-أول العتبات:
انطلقت-عمليا- عجلات هيكلة القوات المسلحة بصدور القرار الجمهوري رقم(32) لسنة 2012م، الذي تشكلت بموجبه قوة الحماية الرئاسية بقوام أربعة ألوية، ضمت الآتي: اللواء الرابع مدرع(314)من الفرقة الأولى المدرعة، واللواء الأول(حرس خاص)من الحرس الجمهوري، واللواء الثاني حماية من الحرس الجمهوري، واللواء الثالث مدرع من الحرس الجمهوري أيضا، بحيث ألحقت تلك الألوية–عملياتيا- برئاسة الجمهورية ومنحت استقلالية إدارية ومالية.
وكانت الخطوة الثانية للرئيس عبدربه منصور هادي، إصدار القرار الجمهوري رقم(33) لسنة 2012م، الذي قضى بإلحاق ثمانية ألوية من قوام الفرقة الأولى مدرع ومن الحرس الجمهوري بقيادات المناطق العسكرية التي تتموضع فيها تلك الوحدات، وقد جاء هذا القرار بمثابة انتزاع اللبنات الأولى من القلعتين العسكريتين الحصينتين اللتين يسيطر عليهما اللواء علي محسن صالح والعميد أحمد علي صالح بعد انتزاع ألوية الحماية الرئاسية؛ الأمر الذي كشف للجميع جدية الرئيس هادي في توحيد القوات المسلحة والشروع في هيكلتها عمليا، وأن قراراته ليست انتقائية أو موجه ضد أي طرف بعينه.
ومع صدور تلك القرارات بات الناس يتطلعون إلى صدور قرارات أخرى تعيد للقوات المسلحة روحها الوطنية المجزأة، وهويتها المشتتة، ووحدتها التي عبثت بها زعاماتها طيلة ثلاثة عقود. وفعلا؛ فقد تلت ذلك مجموعة قرارات طالت أقرباء الرئيس السابق الذين كانوا يتحكمون بمفاصل القوات المسلحة وبعض الوحدات الأمنية، غير أن ذلك لم يثلج الصدور؛ فما يزال البعض يؤمن بأن العقبة الكئود التي توجه الرئيس هادي هي الفرقة الأولى المدرعة والحرس الجمهوري، وأنه متى طال التغيير هاتين القوتين فإن ذلك هو التغيير الحقيقي الذي يجب.
-التنظير وإحكام القبضة:
ومع تطلع الجميع إلى ذلك التعيير؛ جاء قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم(104) في 19 ديسمبر 2012م، محددا المكونات الرئيسة للهيكل التنظيمي للقوات المسلحة، كخطوة منهجية مدونة تقضي بهيكلة القوات المسلحة اليمنية وفق أسس علمية ووطنية؛ حيث جاء هذا القرار بناء على المقترح المرفوع من قبل اللجنة المنبثقة عن الندوة العسكرية العلمية الأولى التي انعقدت في تلك الفترة، وفريق الهيكلة المشكل من قبل قيادة وزارة الدفاع.
وقد وضع ذلك القرار الغصون الرئيسة لشجرة (هيكل) القوات المسلحة كخطوة أولى تبعتها مباشرة خطوات تسمية الوحدات العسكرية التي سيملؤها بعض القادة العسكريين، وكذا أسماء شاغلي مناصب التقسيم الجديد، وإعادة ترتيب القوات المسلحة وفق هذا الهيكل، والاستعداد لمرحلة التوصيف الوظيفي المطلوب لتلك المناصب والتقسيمات ومن يشغلها من الضباط بما يخدم مسرح العمليات العسكرية؛ ولذلك جاء القرار الجمهوري رقم(105) لسنة 2012م متضمنا إعادة تشكيل مجموعة الصواريخ وتحديد تبعيتها للقائد الأعلى للقوات المسلحة، والتي ضمت الوحدات التالية: قيادة مجموعة الصواريخ، واللواء الخامس، اللواء السادس، وللواء الثامن. ثم صدر القرار الجمهوري(106) بتشكيل العمليات الخاصة التي كونت من: قيادة العمليات الخاصة، والقوات الخاصة، ووحدات مكافحة الإرهاب، واللواء الأول مشاة جبلي، واللواء العاشر صاعقة.
