أن تتفق كل القوى الوطنية في الساحة اليمنية على أن الحوار الوطني "العام والشامل"، هو المخرج العملي من الأزمات التي تعيشها البلاد، تلك هي الخطوة الأولى في مسافة الألف ميل المطلوب تجاوزها،
ولكن الأمر الذي لابد من التأكيد عليه، هو أنه لا يمكن الترتيب بداية، لإجراء حوار وطني جاد ومسؤول يفضي إلى نتائج إيجابية بين أطراف العملية السياسية في اليمن، بمعزل عن مشاركة تكتل المعارضة في "اللقاء المشترك" .
ذلك لأن "المشترك" الذي يضم أحزابا فاعلة ومؤثرة في الساحة السياسية، دخل في حوارات عملية وناجحة في فترات مختلفة مع المؤتمر الشعبي العام، حول قضايا وضوابط الحوار، وبالذات خلال الأعوام (2006،2007،2008م) ثم اتفاق فبراير2009م..
الا أن التنافر الحاد في المواقف تجاه مختلف القضايا (السياسية والأمنية والاقتصادية والدستورية) ظل هو سيد الموقف، بما في ذلك الموقف من قضية "الحراك السلمي" في المحافظات الجنوبية والشرقية، وأيضا حرب تمرد الحوثيين التي كانت مواقف السلطة والمعارضة بشأنها شبه متقاربة حتى مجيء الحرب السادسة في أغسطس 2009م، التي افترقت عندها الآراء والتوجهات، ليس فقط بسبب تأخر عملية الحسم العسكري، وكثر الخسائر البشرية من بين افراد الجيش والمواطنين وأعمال التخريب والدمار والكوارث الإنسانية التي سببتها الحرب، وإنما أيضا، لاعتقاد يسود في أوساط "اللقاء المشترك" أن هناك اجندة خاصة لدى قيادة الدولة في الحرب التي تذيكها وقتما تشاء وتوقفها وقتما تشاء.
وظل "المؤتمر" ينظر إلى أحزاب اللقاء المشترك بكونها ضليعة في تأزيم الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، من خلال التحريض والتعبئة ضد السلطة عبر فعالياتها المختلفة، فيما ظلت أحزاب المعارضة تكيل التهم للسلطة، وتعتبرها المسؤولة عن هذا التأزيم، وتشعر في نفس الوقت أنها مغيبة وبعيدة عن كل مايجري في الساحة، وأن قيادة المؤتمر تسعى لتحويل كل أحزاب المعارضة إلى "ديكور ديمقراطي"، يمكن تفكيكها بالحوارات الإنفرادية حينما تشاء وكيفما تشاء..
الأمر الذي اندفعت معه المعارضة إلى وضع ضوابط محددة و(مُحصِّنة) للحوار مع الدولة والمؤتمر، كما وضعت آليات لأنشطتها، ولتدوير السلطة بداخلها، من رئاسة وممثلين وناطقين رسميين..الخ، الأمر الذي اعتبرته قيادات في المؤتمر الشعبي العام تحديا صارخا لإرادة النظام، وتطورا مخيفا في نشاط المعارضة.
وقد استطاعت أحزاب "اللقاء المشترك" - فعلا- أن توحد نشاطها، وبإيقاع مثل حدا كبيرا من التماسك والثبات، وصل ذروته أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2006م، الأمر الذي صعب معه على المؤتمر الشعبي العام اختراق التكتل أو كسب واحتواء ولاءات بعض أعضائه - كما كان يحدث في السابق- وهو ما لم يكن في توقع وحسبان قيادة المؤتمر، ما دفع إلى مزيد من المكايدات السياسية والإعلامية والتخندق كل من موقعه، وكل بأدواته وبإمكاناته .
لم تقف الأزمة السياسية عند ذلك الحد بل اتخذت أبعادا جديدة من أوجه الصراع تمثلت باللعب بأوراق (أمنية، مناطقية، مذهبية، قبلية، عنصرية وسلالية)، شكلت منحدرا خطيرا في الأزمة، وأوصلتها حد الانسداد الفعلي، رغم محاولة التقارب عبر توقيع اتفاقيات نمطية لم يلتزم بها أحد كما اشرنا إلى ذلك سلفا.
