لقد أغرى الحراك بحدته وعنفوانه الكثيرين ليركبوا موجته وآخر هؤلاء الأستاذ علي سالم البيض الذي لم يكن إعلانه الانفصال في 94 مؤثراً على صورته كوحدوي عند كثير من أبناء اليمن ، الذين عدوا ذلك الإعلان في تلك الظروف خطأ سياسياً لا رغبة جاثمة..
بل ذهبت الكثير من التحليلات يومها إلى أن البيض بإعلانه الانفصال في 21/5/94 قد خدم الوحدة مرتين، لأن إعلانه أسهم في سرعة الحسم وجنب اليمن المزيد من الحرب والكثير من الموت. ولهذا، كان اليمنيون، وحتى ظهيرة يوم 21/5/2009، (أي قبل ساعات من إطلالة البيض وإعلانه بيان الانفصال الثاني) لا يزالون يطالبون بعودة البيض للاحتفال معه بالوحدة، كما هو حال حميد الأحمر في خطابه الذي ألقاه أمام كوكبة كبيرة من رجالات اليمن ونسائها في حفل ملتقى التشاور الوطني.
وبالتالي فإن إعلان البيض بيان الانفصال الثاني قد أحرقه كثيراً، وصدق فيه ظن خصومه، وأخرس محبيه.. خصوصاً عندما جاء هذا الإعلان مقترناً بتنصله (البيض) من يمنيته ومن انتمائه للحزب الاشتراكي الذي ناضل بوفاء منذ 94 وطالب بإعادة صوره كمحقق للوحدة إلى جانب الرئيس علي عبدالله صالح، وكذا مقترنا بالاعتذار عن تحقيق الوحدة.. ذلك الاعتذار الذي قال فيه أن الظروف الدولية التي "طالت العالم أجمع" هي التي اضطرته إلى الوحدة. والمفهوم التلقائي من كلام البيض سقوط المنظومة الاشتراكية، وبالتالي فإن البيض بخروجه غير الموفق يكون قد قضى على من تبقى من دائرة محبيه، وعليه يمكن القول بأن الحراك قد أحرق البيض..
هذا من جهة.. من جهة أخرى يمكننا إعادة الشريط إلى الوراء عامين هما مدة التهاب الحراك وتصاعده، فطيلة العامين حرص قادة الحراك على التأكيد أن الحراك له أسبابه الداخلية فقط.. المتمثلة في المظالم والإقصاء، وليس لديه أي حبل سري يربطه بالخارج. ليأتي خطاب البيض واضعاً هذه الأطروحات لقادة الحراك على محك الشك.. خصوصاً وأن البيض في نظر كثير من أبناء الجنوب ليس بريئاً من جعل اتفاقية الوحدة تصب في مجرى معين، بناءً على مصلحة شخصية خاصة به، وفق ما صرح بذلك الكثير من مناوئي السلطة الحاكمة في صنعاء، وآخرهم الأستاذ شعفل عمر المقيم في القاهرة الذي أكد ذلك خلال مقابلة أجراها معه الزميل مروان الغفوري لصحيفة "النداء" في الأسبوع الأول من العام 2008.
إضافة إلى أن البيض ليس برئياً أيضاً من تهمة الاستحواذ على أموال الحزب.. وفقاً لما اتهمه به الكثيرون ليس آخرهم المهندس حيدر أبوبكر العطاس خلال إطلالته في برنامج "زيارة خاصة" لقناة الجزيرة.
ظهور البيض أحدث استنفاراً للجماهير الوحدوية النائمة في طول البلاد وعرضها.. وقبل خطاب البيض ما كنت لتسمع عن مظاهرة في لحج يختلف فيها مؤيدو الوحدة مع بقية بالانفصال.
سيحتاج الحراك خطة قوية وزمنٍ مديد حتى يتخلص من لعنة البيض، إذ الجميع الآن في مأزق.. ذلك أنه حتى أكثر المتشائمين من ظهور البيض لا يريد أن يتورط الحراك علنياً وبشكل صارخ في إحراق البيض. (لما في ذلك من هدية للسلطة القائمة لا تستحقها).
لهذا لابد من مرور الوقت.. على أن الأحداث بدأت تتعقلن.. (ويمكن إدراج تصريحات الرئيس علي ناصر محمد الأخيرة في هذا الإطار) هذا ما يصل إليه المحلل والمراقب الذي يرصد الأوضاع وينظر إليها نظرة عميقة. فخطاب البيض خوف حتى الكثير من الفعاليات الاحتجاجية أن الأمور قد تنحو منحى التصعيد مجهول العواقب.. وأن البساط قد يُسحب من تحت أقدام الجماهير التي أحدثت كل هذا الضجيج.
لا أحد يريد الانفصال حتى الانفصاليين أنفسهم.. لكن لا أحد في المقابل يريد بقاء الأوضاع والسياسات كما هي عليه.. هذه هي المعادلة اليمنية الصعبة التي يتوجب على عباقرة الرياضيات حلها، لكي تخرج البلاد وبسرعة إلى متسع مفيد.
قمة الرئيس والملك..
بعد غد الأحد تعقد بإذن الله قمة عادية بين القيادة اليمنية ممثلة بالرئيس علي عبدالله صالح وبين أشقائنا في حكومة المملكة العربية السعودية ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
هي قمة عادية، لكن الأسلوب الخاطئ في الدبلوماسية اليمنية قد يجعلها قمة طوارئ، بحيث يسارع الطرف اليمني إلى التصريح الفوري عقب القمة بأن الأشقاء في المملكة أعلنوا وقوفهم مع اليمن ووحدته وقيادته وهذا هو الخطل بعينه. إذ من ذا الذي شكك بموقف المملكة.. ومن ذا الذي قال إن الوحدة أصبحت في مهب الريح.
هذا ما يوجب منطق الحصافة على السلطة إبرازه والظهور به..
أما بالنسبة للقوى الحية في اليمن فعليها أن لا تنشغل بغير المعادلة أعلاه.. لا أحد يريد الانفصال.. ولا أحد يريد بقاء الأوضاع والسياسات على كما هي عليه!!
كتبها: عادل الأحمدي
_________
نشوان- خاص