مجمل القول: فقد استطاع الرئيس عبدربه منصور هادي-من خلال القرارات السابقة- ضم أقوى الوحدات العسكرية التي كانت تحت القيادة المباشرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح ونجله أحمد، وتحديد تبعيتها له، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال تعيين قادة موالين له، وذلك لأهميتها وقدرتها القتالية الكبيرة، عتادا وتدريبا، حيث يعتبر تسليحها مزيجا من السلاح الروسي والأمريكي، فضلا عما يتمتع به أفرادها من مستويات عالية في التدريب والتأهيل على يد خبراء من المعسكرين الشرقي والغربي، ثم عمل على انتزاع الكثير من الوحدات العسكرية من تحت سيطرة الفرقة الأولى المدرعة التي تنتشر في المنطقة الشمالية الغربية(سابقا) أو تلك التي كانت تتموضع في مناطق أخرى غير المنطقة الشمالية الغربية.
-الموقف الشعبي واستثماره:
أحدثت تلك القرارات حالة من الارتياح في الوسط الشعبي بذات القدر من الارتياح السابق؛ لأن المواطن اليمني ينتظر شيئا جديدا من رئيس جديد؛ لكنها مع ذلك أحدثت حالة من الذعر والقلق في صفوف كثير من القادة العسكريين الذين يدركون تماما أن مصالحهم ستتضرر جراء هذه الخطوة التي ستسحب البساط من تحت أقدامهم رويدا رويدا، وقد جاءت ردود أفعالهم غامضة وتتشح بالمراوغة، خاصة القوة التي يتزعمها اللواء علي محسن والقوة التي يتزعمها العميد أحمد علي صالح.
وكما يقال في المثل العربي الشائع: "قطعت جهيزة قول كل حكيم" فقد جاءت آخر قرارات الرئيس هادي المتضمنة تقسيم مسرح العمليات العسكرية، وتسمية مناطقه، وتعيين قادة عسكريين لتلك المناطق، وحملت تلك القرارات الأرقام(16) و(17) و(18) و(19) و(20)؛ لتسكت الكثير من الوساوس التي تختلج في نفوس العامة والخاصة، وتضع حدا لكثير من التكهنات التي كان يبديها البعض، خاصة تجاه مسألة بقاء اللواء علي محسن، والعميد أحمد علي في منصبيهما، والتوقع بحدوث تعديلات طفيفة في وضعيهما الوظيفي العسكري.
ومع ما تتمتع به تلك القرارات من قوة وجرأة؛ فإنه يبدو لي أنها حملت في بعض مفرداتها مظاهر الترضية وتطييب النفوس لبعض الأطراف من الصف الذي يقف فيه اللواء علي محسن، والصف الذي يقف فيه نجل الرئيس السابق؛ لكنها-وهي كذلك- قرارات موفقة وشجاعة، انطلاقا من الظرف الحرج الذي يحيط بالرئيس هادي ومجموعته، والتحسس الذي يبديه آخرون تجاه أي تعيين يقوم به، خاصة فيما لو كان ذلك التعيين من عشيرة الرئيس أو من المناطق التي ينتمي إليها جغرافيا.
-القرارات تحت المجهر:
تنظيميا، مثلت القرارات الأخيرة تتمة للقرار الجمهوري المحدد للهيكل التنظيمي للقوات المسلحة، وقرارات التعيين الأخرى السابقة في المناصب العسكرية المختلفة، وعملت على تسمية المناطق العسكرية السبع بالأرقام في خطوة جيدة لإلغاء طابع الجهوية الجغرافية والشخصية لتلك المناطق، وحددت القادة الذين سيشغلونها ومن سيشعلون مناصب أخرى في هيكلها، وهي خطوة عملية من خطوات الهيكلة الطويلة والمتعددة التي يجب أن تجد طريقها للتنفيذ بما يعيد توحيد القوات المسلحة التي ما تزال تعاني الانقسام.