والمشكلة الرئيسية التي تظهر مابين الوقت والآخر في علاقة المؤتمر ب"المشترك" هي تجاوزات ما يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، ولعل اتفاق فبراير2009م أبرز مثل على هذه التجاوزات أو الخروقات التي تمت، وتمثلت- برأيي- في النقاط الأبرز التالية:
أ) تجاوزات المشترك:
- الدعوة والترتيب إلى حوار وطني منفردا.
- إصدار وثيقة الإنقاذ الوطني.
- التعبير عن مواقف بشأن الحراك وحرب صعدة ( اعتبرها المؤتمر الشعبي العام تأييدا لأعمال العنف ومقاومة السلطة) .
ب) تجاوزات المؤتمر
- القيام باعتقالات سياسيين وأصحاب رأي وصحفيين ومحاكماتهم.
- إيقاف ومنع تداول بعض الصحف المستقلة .
- إجراء الانتخابات التكميلية.
ومن هنا ولأن التجاوزات أصحبت قاسما مشتركا بين المؤتمر واللقاء المشترك، فضرورة إحياء الحوار واللقاء حول طاولة واحدة يتطلب التفاهم حول القضايا المختلف عليها، والتهيئة لتنازل الطرفين في قضايا أخرى لاعتبارات المصلحة الوطنية.
وعليه أعتقد أنه يمكن التفاهم مع "المشترك" للمشاركة في الحوار الوطني تحت قبة مجلس الشورى على ضوء الأسس والاعتبارات التالية:
1- اعتبار اتفاق فبراير 2009م أحد مراجع الحوار الوطني .
2- اعتبار الانتخابات التكميلية أمراً واقعا.
3- وقف المحاكمات السياسية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والصحفيين وأصحاب الرأي، وإلغاء الحجز عن الصحف الموقوفة.
4- مناقشة آلية مشاركة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني في الحوار الوطني في ضوء ما حددته رسالة فخامة الأخ الرئيس.
5- اعتبار وثيقة الإنقاذ الصادرة عن (اللجنة التحضيرية للحوار الوطني)، أحد أوراق العمل في مؤتمر الحوار الوطني.
وإذن، فالترتيب والاتفاق على مشاركة أحزاب "اللقاء المشترك" في الحوار يمكن أن يسهل عمليا أجراء حوار وطني يفسح المجال أمام كل القوى السياسية للمشاركة فيه، ويناقش مختلف القضايا المسببة للأزمات القائمة.
فالحوار هو سنة اليمنيين وهو لذلك فعل ميسور، بل ومقدور عليه اذا ما توفرت الإرادة السياسية والرغبة في تجاوز الأزمة لدى كل الأطراف، ولعل فخامة الأخ الرئيس الذي أمضى حو إلى 32 عاما في قيادة البلاد، قد أبلى في الحوار بلاءً حسناً، فقد ضم إلى طاولة الحوار الجبهة الوطنية التي كانت في الثماتنينات تتقاسم السيطرة مع الدولة على ما كان يسمى بالمناطق الوسطى، واحل الحوار بالكلمات معها محل الحوار بالبنادق والرصاص، ودخل في رحلة طويلة وشاقة من الحوارات المكوكية حول الوحدة اليمنية مع قيادات الشطر الجنوبي منذ تسنمه قيادة الشطر الشمالي من البلاد وحتى قيام دولة دولة الوحدة 1990م..
وكان قبلها أيضا قد دخل في حوارات شاقة مع حركة الإخوان المسلمين التي كان قادتها شركاؤه في حرب المناطق الوسطى ضد ما كان يسمى ب" الزحف الشيوعي" القادم من الجنوب، وأدار حوارات شاملة وناجحة مع كافة الأحزاب (السرية) وأطراف العمل السياسي في عقد الثمانينات، واستطاع بالحوار أن يخرج في اغسطس 1982م بوثيقة "الميثاق الوطني" التي أجمعت عليها كل القوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وانضوى الجميع - حينها- تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام، الذي استمر حتى قيام دولة الوحدة واعلان التعددية السياسية حيث ذهب كل إلى سبيله.
فتلك الفترات والمراحل التي حفلت بالحوارات والتنازلات الكبيرة أيضا، كانت كفيلة بشحذ الهمم والإمساك بزمام المبادرة، وذلك ما نحن بحاجة إلى استحضاره الآن، وما هو مقدور عليه أيضا اذا احتكم الجميع للعقل ومنطق القبول..
_________________
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الإستراتيجية
موضوع متعلق: