بعد عقود قليلة من الآن، يمكن أن تواجه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا احتمال نقص كارثي في المياه، قد يشكل تحديا أكبر من تحدي الاضطرابات التي تجتاح سوريا ومصر ولبنان والأراضي الفلسطينية وأماكن أخرى. وللأسف، لا تحظى أزمة المياه، التي تلوح في الأفق، بالاهتمام الجدي من صناع القرار ووسائل الإعلام وعامة الناس، لأن الكثير من الأزمات الأخرى تجتاح تلك المنطقة المضطربة في الوقت الحالي.
وخلافا للاعتقاد السائد، فان السائل الأكثر أهمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليس الإمدادات الهائلة من النفط، بل المياه، حيث أن ندرة هذا المورد الحيوي ستترك دولاً غير قادرة على تلبية احتياجات سكانها المتزايدة أعدادهم بسرعة، في غضون فترة تقل عن 40 عاما.
ندرة المياه والشرق الأوسط وشمال إفريقيا هما من أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه في العالم. وبسبب المناخ الصحراوي وقلة الأمطار، فإن الناس يعتمدون بالكامل تقريبا، على المياه الجوفية والمياه السطحية لنهر النيل والأردن ودجلة والفرات، في سبيل تلبية احتياجاتهم اليومية من الشرب وزراعة المحاصيل والمشاريع التجارية والصناعية.
وتاريخيا، كان عدد سكان المنطقة صغيرا بما يتماشى مع إمدادات المياه المحدودة جدا. لكن منذ عام 1950، دفعت الطفرة السكانية المتواصلة بأعداد السكان إلى حوالي 300 مليون نسمة، ما يوازي تقريبا سكان الولايات المتحدة الغنية بالمياه.
وتبين نظرة سريعة على الأرقام الخاصة بالسكان في عدد محدود من البلدان الرئيسية، لماذا سيزداد الإجهاد المائي في المنطقة حدة خلال العقود القليلة المقبلة.
فقد بلغ عدد سكان سوريا نحو 3.5 ملايين نسمة في عام 1950. وهذا العدد ارتفع بشكل كبير ليقترب من 22 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يتجاوز 36 مليون نسمة بحلول عام 2050.
وتضخم عدد سكان مصر من 20 مليون نسمة في عام 1950 إلى حوالي 85 مليون نسمة في عام 2013، ومن المتوقع أن يزداد إلى اكثر من 125 مليون نسمة في منتصف القرن.
وكان عدد سكان اليمن 4.5 مليون نسمة في عام 1950، ووصل الآن إلى 25 مليون نسمة. وعلى الرغم من تمتعها بأدنى المعدلات في كميات المياه المتاحة للفرد على كوكب الأرض، إلا أنه من المتوقع أن يرتفع عدد سكان اليمن إلى اكثر من 52 مليون نسمة بحلول عام 2050.
وتستخدم سوريا ومصر واليمن وغيرها من بلدان المنطقة أصلا معظم موارد المياه المتجددة السنوية لديها، إن لم يكن كلها، سواء فوق الأرض أو تحت الأرض.
والحصول على المياه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط يعد أمرا معقدا، لأن أكثر من ثلثي المياه التي تتدفق إلى المنطقة من الأنهار منبعها مكان آخر. واحتمال عدم الثقة الناجم عن تقاسم المياه عبر الحدود هو من الضخامة إلى حد أن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الأسبق بطرس غالي توقع في أواخر الثمانينات، أن يكون مشعل القتال في الشرق الأوسط مستقبلا النزاع على المياه، وليس السياسات.
الاستخدام المستدام
وفيما الوضع يثير القلق، إلا انه ليس ميؤوساً منه. فبإمكان إجراءات المحافظة على المياه وتكنولوجياتها أن تشجع على المزيد من الاستخدام المستدام للمياه وتحفز عليه.
على سبيل المثال، يمكن خفض استهلاك المياه بشكل كبير، إذا قامت المجتمعات بإعادة تدوير المزيد من المياه، وتحسين معالجة مياه الصرف الصحي، واستثمرت في عمليات الإصلاح، وتحسين أنابيب المياه المتقادمة وتلك التي تتسرب منها المياه، بالإضافة إلى أنابيب الصرف الصحي.
وينبغي أن تجعل الحكومات هذه الإجراءات ضمن أولوياتها القصوى، لا سيما في المدن، حيث أن وجود أعداد كبيرة من السكان في مناطق صغيرة نسبيا، يجعل مثل هذه التحسينات فعالة من حيث الكلفة.
بالإضافة إلى ذلك، تحويل مياه البحر إلى مياه عذبة من خلال تحلية المياه قد يصبح اقتصاديا في يوم ما، على الرغم من الكمية الهائلة من الطاقة والتكاليف المرتفعة المطلوبة اليوم.
وبينما قد يكون متأخرا تجنب أزمة مياه بالكامل الآن، إلا أنه بإمكان الدول أن تخفف من حدتها بالتواصل مع البلدان المجاورة حول استراتيجيات إدارة المياه، والعمل داخل حدودها على تنفيذ تحسينات رئيسية في البنى التحتية للمياه، وتثقيف مواطنيها حول الحاجة الماسة لتحسين المحافظة على المياه.
صراعات
يعد الحصول على المياه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط أمرا معقدا، لأن أكثر من ثلثي المياه التي تتدفق إلى المنطقة من الأنهار منبعها مكان آخر. على سبيل المثال، نسبة 85 % من مياه النيل تتدفق عبر المرتفعات الأثيوبية قبل أن تصل إلى مصر. وهناك نسبة مماثلة من مياه الفرات تنبع من جبال تركيا قبل أن تتدفق إلى سوريا والعراق.
والبلدان المكتظة بالسكان الواقعة عند مصب الأنهر، مثل مصر والعراق، معرضة على الدوام للمخاطر الناجمة عن قرارات إدارة المياه الخاصة بجيرانها عند منبع الأنهر.
في السنوات المقبلة، سيعمل معدل النمو السكاني إلى جانب التغيير المناخي على تكثيف المنافسة على موارد المياه في جميع أنحاء شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وهذا من المرجح أن يصعد التوترات داخل تلك البلدان وفيما بينها، حتى لو انتهت الصراعات الحالية في المنطقة.