والمتتبع لأسماء المشمولين بقرارات التعيين الأخيرة، والجهات التي عينوا فيها، سواء في الداخل أو الخارج؛ يجد أن في الأمر تسوية سياسية، برعاية وضغوط خارجية قوية، وإلا لما كان مصير اللواء علي محسن صالح مستشارا لرئيس الجمهورية لشئون الدفاع والأمن، وأن يغادر العميد أحمد علي صالح إلى دولة الإمارات العربية كسفير، وتعيين أقرباء الرئيس السابق في ملحقيات عسكرية، ولو بدا ذلك بما يشبه النفي القسري!!
قد يقول البعض: المستشار علي محسن ليس كالمستشار فلان أو فلان!! والصورة التي يراها هؤلاء تكاد تكون محقة في تصوري؛ فقد وقفت على بعض الأسماء التي عين أصحابها في التعيينات الأخيرة وكيف جرى نقلهم من مكان إلى آخر رغم تعيينهم بقرارات سابقة لم يمضِ عليها أقل من أربعة أشهر، وآخرون مثلهم جرى تعيينهم في مواقع عسكرية حساسة، ويعرف الكثير من الناس مدى العلاقة الحميمة التي تجمعهم باللواء علي محسن؛ فوجدت أنها تصب في جراب الرجل، وفضلا عن ذلك تمثل لي تشكيل قوة الاحتياط المكونة من ستة ألوية عسكرية ضاربة، وتمركزها في معسكر(48) داخل العاصمة، وتعيين قائد كبير ومخضرم لها بحجم اللواء علي بن علي الجائفي، أن في الأمر ما يبعث على أن أحجار الشطرنج تنتقل بالتوافق من موضع إلى موضع.. ويؤسفني تحليل ذلك على هذا النحو!!
وبالنسبة لنجل الرئيس السابق؛ ما الذي دفع به ليقبل أن يكون سفيرا، وسفيرا في دولة الإمارات العربية المتحدة تحديدا؟! هل ستكون الإمارات هي محطة انتظار يقيم فيها هذا الشاب الطامح بكرسي الرئاسة كلاعب احتياط لأي انتخابات قادمة في اليمن؟!
يتجلى لكل متابع للوضع السياسي العربي أن دولة الإمارات العربية غدت محطة لاستقبال الكثير من أنصار الأنظمة العربية السابقة الذين لفظتهم شعوبهم مع انتصار ثورات الربيع العربي، فضلا على ما يبديه نظام هذه الدولة من موقف عدائي حاد تجاه الجماعات الثائرة على بعض تلك الأنظمة المنحلة بثورات الربيع العربي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم-بالطبع-التجمع اليمني للإصلاح الذي يعد من أقوى المكونات الثورية في اليمن، والتي أطاحت بنظام الرئيس السابق.. فهل سيكون أولئك المتراكمون ممن لفظتهم شعوبهم إلى أرض الإمارات العربية رؤوس حراب لمواجهات قادمة مع جماعات الإخوان المسلمين التي يتحكم بعضها بمقاليد السلطة في بلاد ثورات الربيع؟
كما إن ما قد يفاجأ به البعض؛ أن يُسمع بأن العميد أحمد علي صالح ينتوي البقاء داخل اليمن، ويمارس حياته الطبيعية كمواطن عادي، وهو في الحقيقة تكتيك مكشوف يضمن له الاستعداد لمعترك سياسي قادم، خاصة فيما لو حصلت تبدلات كبيرة في الساحة اليمنية مع قرب الانتخابات الرئاسية في فبراير 2014م، وبروز أصوات مطالبة بالتمديد للرئيس هادي لفترة انتقالية أخرى، وتعاظم قوة الرجل السياسية
والعسكرية، الأمر الذي يكشف تحول البلاد إلى ما يشبه أعوام ما قبل فبراير 2011م، ولكن من جهة أخرى تكون فيها الرياح جنوبية شرقية!!
هنا، سيكثر المتنافسون.. ولا يستبعد أن يقتحم المعترك الانتخابي للرئاسة اللواء علي محسن الأحمر!
*كاتب وباحث في شئون النزاعات المسلحة