لم تستطع التفجيرات الإرهابية التي طالت ظهر أمس الجمعة، مساجد بالعاصمة اليمنية صنعاء وخلفت مئات القتلى، أن تلفت الأنظار تماماً، عن فجوات وتساؤلات عالقة، تخص الأحداث التي شهدتها مدينتا عدن ولحج جنوبي غرب البلاد، يومي الخميس والجمعة.
وقد شهدت عدن الخميس، سقوط فرع معسكر قوات الأمن الخاصة بالمدينة الذي تمرد قائده العميد عبدالحافظ السقاف، على قرار رئاسي يقضي بتغييره. ويبدو لافتاً ما أكدته مصادر موثوقة في مدينة عدن لـ"العربي الجديد"، من أنّ مجاميع مسلحي "اللجان الشعبية" التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي، وصلت إلى المعسكر ولم تجد فيه سوى عشرات الجنود، والقليل من العتاد، رغم أن القوة الفعلية للمعسكر تناهز 3 آلاف جندي، مدججين بعشرات العربات المدرعة.
مصادر "العربي الجديد" لم تستبعد أنّ يكون الجنود الموجودون بالمعسكر، قد قاموا قبيل اقتحامه بعملية انسحابٍ تدريجي بزي مدني، فيما قاتل نحو 150 جندياً قرب الملعب الرياضي لمدة ربع ساعة فقط، ثم استسلموا وتم نقلهم إلى مكانٍ في منطقة الشيخ عثمان، حيث ألقى مسؤول حكومي سابق مقرب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، خطاباً أمامهم، وصفته المصادر بأنّه يشبه خطاب الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، الذي ألقاه على جنود جنوبيين في عمران، قبيل اندلاع حرب صيف 1994 بأسبوع.
وفي هذا السياق، تعتبر مصادر "العربي الجديد" أنّه "لم تقع معركة بالمعنى الحقيقي"، وذلك رغم سقوط 13 قتيلا أعلن عنهم محافظ عدن عبدالعزيز بن حبتور، مساء الخميس.
أما اللغز الثاني فيدور حول الطريقة، التي تم بها تهريب قائد المعسكر العميد عبد الحافظ السقاف إلى مدينة تعز، إذ يتساءل البعض عن وجود صفقة تقف وراء تهريبه، مقابل تسليم المعسكر، وقد تم تهريبه وفقاً للمصادر، عبر منطقة الصَبّيْحة بلحج، والمنتمي إليها وزير الدفاع محمود الصبيحي الذي برز كبطل لمعركة إخماد التمرد. وانتقل السقاف بصحبة شيخ قبلي عولقي من محافظة شبوة مقرب من الرئيس هادي، وذلك بعد توسط أحمد المجيدي محافظ لحج صديق الصبيحي.
أما اللغز الثالث فيتمثل في عملية فرار سجناء من سجن المنصورة بعدن، بالتزامن مع إسقاط معسكر قوات الأمن الخاصة، والبعض منهم محتجز على ذمة قضايا إرهاب. وقد أعلنت اللجنة الأمنية بعدن في وقتٍ لاحق، أنها ألقت القبض على عشرة من السجناء الفارين، من دون أن تشير بأصابع الاتهام، إلى الجهة التي تورطت بتهريبهم، وهدفها من ذلك.
رابع الألغاز يتمثل في سقوط مدينة الحوطة، عاصمة محافظة لحج شمال عدن وبوابتها، بيد مسلحين تابعين لتنظيم "القاعدة"، واستيلائهم على مقار أمنية وحكومية وقيامهم بإعدام عدد من ضباط وجنود الأمن والاستخبارات، من دون أن تتحرك "اللجان الشعبية" الموالية لهادي لإنقاذ المدينة، وكذلك من دون أن يتحرّك وزير الدفاع الذي ينتمي لمحافظة لحج، (إلا بعد ساعات) بل إن قادة عسكريين كباراً في عدن، ظلوا في بيوتهم طيلة أحداث الفوضى التي سقط خلالها مركز محافظة لحج القريب جداً من قاعدة العند الجوية.
وأمام هذا الواقع، تكاد تكون أحداث لحج أكثر خطورةً من تفجيرات صنعاء التي استحوذت على وسائل الإعلام الجمعة، وكلاهما حدث بشكل متزامن. وبعد أن أعلنت الرياض مساء الجمعة، أنّ المملكة العربية السعودية تضع "كافة إمكاناتها" بيد السلطة الشرعية باليمن، يمكن السؤال، هل يتم بذلك تهيئة الساحة لتدخل عسكري خارجي بجنوب اليمن.
من جهةٍ أخرى، لم يعد مهمّاً بنظر الكثيرين، استقراء الدلالات الكامنة، وراء رفع مسلحي اللجان الشعبية أعلام الانفصال على مبنى المعسكر، والآليات التي وقعت في أيديهم، إذ اعتبرت هذه التصرفات فردية، رغم كونها نغّصت الفرحة بانتصار الشرعية المتمثلة بهادي، وكسر تمرد القائد السقاف، المحسوب على سلطة الانقلاب في صنعاء، بجناحيها الحوثيين وصالح.
كذلك، كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن اختلافاً طرأ في أولويات طرفي ذلك التحالف، إذ ترجّح أنّ عين "الحوثيين" على مأرب، وعين صالح على عدن، مشيرة إلى أن تحالف الطرفين، تعرّض لشرخ واضح بسبب اغتيال عبدالكريم الخيواني القيادي بالجماعة، الأربعاء الماضي، وهو الحادث الذي وجّه إثره ناشطون حوثيون بارزون، اتهامات صريحة لصالح بالوقوف وراء استهدافه.