنع مستقبل مختلف لبلادهم. مستقبل يسوده حكم القانون والديموقراطية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد. أتطلع صوبكم، وأرى فيكم الأمل في هذا اليمن الجديد.
عندما أتيت إلى اليمن لأول مرة في ربيع عام 2011، كان البلد يشهد ثورة شبابية عارمة، ويتخبط في أزمة حادة وعميقة من شماله إلى جنوبه. كان على شفير حرب أهلية. ربما تتذكرون، أني دعيت حينذاك إلى الحوار. ولم تكن هذه الكلمة جزءاً من المفردات المرغوبة.
وهنا نستحضر الدور الرائد لدول مجلس التعاون الخليجي في إطلاق مبادرة لنقل السلطة في أبريل 2011، وإصرارها على إعادة السلام والاستقرار إلى اليمن والمنطقة. وقد بنت الأمم المتحدة على أسس تلك المبادرة لإيجاد طريق لانتقال ديموقراطي يلبي تطلعات اليمنيين واليمنيات. وفي نوفمبر 2011، أثمرت تلك الجهود التوقيع على الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية. وهنا، لا بد أن أحيي القيادات اليمنية وأثني على شجاعتها التي أفضت إلى هذا الاتفاق التاريخي.
طبعاً، كانت هذه البداية فقط. تم التفاوض على الاتفاقية من قبل الأحزاب السياسية الرئيسة. ولم يكن الشباب، الذين خرجوا بشجاعة من أجل التغيير، على طاولة المفاوضات كما هو حال مكونات هامة أخرى. لكن اتفاقية نقل السلطة وفرت عملية شاملة لإحداث التغيير، بدل إعادة إنتاج النظام القائم، لأن الإرادة العامة والشعبية كانت مع التغيير الحقيقي.
رغم رياح التغيير العاتية التي هبت على المنطقة بأسرها، فإن اليمن يشكل الحالة الوحيدة التي تحقق فيها انتقال السلطة عبر عملية تفاوضية سلمية. عملية تتضمن خطوات وإجراءات عدة تهدف إلى تغيير جذري، بإشراك مكونات جديدة بما فيها الشباب والنساء. وتعلي قيم حقوق الإنسان والحكم الرشيد وسيادة القانون. كما ترسم إطاراً لمعالجة القضايا المستعصية في اليمن، وفي مقدمتها القضية الجنوبية، حيث توجد مظالم مشروعة ينبغي معالجتها، إلى جانب معالجة أسباب الحروب في صعدة التي خلفت جراحاً عميقة.
نحن اليوم أمام فرصة تاريخية مواتية لحل جميع هذه القضايا. يعزز هذه الفرصة الدعم الدولي والإقليمي المستمر لليمن. ولعلكم تذكرون مشاركة أمين عام الأمم المتحدة احتفالكم في ذكرى مرور عام على توقيع اتفاق نقل السلطة، حيث أبدى تقديره لما حققتموه من إنجازات. وتذكرون كذلك زيارة أعضاء مجلس الأمن إلى صنعاء، ودعم أصدقاء اليمن ومجلس التعاون الخليجي، سيما المملكة العربية السعودية.
اليوم أنظر بسرور ومزيد من التقدير إلى التفاف مختلف المكونات اليمنية حول هدف بناء مستقبل أفضل. يسعدني أن أرى تمثيلاً واسعاً لجميع الفئات. وأتمنى أن يتواصل مؤتمركم مع جميع الفعاليات في الجنوب للانضمام إلى عملية الحوار التي تطلقونها اليوم، سيما أن قيادات جنوبية عدة أكدت لي أنها تنبذ العنف وتلتزم مبدأ الحوار كسبيل وحيد لحل القضية الجنوبية.
أنا على يقين أنكم ستعملون طيلة الأسابيع والأشهر المقبلة على بلورة أهم عناصر العقد الاجتماعي الجديد في اليمن. وأؤمن أن جهودكم ستكلل بالنجاح، ما دمتم تعملون بروح جماعية ووطنية صادقة.
لقد تعلمنا دروساً كثيرة من مشاركة الأمم المتحدة في حوارات وطنية عدة حول العالم. وأدركنا أن أي تغيير حقيقي في المجتمع لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توافق واسع وعملية شفافة وشاملة. وقد أثار إعجابي توصّل أعضاء اللجنة الفنية بمختلف اتجاهاتهم إلى التوافق على كيفية تنظيم المؤتمر، وإعدادهم خطة تعد من أفضل ما خبرناه.
وتعلمون من دون شك أن أي حوار ناجح يقوم على احترام تنوع الآراء والتشاركية الحقة. ويعني هذا إعطاء كل مساهمة حقها بغض النظر عن مصدرها. كما يعني أن يكون الحوار شفافاً ومفتوحاً أمام المواطنين خارج قاعات المؤتمر، ليتمكنوا من فهم مجرياته والمساهمة في مخرجاته. ولكي يكون للحوار مغزى حقيقي، لا بد من احترام نتائجه والعمل على تنفيذها.
ستسهم نتائج هذا الحوار في عملية صوغ دستور جديد يصنع التغيير الذي لطالما سعيتم إليه. وستتبع المصادقة الشعبية على الدستور انتخابات جديدة تؤسس نظام حكم يعزز المواطنة، ويتيح لجميع المكونات السياسية فرصة التنافس النزيه على أساس المساواة والحرية وتداول السلطة. وهنا أؤكد مجدداً أنه ليست لدينا أية وصفات جاهزة لحل القضايا المطروحة في المؤتمر، لكننا نضع خبراتنا تحت تصرفكم. ونحن على قناعة بقدرتكم وحكمتكم في صنع قراركم المستقل من خلال الحوار البناء والتوافق.
الفيديو:
http://www.youtube.com/watch?v=BPArmPkquYY