آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

لا عذر تبقى لمن لايزال يدعي غموض حرب صعدة

في حرب صعدة الأولى وحتى الثانية والثالثة كان مقبولاً، إلى حد ما، أن يدعي هذا الطرف أو ذاك أن أزمة صعدة وتمرد الحوثي يكتنفهما الغموض، ويسيطر عليهما الضباب، وكان مقبولاً إلى حد ما، أن يتنصل البعض من مسؤولياتهم تجاه هذه الأزمة وهذه الحرب، تحت مظلة الضبابية والغموض.

لكن من غير المقبول الآن بعد كل هذا الوقت وبعد كل هذه الدلائل والقرائن التي تثبت حقيقة الحوثي وجرائمه النكراء وأهدافه العقيمة ، أن يواصل البعض التعذر بمسألة غموض الأزمة والحرب، أو لا تكفي هؤلاء خمس حروب وخمس سنوات لكي يفهموا طبيعة الأزمة وخطورة التمرد، أم أنها سنة المرجفين في كل زمان ومكان أن يبحثوا عن أعذار يغالطون بها أنفسهم ويغالطون بها الآخرين ليهربوا من اتخاذ مواقف واضحة وفاصلة وحازمة وحاسمة إزاء هذا التمرد الذي تسبب في إشعال هذه الحروب التي تسببت في كل هذا الخراب وفي كل هذا القتل والموت والنزوح الذي طال الآلاف من اليمنيين.

بالفعل كانت الأزمة في بداية الأمر مفاجئة للجميع وتواترت الشكاوى من غموض مطلعها وحقيقة أسبابها، خصوصاً في ظل سعي الحوثيين إلى التضليل المستمر للرأي العام والنفي المستمر لأي مقصد أو فعل يمارسونه على أرض الواقع وينكرونه أمام الملأ..

هذا الغموض كان سبباً في تحريك همة الكثيرين لمعرفة حقيقة الأزمة، إلى أن قلت يوماً عن يوم نسبة الشاكين من غموض الأزمة، وصولاً إلى لحظة الإجماع الشعبي الكبير الذي نشهده اليوم في اليمن على خطورة المتمردين وسوء نواياهم وفداحة جرائمهم، والمتمردون اليوم أنفسهم. وفي أكثر من منعطف أصبحوا لا يخشون من معرفة الناس لحقيقة نواياهم، وأصبحوا يجاهرون بأفعالهم وأقوالهم.

ورغم ذلك لا نزال نسمع من يشكك في هذه الأزمة ويشكو من غموضها بلا مبرر نستطيع أن نتفهمه سواء أن مثل هذه الشكوى من الغموض، إما أن يكون مصدرها أشخاص متواطئون حقيقة مع الحوثي وحريصون على نجاح مشروعه الإمامي، وإما أنهم أشخاص وجهات تخاف من أن يقودها الاعتراف بزوال غموض الأزمة إلى القيام بواجباتها الأخلاقية والوطنية تجاه إنهائها..

ولو افترضنا جدلاً أن وسائل إيضاح الدولة كانت مقصرة في توضيح خطر الحوثي أو أنها ليست ذات ثقة ومصداقية لدى الأطراف المشككة، فالحوثي لم يقصر، وخصوصاً في السنتين الأخيرتين في الكشف عن حقيقة نواياه وطبيعة أفعاله وجرائمه ضد المواطنين الأبرياء ، وضد الجنود وأفراد الأمن، وضد دستور البلاد وحاضرها ومستقبلها، بعيداً عن الخوض في مسائل العقيدة وكذا التهديد الثقافي والفكري الذي يمثله الحوثي على الوجدان اليمني عقيدة وشريعة وتراثاً وأشواقاً ووحدة.

ألا تكفي شهادات النازحين من أبناء صعدة التي يبثها التلفزيون اليمني يومياً، أم أن المرجفين يعتبرونها تمثيلاً درامياً في بلد يعرف الجميع أنه لا يزال غير قادر على إنتاج مسلسل تلفزيوني رمضاني ناجح، فكيف قام بتأهيل وإعداد هؤلاء الممثلين من أبناء صعدة؟!!

هل ينتظر هؤلاء أن يسلبهم الحوثي كل شيء، لكي يصدقوا أنه بالفعل متمرد وإمامي، وكهنوتي، وعنصري، ومصاص دماء؟!!

من الواجب القول اليوم لمن تبقى ممن يزعمون بقاء الضبابية والإلغاز في أزمة وحرب صعدة ألا يخجلوا من أنفسهم، لأنهم لا يستحقون شرف الخجل.. وعلينا أن لا نأمل في هَبّتهم خيراً، لأنهم لن يزيدوا أبناء اليمن الصامدين في وجه هذا التمرد إلا "خبالا".. ذلك أنهم ارتضوا القيام بدور المرجفين المشككين والمترددين، ورضوا أن يكونوا من الخوالف مع القواعد من النساء، والضعاف من الناس.

وهناك نوع آخر من الناس لا يكتفي بادعاء بقاء الغموض في حرب صعدة وتمرد الحوثي، بل يخترع لها توصيفات بعيدة كل البعد عن الواقع، والغرض الوحيد منها هو التشكيك في حقيقة خطر الحوثي، ورمي الأهداف غير النزيهة في مرمى السلطة في توقيت غير نزيه، وهؤلاء الحمقى لا يقلون خطراً عن المتمردين الذين يحملون السلاح ويمارسون القتل ضد إخواننا المواطنين والجنود في صعدة. ويريدون إعادة الكهنوت والطاغوت والسيد والعبد. وتحويل اليمنيين إلى خدم سذج يضربون قاماتهم ويعيشون في مقابر التاريخ. ويقبلون أحذية الأدعياء.

على الناس أن يأخذوا حذرهم من غبار الكلام، وعلى كل شريف في هذه البلاد ألا يضع نفسه في المنطقة الرمادية من هذه الأزمة المصيرية العاصفة، مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. وفي الوقت متسع للاستدراك لمن يأنس في نفسه رغبة اللحاق بالرجال والفرار من العار.. وهذه دعوة صادقة في وقت لم يعد يحتمل تخيّر الألفاظ الناعمة ومراعاة المشاعر.

الساكت عن قول الحق شيطان أخرس، والحياد في مثل هذه الظروف لا يصب إلا في صالح المتمردين القتلة الذين لا يحفظون الجميل لأحد.

ومجدداً يجدر القول أن لا شيء يجبر اليمنيين على أن يخسروا كل شيء دفعة واحدة..

ولكل البقية الباقية التي ما زالت تشكك وتستريب وترجف نختم بالقول لهم ألا يآمنوا مكر الله العزيز القهار.. و"تكاد الدنيا أن تكون دار جزاء".

أخيراً:

أيها الهارب في قلب الظهيرة..

من هجير الحر تلتمس الظلالْ

قدماك لا تقوى على وقد الرمالْ ..

والخطو في إثر المسيرة

وتقحم الأهوال والأشواك والسبل الخطيرة

ستظل عند السفح رهن الخوف تدهسك النعال

في حين ينطلق الرجال ..

(الأبيات الشعرية للأستاذ جمال أنعم )

زر الذهاب إلى الأعلى