آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

عدم الانحياز.. حارس الجنوب

تبقت "حركة عدم الانحياز" من أطلال الحرب الباردة، بعدما انفردت إحدى قواها، وانحازت أغلب دول العالم إليها. وبات العالم اليوم في حاجة إلى عدم الانحياز أكثر من أي وقت مضى، بعد تجلي الانحياز التام إلى الذات، وغدو بعض مبادئ الحركة في خبر كان!

لقد تضمنت مبادئ الحركة مبدأ تحقيق التنمية الشاملة في كل الجوانب لدول عالم "الجنوب النامي" بجانب عدم الارتباط بمعسكرات القوى، والنأي بالدول عن سياسات الحرب الباردة بين دول "الشمال المتقدم". وهي نموذج مطالب مثالية لواقع غير مثالي! إذ كل الدول المنحازة (وغير المنحازة أيضاً) دخلت ميادينها خضم الحرب الباردة، وارتبطت بالمعسكرات الرأسمالية والشيوعية!

ومع بقاء معسكر واحد انحازت إليه الأكثرية العالمية، بقي مبدأ التنمية في عالم متغير تتلاحق فيه مشاكل العولمة من أمراض وأزمات عالمية مصدرها "القوة الوحيدة".

وحسب وزير خارجية جمهورية مصر العربية، أحمد أبوالغيط، في تصريحاته إلى الصحفيين، تحرص مصر على صون تراث الحركة ومبادئها وإنجازاتها، ولذا ستعمل من خلال رئاستها للدورة الحالية على صياغة سياسات تتواءم مع ما تواجهه دول الحركة من تحديات، باعتبار الحركة ذراعاً سياسية للجنوب العالمي، إلى جانب الذراع الاقتصادية: مجموعة الـ77. وتطوير الحركة يحافظ على مصالح الجنوب، فهي الحارس الأمين لمصالحه.

"حركة حراسة مصالح الجنوب" هذه، تزعمها وشارك في تأسيسها رئيس يوغسلافيا جوزيف تيتو، ورئيس وزراء الهند جواهر لا نهرو، ورئيس إندونيسيا أحمد سوكارنو، شاطروا رئيس مصر جمال عبدالناصر دوره الكبير في تأسيس الحركة منذ انطلاقها، من مؤتمر باندونج بإندونيسيا في نيسان – أبريل 1955 بمشاركة 29 دولة، بينها اليمن، ثم احتضان مصر لاجتماعها في القاهرة عام 1964، وكما كان لـ"مصر عبدالناصر" ذلك الدور في التأسيس، تستعيد "مصر مبارك" فعالية الحركة اليوم والنهوض بها، بعد بلوغ عدد أعضائها 118 دولة، في مؤتمر شرم الشيخ تموز – يوليو 2009 برئاسة دورتها الحالية بعد كوبا راؤول كاسترو، وتضع خطة عمل بجانب "وثيقة شرم الشيخ" المتضمنة قسماً خاصاً ب"القضية العصية"، أي: قضية فلسطين، وكذا تأكيد أهمية إصلاح هيئة الأمم المتحدة بالتوازن بين أجهزتها الرئيسية ضماناً لوجود دور مركزي للهيئة الأممية في اتخاذ قرارات اقتصادية ومالية ودولية، وكذا توسيع نطاق عضوية مجلس الأمن وتحسين طرق عمله.

إن المشترك بين دول عدم الانحياز هو تصنيفها بالدول النامية، وهذا يستلزم التعاون فيما بينها وتوحيد مواقفها ورؤاها إزاء القضايا العالمية، والخروج من مدار تلقي "الوصفات الجاهزة" الملقاة من سماوات العالم المتقدم إلى صحارى العالم النامي يجده سراباً بعدما حسبه ماءً!

الهموم العالمية أو الدولية كثيرة ومشتركة، وينبغي التوجه المشترك بآليات وأساليب موحدة صوب حلها بشكل لا ينحاز فيه أحد إلى الذات فقط أو يهتم بإعادة الاعتبار له كقبلة تاريخية، فيطغى اهتمامه الضيق على الاهتمام الواسع.

التقاء قادة أغلب دول العالم غير المنحاز علاوة على ممثلي 22 دولة غير منحازين إلى الحركة اليوم في القمة الخامسة عشرة بشرم الشيخ نهاية الأسبوع، يفرض، كما يفرض كل اجتماع موسع، الانتقال بالظاهر من إيجابية قرارات وحيوية روح الاجتماع إلى ميدان التطبيق خارج قاعة الاجتماع، ليكون "تغريد حارس الجنوب" مسموعاً في "فضاءات قوة الشمال" الأوسع. فمن يسمع؟

القاهرة 13 يوليو 2009.
[email protected]

Back to top button