عبدالفتاح البتول
احتفلت السلطة واحتفت بالسابع والعشرين من إبريل باعتباره يوم الديمقراطية الذي يصادف إجراء أول انتخابات برلمانية في ظل الدولة اليمنية الموحدة.
وفي المقابل احتفلت فعاليات الحراك في المحافظات الجنوبية بهذا اليوم 27 ابريل ولكن بمناسبة أليمة وذكرى مشؤمة، فالسابع والعشرين من إبريل 1994م شهد أول مواجهة دموية في عمران كانت عبارة عن تدشين لحرب 94م التي اندلعت يوم 4/5/94م واختيار هذا التاريخ لإقامة فعاليات زنجبار بذلك الحشد الكبير والخطاب الخطر، يشكل تحولاً في مسيرة القضية الجنوبية ؛
ذلك أن يوم العرس الديمقراطي يعتبر في نظر فعاليات الحراك يوماً دموياً وذكرى مؤلمة، وهذه الاحتفالات المتناقضة والذكريات المتقابلة سوف نشهدها بصورة أكثر وضوحاً ومع كل الأسف في ذكريات أخرى ومناسبات كبرى، أقربها زماناً وأكثرها تضارباً وتقابلاً في يوم 22 مايو القادم، الذي يحتفل فيه اليمنيون بالذكرى التاسعة عشرة لقيام الوحدة اليمنية، بينما سيجد فيه قادة الحراك مناسبة مضادة وهي الذكرى الخامسة عشرة لإعلان الانفصال الذي تزامن مع اشتداد المعارك في حرب 94م، حيث أعلن الأخ علي سالم البيض يوم 21/ مايو 94م قرار الانفصال والذي صادف يوم عيد الأضحى المبارك، ومع تشكيل حكومة وقيادة لدولة الانفصال إلا أنها لم تلق أي اعتراف من أي دولة في العالم باستثناء ما تسمى بجمهورية الصحراء الصومالية، المهم أن يوم 22 مايو هذه السنة سيكون مناسبة للاحتفال بذكرى تحقيق الوحدة 90م وذكرى إعلان الانفصال 94م، ومن المؤكد أن الدولة والسلطة ستعمل على الاستفادة من مناسبة 22 مايو لترسيخ قيم الوحدة واقترانها بالديمقراطية والتعددية باعتبارها منجزاً تاريخياً كبيراً حققه اليمنيون بعد عقود من التشرذم والانقسام، ولا شك أن قادة الحراك سيقومون باستغلال يوم 22 مايو للتأكيد على أن الوحدة قد عفى عليها الزمان، وإنها قد انتهت عملياً وواقعياً في صيف 94م وأن السلطة منذ ذلك التاريخ أصبحت سلطة احتلال! وهكذا تحدثوا في 27 إبريل وهكذا سيتحدثون في 22 مايو و7/7، ويطالبون باستقلال الجنوب من المحتل الشمالي ! وهنا تصل القضية إلى مرحلة الذروة، التي تتطلب من الجميع تحمل المسؤولية ووضع حد لما يجري، وتجنيب البلاد والعباد أي عنف أو دماء أو قتال، نريد الوحدة بلا موت ولا عنف، ونتحاور حول الانفصال بلا اقتتال، المهم حقن الدماء، فالوحدة ينبغي أن تكون مع السلم والسلام والأمن والاستقرار، فالوطن لم يعد يحتمل وحدة معمدة بالدماء ولا انفصال على الأشلاء، المعادلة ينبغي أن تكون متوازنة، والنقاط على الحروف.
إن الأصوات التي ارتفعت رافضة فرض الوحدة بالقوة، عليها اليوم استنكار فرض الانفصال بالقوة، ودعوة فعاليات الحراك لضبط الأمور واستخدام الوسائل السلمية ورفض أي محاولات للعنف والفوضى والإساءة والتخريب، إنني مع أبناء المحافظات الجنوبية في مطالبهم الحقوقية والسياسية، ومع إزالة آثار حرب 94م، بل ومع إصلاح وتصحيح المسارات الخاطئة التي رافقت قيام الوحدة وأدت إلى حرب 94م وبالتالي شكلت العوامل الأولية لما يحدث اليوم، شريطة أن يلتزم الأخوة في الحراك بالوسائل السلمية والأساليب الحضارية.
وفي هذا الإطار ينبغي التأكيد على أن حرب 94م كانت حرباً أهلية في إطار الدولة اليمنية الواحدة، بدليل أن قرار الانفصال والإعلان عنه جاء متأخراً عن الحرب كثيراً، ولم يكن له تأثير على مسار المعركة، بينما لو كان قرار الانفصال سابقاً للحرب لكان الأمر مختلفاً.
