يا لها من مصادفات ملهبة للقلوب هذه الأيام، وبهذا الصدد تحضرني بعض أشعار للشاعر بابلو نيرودا الشاعر الشيلي والمناضل العالمي الكبير والصديق الوفي للرئيس الشيلي الراحل سلفادور اليندي بابلو نيرودا أوردها بتصرف :
«أحتاج إليكما أيها الأخ الشباب،
أيتها الأخت الشابة، لتسمعا ما أقوله،
لا أؤمن بالبغض اللا إنساني،
لا أؤمن بعداء الإنسان،
وأردت بأيديكما وبأيدي،
ونتمكن من مواجهة العدو معا،
وسنقف ونصمد أمام عقوبتنا،
وسنجعل هذا الأرض مليئةً بالفرحة،
ممتعة وذهبية، كسنبلة قمح..»
ففي يوم 11سبتمبر 1973 عندما كان سلفادور ألبندي في قصر دلامونيدا في سانتياجو عاصمة تشيلي هدفًا لانقلاب عسكري بقيادة الجنرال آوغوستو بينوشيه، وقبل رحيله بلحظات وعن طريق إذاعة كانت لا تزال تتم بثها، لفظ عبارته الأخيرة بهذه الكلمات الجميلة التي تنم إحساس جميل ومتفائل بالحق رغم شدة الأزمة التي تلم به وقال: «إلى الأمام، اعرفوا إنه سيفتتح قريبًا دربًا كبيرًا سيخطو فيه الإنسان لبناء مجتمع أفضل.. وإنني متأكد أن المجرمين والخونة سيواجهون مصيرًا قاتلاً»..
وهنا وفي البداية يجب أن نشير إلى مصير زملاء بينوشيه المصير المثير للشفقة وكذلك محط اعتبار، ونذكر الآخرين بما قاله وانتظره الرئيس الراحل سلفادور اليندي .. فبعد أن اسقط شعب تشيلي الدكتاتور بينوشيه عام 1989 وتم إحالة عدد من سلطات نظامه إلى المحاكم بتهمة «الاختطاف» و«التعذيب» و«القتل» والقضية لازالت مستمرة.
فبعضهم توجه إلى الحياة السرية مفضلين أن يعيشوا متشردين بدلا من الوقوف مدانين أمام المحكمة لسداد ديونهم والاعتذار لشعبهم.. وفي يناير 2008 نجحت الشرطة في اعتقال «إيفان كوئيروز» الرئيس السابق للاستخبارات والذي لاذ بالفرار عندما كان في السجن. وكان «كوئيروز» قد قتل سبعة من أنصار ألليندي في عام 1987. وكان هاربًا لفترة أربعة أشهر متخفيا وبشعر طويل ولحية بيضاء مستخدما نظارة متواريا عند اعتقاله.
وفي يناير 2005 انتحر «جيرمان باريغا» الجندي السابق وقاتل عدد من العزل حين الانقلاب العسكري قافزا من الطابق الثامن عشر من إحدى البنايات عندما كان تحت الاستجواب .. وفي حالته، استخدم الناشطين في حقوق الإنسان طريقة اسمها «فوفا». وفي هذه الطريقة كانوا يُسعون إلى ذكر أسماء عملاء نظام بينوشيه لإثارة الخجل عند الشخص المعني.. حيث يجتمعون أمام بيوت هؤلاء الأشخاص ويغنون ويقرعون على الأواني وأي عمل أخر ليحولوا حياتهم إلى جحيم. وفي عام 2007 انتحر «لوئيس آلخاندرينو هدالغو» الجنرال المتقاعد في الجيش التشيلي بعد اتهامه في قضية اختطاف عدد من الأشخاص عام 1973، عندما كان تحت الملاحقة بسبب سوء استغلاله لمنصبه وانتهاكه لقضايا حقوق الإنسان.
أما بينوشيه ديكتاتور التشيلي نفسه الذي كان في هذا اليوم الحزين من صيف 1973، ثملا آنذاك محتفلا بنجاح مجزرته وانقلابه العسكري ، ولم يتصور أبدًا أنه وفي يوما ما عند قضائه عطلته في لندن سيساق إلى القضاء الاسباني الذي أصدر حكمًا باسترداده ومحاكمته.. وذهب بينوشيه إلى الجحيم محملا بالخزي والعار وسيق يوميًا وبمساعدة عدد من مرافقيه الذين كانوا يساعدونه في المشي للاستجواب في المحكمة.
