ندرك أنكم عرفتم بلاد الله مرتبة مهندمة، ورأيتم كيف تبنى الحضارات وكيف تُصنع الأمجاد، وكيف يُصان المرء والمجتمع والقيمة والمبدأ..
ندرك أنكم عايشتم كيف يسود القانون، وكيف يُقدّر الإبداع، وعاينتم ما الذي تفعله الشفافية والاكتراث والمبالاة، وكيف تسهم الزهور في تنسيق الذوق، وكيف يُحترم الوقت، وعرفتم بدقة الفرق بين الحرية والفوضى، وبين الدأب والإهمال، وبين الصدق والمغالطة..
وندرك أنكم تقارنون، وتعرفون مكمن الخلل، وتتمنون أن تكون بلادكم أفضل، وتهبون إليها في كل زيارة وقلوبكم ملأى بالأمنيات أن تروها أفضل مما تركتموها.. مثلكم لا يملك أن يتعامى أو يداهن..
أيها المغتربون.. يا أنبل سفراء اليمن، ويا أنظف حكايا الكفاح، ويا أسمى مراتب الوطنية.. يا العصاميون الذين تذوقوا طعم النوى وتجرعوا مرارة الحنين.. من صميم قلوبنا نقول: ألف أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم.. نورتم بلادكم.. وسامحونا، مقدماً، على أي تقصير..
هنالك من سيحاول تملقكم وهو لا يدري بأنكم أدهى وأدرى وهنالك من سيحاول خداعكم وهو لا يعلم أنكم أذكى وأنبه..وهنالك من سيحاول ابتزازكم وهو غافل أن الحياة علمتكم الكثير. فلا تلتفتوا لكل هؤلاء.. وحدقوا في عيون الأجيال التي تكن لكم احترامها العميق، وترى فيكم القدوات الفاضلة والقصص النبيلة..
الأجيال التي عرفت من خلال تأملها في حكاياكم المشرفة أن الإشكال لا يتمثل في العقل اليمني ولكن في البيئة اليمنية المعطوبة بفعل قرون التجهيل والتوجس لهذا يبدع اليمني خارج أرضه، مع هذا يظل وفياً لبلاده، تواقاً لرقيها، ومأخوذاً باتجاه انعتاقها المنشود..
المغترب يحمل بلده معه.. ويعيشه أكثر من المقيم، ذلك أن لا يوم يمر دون أن ينادى باليماني أو اليمني، ولهذا لا شيء يثلج صدره مثل أن يسمع خبراً ساراً عن بلاده ولا شيء يدخله دياجير الهم والغم مثل أن يسمع أن بلاده تئن وتختصم وتهتاج في دروب العدامة والعناد..
يا أنبل سفراء اليمن.. لم تأخذكم كل مشاغلكم عن بلادكم، لكن بلادكم أخذتها هموم كثيرة عنكم..
بالأمس كان هنالك من يحتفي ويغني.. يزرع الحنين في صدوركم لليمن بلاد المهجر، ويزرع الصبر والرجاء في قلوب أهاليكم داخل اليمن..
اليوم لاشيء من هذا كله.. لقد كبرتم وتعاظم شأنكم في كل بلاد الله.. وبلادكم تجهل عنكم الكثير.. يكرمكم الملوك والرؤساء والجهات والمنظمات ويأخذ عنكم الناس في كل بلاد الله، وبلادكم لا تصغي لكم..
لست هنا بصدد إحصاء الموجعات ونأش الآلام لكنني أريد القول إن هناك من يشعر بكم جيداً ويعدكم بغدٍ أفضل من اليوم.. أياً تكن جهامة الحاضر ثمة ما يدعونا عنوة لمستقبل مشرف لا زلنا نبحث عن مفاتيح ولوجه..
وختاماً كما هو البدء: نورتم البلد..