لأجل ذلك يصبح من الخطأ وصف الوضع الراهن بأنه، احتلال شمالي للجنوب، وأن السلطة القائمة سلطة احتلال، وأن الهدف هو تحرير الجنوب وإعلان الاستقلال من الاستعمار الجديد.. وغير ذلك من الشعارات والمطالب التي لا مبرر لها ولا سند يؤكدها، حتى المطالبة بالانفصال والعودة لما قبل 22 مايو90م تتطلب قدراً من الواقعية والجوانب القانونية، وبعيداً عن الغلو والمجازفات واثارة المناطقية وهدم العلاقات الاجتماعية والتعاملات الإنسانية، فهل من لوازم استعادة دولة اليمن الجنوبي استهداف كل ما هو شمالي، ويكون مكان المولد والنشأة سبباً للتمييز بين الناس، الأمر لم يكن كذلك قبل 22 مايو وأثناء التشطير بل وأثناء الاستعمار، فقد كان الانفصال والانقسام سياسياً ولم يكن اجتماعياً ولا شعبياً ولم يكن هناك انفصال نفسي ولا شعوري ولا حتى مناطقي.. كان الانفصال سياسياً بامتياز وجاءت إعادة تحقيق الوحدة بقرار سياسي وباتفاق سياسي، فلماذا كل هذا الضجيج والضوضاء والشعارات الخاطئة والهتافات الغير مقبولة.
يا أخوة لا تشرخوا العلاقات الاجتماعية ولا تقطعوا أرحامكم ولا تمزقوا النسيج الاجتماعي .. المسألة لا تحتمل ذلك ومن الواجب أن تأخذ القضية مساراتها الحقيقية والواقعية سواء كانت مطلبية حقوقية أو سياسية أو حتى انفصالية، فالانفصال سواء كان مطلباً أو قراراً أو فعلاً ينبغي أن يكون في مساره الصحيح وأسسه القانونية والدستورية بعيداً عن أي انفصال اجتماعي أو نفسي أو ثقافي أو تاريخي،.
وأنا هنا لا اقر ولا اعترف بالانفصال السياسي، ولا ابرر ذلك، وإنما اتحدث بواقعية واطرح رأيي بموضوعية، داعياً لنبذ العنف والقوة في كل الأحوال ومع كل المتغيرات، وفي الوقت ذاته ادعو لترشيد خطاب الحراك وعدم تحويل مسار القضية وأقول بكل صدق ووضوح أن القضية بدأت بالمطالب التي تدعو لإصلاح مسار الوحدة، وأقصى ما يمكن أن تصل إليه المطالب هو العودة لما قبل 94م، وإزالة الآثار السلبية التي خلفتها الحرب على كافة المستويات وفي مختلف المجالات، أما القول أن الوحدة التي قامت في 22 مايو90م كانت خطأً واستعجالاً وأن الأخ علي سالم البيض انفرد باتخاذ القرار.. فهذا كلام غير منطقي ولا حقيقي، فالبيض لم ينفرد وإنما شاور هيئات الحزب القيادية، واشترك مع أخيه الرئيس علي عبدالله صالح بصناعة هذا العمل التاريخي والفعل الحضاري.
والجميع بلا استثناء أيد هذا العمل وبارك ذلك الفعل، والخطأ الذي وقع فيه نائب الرئيس السابق علي سالم البيض هو إعلان الانفصال في 21/ مايو 94م، فلم يكن هناك أي مبرر لهذا الإعلان في ذلك التوقيت وتلك الظروف، وهنا ينبغي التأكيد مرة أخرى على أن حرب 94م لم تكن بين الشمال والجنوب، بدليل أن قيادات وأعداداً كبيرة من محافظات الجنوب شاركت في الحرب مع السلطة، كما أن الحرب لم تكن ضد الحزب الاشتراكي وإنما كانت حرباً أهلية بين اليمنيين، جاءت لعدم دمج كل المؤسسات في إطار دولة الوحدة، وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 27 إبريل 93م، وجاءت الحرب نتيجة لتقاسم السلطة والثروة بين الحزبين الحاكمين في ذلك الوقت المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني ، بالإضافة إلى أسباب وعوامل داخلية وإقليمية ودولية أخرى .
ولا شك أن الحديث ذو شجون والكلام يطول واختتم هذه السطور بهذا السؤال والتساؤل الذي أرى الإجابة عليه مسألة هامة ومهمة، والسؤال: إذا كانت الوحدة لم تحقق ما كنا نتتطلع إليه ونحلم به ونتمناه، فهل سيحقق الانفصال ما عجزت عنه الوحدة؟
كاتب وباحث يمني
.. جميع مقالات الكاتب ..