وما أشبه اليوم بالأمس وما أشبه من ظلموا مجاهدي خلق و ظلموا سكان أشرف عناصر مجاهدي خلق ولا زالوا مصرين على ظلمهم وانتهاك حقوقهم ويا للمصادفة وعدل قضاء الدهر حيث أن من كلف بالدفاع عن سكان أشرف وكالة عن عوائل هؤلاء هو صديق حميم للرئيس التشيلي الراحل سلفادور اليندي وأوكل للدفاع عن اشرف ليعمر طريق الأمل والفتح الكبير المطلق الذي تكلم عنه الرئيس سلفادور اليندي .، وهذا المحامي الموكل للدفاع أشرف هو الدكتور خوان غارسيه الخبير الحقوقي الدولي البارز الذي كان المستشار السياسي للرئيس اليندي وكان معه حتى اللحظات الأخيرة من حياة الأخير في قصر الرئاسة.. ويا لعدل قضاء الدهر أيضًا أن المحكمة التي تنظر في هذه قضية اشرف في اسبانيا هي المحكمة المركزية في إسبانيا أي نفس البلد الذي أصدرت فيه المحكمة حكمًا باسترداد بينوشيه ومحاكمته. نفس البلد ونفس المحكمة ونفس الأجواء ..
وبناء على قرار المحكمة المركزية في إسبانيا فان الشكوى المقدمة حول أحداث 28 و 29 تموز 2009 في مخيم أشرف تشمل جريمة ضد المجتمع الدولي وجريمة حرب بالإضافة إلى جريمة قتل بحق 11 شخصاً و480 جريمة إلحاق أذى خطير بالجسم و36 جريمة اعتقال غير شرعي وتعذيب وكذلك إلحاق خسائر جنائية أخرى تتعلق كلها بانتهاكات لاتفاقية جنيف الرابعة في 12 آب 1949 حول حماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب. اتفاقيات جنيف المقبولة لدى اسبانيا والعراق حيث وقعت الحكومة العراقية في 8 حزيران 1977 البرتوكول الأول للاتفاقية.
وبموجب قرار المحكمة: فان الحقائق الواردة في بيانات الادعاء هي أنه وفي الساعة الثالثة من يوم 28 تموز 2009 وكذلك في يوم 29 تموز شن حوالي 2000 من قوات فيلق 9 بدر وقوة «العقرب» الخاصة في بغداد والفوجين الثاني والثالث للشرطة وقوات مكافحة الشغب شنت عملية متعمدة ومخططة لها مسبقاً بقيادة اللواء ألشمري ومجهزة بعجلات همفي وجرافات وأسلحة نارية وفؤوس وهراوات معدنية وخشبية وسلاسل وغاز الفلفل وغازات مسيلة للدموع ورمانات صوتية وخراطيم مياه وعجلات متفرقة أخرى تم استخدام في الهجوم على سكان أشرف العزل وأطلقوا عيارات نارية عشوائية على المحميين بموجب اتفاقية جنيف وقتلوا 11 شخصاً منهم و اعتقلوا 36 آخرين..واستند قاضي التحقيقات إلى المبدأ العالمي للملاحقة القضائية للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بموجب الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي وهذا نابع عن السير القضائي في المحكمة العليا الاسبانية.
ولم يبقى لدى آمرو هذه الجرائم الذين هم في إيران ألان أي أفق للبقاء في الحكم ، ومنفذوها في العراق يعرفون هذا جيدًا. والقضاء واقع عليهم كغيرهم وإليهم أخيرًا أو قريبا.. ولن يكن مصير من هاجم أشرف أفضل من مصير هؤلاء المجرمين في تشيلي و قد يفلح من يستعجل وينقذ نفسه في أقرب وقت ممكن وخسر كل من ربط مصيره بمصير بينوشيه ويخسر من يربط مثيره بنظام طهران.
ودعونا اليوم ننشد مع بابلو نيرودا: «اسمعوا ما نقوله، لا نؤمن بالبغض اللا إنساني، ونتمكن من مواجهة العدو معا، وسنقف أمام عقوبتنا، وسنجعل هذا الأرض مليئة بالفرحة، ممتعة وذهبية، كسنبلة قمح..».
وننشد أيضًا مع أليندي: «إلى الأمام، اعرفوا انه قريبًا سيفتتح دربًا كبيرًا سيخطو فيه الإنسان لبناء مجتمع أفضل..». والانتفاضة العارمة في الاثنين الماضي والتي جاءت استمرارًا للانتفاضات الماضية في إيران قد فتحت هذا الدرب الكبير وأضاءت شمعته وسيسير فيه كل المستنيرين بثقافة الأحرار..
باحث وكاتب